17-06-2020 07:53 PM
سرايا - جائحة كورونا قد تتسبب في وقف الحج هذا العام، وهو ما أعاد للأذهان قصص توقف الحج النادرة عبر التاريخ الإسلامي، في بعض هذه الحالات توقف الحج تمامًا في مكة المكرمة نتيجة لحروب أو أوبئة وغيرها، وفي حالات أخرى توقف الحج من بعض الدول الإسلامية نتيجة لظروف واجهت هذه الدول أو لعدم استتباب أمان الطريق.
إليكم بعضًا من قصص توقف الحج في التاريخ الإسلامي بسبب الحروب أو الأوبئة كما أوردت "مصراوي":
مذبحة جبل عرفات 251 هـ.
هاجم اسماعيل بن يوسف العلوي، أحد الخوارج، الذي هجم على مكة وقتل خلق كثير من أهلها ونهب ما كان في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة، وسرق كسوة الكعبة وسلب من الناس ما بلغ حوالي 200الف دينار، يروي ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" كيف خرج اسماعيل العلوي من مكة بعد ان سرقها ونهبها وحرق بعضها إلى المدينة، ثم عاد مرة أخرى إلى مكة في موسم الحج ليخرج إلى جبل عرفة ليقاتل عيسى بن محمد المخزومي صاحب جيش مكة ومن معه، فقتل من الحجاج نحو ألف ومائة وسلب الناس وهربوا إلى مكة، ولم يستطيعوا إكمال شعائرهم بعرفة لا ليلًا ولا نهارًا، يقول ...:"قتل من الحجاج نحو ألف ومائة...وهربوا إلى مكة، لم يقفوا بعرفة ليلًا ولا نهارًا، ووقف إسماعيل وأصحابه، ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها".
أحداث سنة 317 هجريًا ومذبحة القرامطة
ينقل الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام ما حدث في العالم الإسلامي من إرهاب على يد القرامطة الذي أدى إلى أن أحدا لم يحج في هذا العام خوفًا من بطشهم، حيث كان القرامطة يعتقدون بأن الحج من شعائر الجاهلية وانه كعبادة الأصنام، فيروي يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي في كتابه "العقائد والأديان والمذاهب الفكرية القديمة والحديثة"، أن ابا طاهر القرمطي زخف على مكة سنة 317 هجريًا ودخلها وقتل في أهلها ومن كان فيها من الحجاج من الرجال والنساء على حد سواء، وحتى من تعلق منهم باستار الكعبة، وردم بئر زمزم، "وقتل في سكك مكة وشعابها من أهل خراسان والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك، واقام بمكة ستة أيام ولم يقف أحد تلك السنة بعرفة ولا وفى نسكًا"، ويصف المرعشلي في كتابه أبو طاهر القرمطي أنه كان من أشد الناس قساوة وأقلهم رحمة، فكان يدعو أصحابه قائلًا: "أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار ودكوا أركان الكعبة، واقتلعوا الحجر الأسود حتى لا يبقى فيه أثر". وذكر البغدادي أن الحجر الأسود لم يرد إلا بعد أثنين وعشرين سنة، عام 339 هجريًا.
والقرامطة هم إحدى الفرق الضالة التي غالت في الكفر واعتقدت بالحلول والتناسخ وألوهية أئمتهم، وحاولوا التوفيق بين عقيدة الإسلام والعقائد القديمة فضلوا.
عشرة أعوام من تعطيل الحج وفتوى بسقوط وجوبه
بعد هذه الأحداث، تعطل الحج منذ عام 317 هجريًا وحتى عام 327 هـ، حتى شفع في الناس عند القرامطة الشريف أبو علي محمد بن يحيى العلوي، حسبما يذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، حتى يمكن الناس من الحج، وكان الحج قد تعطل من جهة درب العراق، وسمع القرامطة للناس بأن يحجوا على أن يكون لهم على كل جمل خمسة دنانير وعلى المحمل سبعة، فحج الناس هذه السنة لأول مرة منذ عشرة أعوام على هذا الشرط، وافتى أحد أئمة الشافعية في هذا الوقت بسقوط وجوب الحج بسبب هذا الشرط، حيث خرج أبو علي بن أبي هريرة الشافعي فلما وصل إلى القرامطة طالبوه بهذا الشرط، فرجع، وقال: ما رجعت شحًا ولكن سقط عني الوجوب بطلب هذه الخفارة.
وباء الماشري وموت أكثر جمال الحجيج
قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية أنه في عام 357 من الهجرة تفشى وباء الماشري ومات به خلق كثيرون، وأيضًا مات في تلك السنة أكثر جمال الحجيج من شدة العطش ولم يصل منهم مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج.
أوبئة تفشت في مواسم الحج في العصر الحديث
تروي لنا المصادر كيف تفشت الأوبئة أكثر من مرة في الحجاز في العصر الحديث، ففي عام 1814م مات حوالي 8 آلاف شخص نتيجة تفشي وباء الكوليرا في العالم وعرفت حينها باسم الكوليرا الآسيوية، ومات في ذلك العام آلاف من الحجاج حيث انتشر الوباء الذي بدأ من الهند على طرق الحج في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وساحل البحر المتوسط.
وبعد ذلك بخمسة أعوام فقط، تفشت الحمى في الحجاز ومات منها خلق كثيرون حسبما ذكر الجبرتي في كتابه عجائب الآثار، ومجددًا، في عام 1831م، تفشى وباء جديد جاء من الهند ليذهب ضحيته الكثير من الحجاج، وتسبب هذا الوباء في مقتل أغلب الحجيج، وسمي ذلك الوباء بـ "الوباء الهندي".
وفي عام 1892 تفشى وباء الكوليرا مجددًا وتراكمت جثث الموتى وزاد عدد الوفيات في عرفات ومنى، وحسب الموسوعة البريطانية، فقد سميت مكة "محطة ترحيل" للكوليرا بين الشرق والغرب، حيث دخل مكة وانتشر فيها وباء الكوليرا 27 مرة خلال الحج في الفترة خلال القرن التاسع عشر وحتى عام 1930م.