25-06-2020 12:28 PM
بقلم : فيصل رياض سلايطه
من أكبر مشاكلنا في الحياة وأكثرها تعقيداً هي قلّة و إنعدام الصراحة في تعاملاتنا , فنحن نُفضّل المصارعة على المصارحة و كأنّنا إن صارحنا النّاس بحقيقة مشاعرنا سوف يُخسرنا ذلك شيئاً فنحن دائماً ما نقول للنّاس ما يريد النّاس أن يسمعوه من أفواهنا لا ما نحملهُ داخلنا من أحاسيسٍ لهم , مشكلة إنعدام الصراحة لا تنحصر فقط على العلاقات الإجتماعية بل يُمكن رؤيتها بوضوح في أغلب مناحي الحياة .
إن نظرنا لمشكلة إنعدام الصراحة في بيئة العمل سنجد أنّ اثآرها مُدمرة على كل من المؤسسةِ و الموظف على حدٍ سواء , فإن فرضنا بأن موظفاً يعمل في إحدى الشركات و لا يشعر بالأمان الوظيفي و لا يربطه بعمله الّا المردود المالي, بالطبع ستكون إنتاجية هذا الموظف منخفضة و قابليته للعمل في أدنى مستوياتها مما ينعكس في المحصلة على الشركة و مدخولاتها و تنظيمها الداخلي, بينما إن إستطاع ذلك الموظف أن يُصارح مرؤوسيه في العمل بما يحمله من مشاعر لهم و لوظيفته بُغية الوصول لحلول لا لغاية الهجوم ووجدت له إدارته التي يجب أن تكون مُلمّة بتفاصيل الإدارة الناجحة حلولاً لمشكلاته ستكون صراحته قد أراحته جداً و حققت له الرضى الوظيفي و حققت للمنشأة التي يعمل بها النجاح المطلوب و حافظت على البيئة المُحفّزة للموظفين.
الصراحة مُهمة و مطلوبة في العلاقات الإجتماعية أيضاً خصوصاً في مجتمعاتنا العربية المُتقاربة , فيجب على كل شخصٍ منّا أن يرسم دائرة وهمية حوله يكتب فيها أسماء الأشخاص الذين يريد إدخالهم إليها , هذا لا يعني أن يُصدْ أي شخص يحاول التقرب إلينا بطريقة غير لبقة فالصراحة غير المسؤولة و الخالية من الإنسانية تعتبر وقاحة هدّامة , لكن علينا دائما أن نكون صريحين بمنطقية مع من حولنا فلا حاجة ولا فائدة من التجميل , فمهما جمّلنا الواقع و إدعينا الحب لا عكسه سيأتي يوم تفضحنا فيه أبسط التفاصيل , و بهذا تصل نفوسنا بالصراحة إلى الراحة الفطرية المطلوبة فالمجاملة مرض مُهلك يجعلك تقول عكس ما تشعر و تتصرف عكس ما تنوي و إن جعلنا الصراحة المنطقية نهج لنا ستصبح المجاملة الواسعة عادة على وشك الإنقراض .
في مضمار السياسة سنجد بأن الصراحة تحتضر و تكاد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة , فنحن لا نقوى على مزج الصراحة و السياسة معاً فدائماً ما نجد المحددات أو نخلق الأعذار لضعفنا , فإن رأينا السياسي قد أخطأ اليوم نعطيه الأعذار مباشرة و نقول " لا يمكننا ذمّه و نسيان ما فعل البارحة " و كأنّ السياسي أو المسؤول عندما يفعل ما نراه صائباً يكون واجب علينا مدحه و الثناء عليه و ننسى بأن هذا هو جوهر عمله ألا و هو السعي وراء مصالحنا و العمل على تحقيق مطالبنا , في الجهة المقابلة نحن لا نرى ما يفعله عامل النظافة بتجميله شوارعنا كل يوم و نشكره بينما هو يقوم بأعمال ليست من إختصاصه في كثير من الأحيان و نركض وراء صاحب النفوذ لمجاملته بكل ما أوتينا من فنون التملق , فالوظيفة وظيفة و إن إختلفت طبيعتها و ظروفها.
ما يؤلم في عالمنا العربي أن فن المصارحة غالباً يضر و قليلاً ما ينفع , فإن نظرنا للربيع العربي بتجرد بعيداً عن نظرية المؤامرة على أنه نموذج لكسر حصار الصراحة بين الأنظمة و الشعوب سنجد بأن الصراحة لم تُخلّف لنا إلّا تشدداً و تعصباً و تخلفاً أكثر, و لكن مع ذلك إكتسبت شعوبنا هذا الفن ولو قليلاً و لا زلنا نشهد إستخدامات له بين الحين و الآخر , لذا علينا أن نتعلم هذا الفن منذ الطفولة تماماً كما نتعلم المشي و القراءة فإن نظرنا له بنظرة شمولية سنجد بأنّ فوائده لا تحصى ولا يُستطاع عدها .