حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 796

عندما تعدّ الضريبة عقوبة

عندما تعدّ الضريبة عقوبة

عندما تعدّ الضريبة عقوبة

24-06-2020 11:59 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
في المفهوم العربيّ عموماً ، تعدّ الضريبة وسيلة عقاب يسعى المرء للتهرب منها أو تجنبها ما أمكن ، والمفارقة أن هذا الفعل مباح من قبل الأغلبية حتى ممّن سلمت جيوبه من الجباية ، بمعنى ؛ أن المتهرّب لا يعدّ فاسداً بنظر الغالبيّة بل الكثيرون يبرّرون للغير التهرب والتجنب دونما إدراك بأن إنعكاس هذا الأذى عامٌّ يدفع ثمنه المواطن الصّالح ، وأن المتهرّب إنّما يثرى على حساب الملتزم .

والمفارقة أن الموروث الأخلاقيّ الأردنيّ ينبذ الفاسد ويعدّه خائناً بما يستنزفه لخزانة المال العامّ ولما يهدد به فعله مستقبل الأجيال ، رغم أن بعض الفساد - الذي ننبذه جميعاً - لا يمتدّ بأثره إلى جيوب الشعب بعكس التهرب والتجنّب بالغَيّ الأثر المباشر ، وهذا ما يشابه النظرة العامّة التي تسوّغ الفساد الإداريّ كذلك وتميّزه عن الماليّ .

ولعلّ الحكومات المتعاقبة قد قصّرت - إلّا من رحم ربّي - في مسألتيّ المسائلة القانونية والجباية الضريبية تجاه من يعدّهم الرّأي العامّ من الحيتان حتى سيطرت فكرة بأن هناك من هو فوق القانون أو متمتّع بالحماية الرسمية .

وعليه ؛ لدينا اليوم جيل كامل لا يدرك أن ضعف تحصيل المال من كبار الكسبة قد تم تعويضه من جيوب الصّغار عبر التوسّع في ضريبة المبيعات الصمّاء على يد حكومات تقهقرت أمام رؤوس الأموال ونفوذها وتجاسرت على جيوب الطبقات الضعيفة فيما سنّت من الضرائب التي تمدّدت عموديّاً وأفقيّاً بصورة غير مسبوقة منذ أعوام ، وأن الفاقد كذلك قد تم تعويضه بقروض لم تسهم في تحسين مستوى المعيشة بل راكمت الفوائد على الوطن جيلاً بعد جيل ، أو أنه يدرك ذلك - الجيل - لكنه فقد الأمل في أن يعاد تصويب المسار .

ومن جملة أسباب اليأس تلك ما تعزَّز من قناعة واقعية بأن الأموال التي تمت جبايتها وتلك المقترضة لم تنعكسا على نوعية الخدمات والإصلاح الإقتصادي كما أسلفنا ، وتفاقم ذلك بما شاب بعض المشاريع الكبرى من فساد أضاع الأحلام التي كان من أجلها تحمّل الجباية المرهقة والإقتراض عالي الكلفة ، فكانت الخسارة مضاعفة ومن ذات الجيوب المنتمية التي تجاوزت عن كلّ ما سبق حينما ضعف أملها في كبح جماح الفساد والتهرب والتجنّب على حدٍّ سواء فدفعت فاتورة قبضها على جمر الوطن مرّتين .

إن الضريبة ثقافة ، ومكافحة الفساد كذلك ، وحتى يؤمن المواطن بهما وجب على الدولة أن تثبت له صرامتها وقدرتها على القيام بواجباتها بموضوعية وحزمٍ وتجرُّد ، ويتطلب هذا بطبيعة الحال إظهار أوجه صرف ما يتم جمعه من أموال ليستوثق المواطن نجاعة الوسيلة ونجاح الغاية ، ومحاسبة كلّ متجاوز حتى وإن شكّل ذلك إعترافاً ضمنيّاً ببعض الفساد المؤسّسيّ - إن وجد - ، ولن تكون النتيجة إلّا إيجابية تحترمها الأغلبية التي طال إنتظارها وفارقها الأمل ، فتعود الثقة التي يُبنى عليها من جديد .

لا شكّ بأن المسألة تراكميّة مركّبّةٌ تحتاج الوقت اللّازم لإعادة تشكيل القناعة الشعبيّة بفكرة الضريبة عموماً ، ومن وسائل ذلك إضافة إلى ما سلف أعلاه هو ما سبق وأشّرنا إليه في مقالات سابقة من ضرورة تدريس وشرح المصفوفة الخاصة بالضريبة - والفساد - وآثارها الحقيقية على الوطن سلباً أو إيجاباً ، ليؤمن المواطن بأن مال الدولة هو ذلك المال المرصود لعيشه الكريم و مستقبل أبناءه ، وأنّ من يتهرّب أو يتجنّب إنّما يوغل في إفقاره وسلب أحلامه المشروعة .

وعليه ؛ فلنوحّد المكاييل ، فكلّ صاحب عملٍ يحرم العامل/العاملة من تأميناتهم الإجتماعيّة فاسدٌ صادر أمن شيخوختهم وحقوق أولادهم ، وكلّ متهرّب أو متجنّب إنما راكم في ذمم أبناء الوطن وبناته دَيناً عامّاً وضرائب تفقرهم وتغني أولاده على حسابهم .

الأمل موجود ، وسيبقى معقوداً طالما هناك مرجعية ملكيّة تشحذ الهمم ، وقد لا يحتاج الأمر أكثر من مترجمين أكفّاء لا يألون جهداً ولا يكترثون بكلفة الإصلاح ، قادرون على توحيد الصفوف بشرح الأمل المنتظر وما يستلزمه من موقف شعبيّ ، وما هذه إلّا من جملة التحديات التي تجاوزها هذا الحمى الحصين القادر كعادته على تحويلها إلى فرص .

الضريبة هي الطرق والنقل والتعليم والصحة والخدمات وكل ما يندرج تحت بند حقوق المواطن المادية الملموسة ، وواجب حمايتها لا يقتصر على المكلفين بجبايتها ، بل هو واجب عامّ تفرضه المصلحة العامة والمواطنة الحقّة .

حمى الله الأردن قيادة وشعباً








طباعة
  • المشاهدات: 796
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم