حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,22 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1508

كيف تقتل الروتين

كيف تقتل الروتين

 كيف تقتل الروتين

28-06-2020 10:41 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أنغام النصيرات

سارت ذاك المسار المظلم الذي لا يتعدى طوله بضع أمتار، تُكرِّرُ المسافة ذهاباً وإياباً، اكتسح البؤس قلبها فشَحبرهُ السواد، وأظلمت الحياة بنية عينيها فباتت ترى الأشياء من عدسة مظللة، أنستها الألوان والأصوات وحتى زوايا الصور..
قررت ذاكَ المساء أن عليها القيام بتعقيمِ روحِها، وإشراع نوافذ قلبها، عليها فعل ذلك، لأن اليأس إذا ما تسلل إلى القلوب قادها إلى التآكل، فتجده لا يغادرها إلا بعد إيقاف نبضها..
بدأت بأتعس ما في العالم في ظنها، ألا وهي الحروب، القنابل التي هدمت ذكريات الجدران، والطلقات التي أنهت حياة من كانوا يعنون حياةً بأسرها لغيرهم، قامت بمراقبة ملامح تعافيهم بصمت، كيف استبدلوا بيتهم المهدم بخيمة، تضمدت فيها جراح أجسادهم فيها رويدا رويدا، تأملت كيف رزقوا بعد سنوات بطفلٍ صغير أسموه على اسم فقيدهم، كيف تزوج شبانهم وقاموا ببناء بيتٍ جديد، وكيف اختاروا ألوان جدرانه بأنفسهم، وكيف نبت العشب والورد من بين حطام بيتهم القديم، وقتها أيقنت بأن الحرب أيضا يمكننا التعافي من تبعاتها..
انتقلت إلى ثاني أكبر مدمر للحياة، والذي تسبب في انتحار المئات من الأثرياء والمشهورين والسياسيين، الروتين؛ ذاك السرطان الذي يبدو للوهلة الأولى تافها بسيطاً لدى كثيرين، وهو الذي يجعلُكَ أسيرا في متاهة الحياة دون أن تشعر، أن تمرَّ أيامٌ مكررة من حياتك لا تستطيعُ المضيَّ قُدُماً فيها إلا على النهجِ ذاته، أن تتمنى يوما العثور على مخرج للهروب منها وتفشل، حتى تظن مع الأيام أنها متاهة مغلقة لا تتذكر أصلا كيف دخلتها، تلكَ الضحايا قد علقت فعلا بداخلها، فالبعض أنهى حياتهم لأنهم لم يجدوا سوى الموت لها مخرجا، والبعض الآخر استسلم لسيطرتها، فتعايش مع ظلامها كواحدٍ من جدرانها، فاقدا أي أمل أو طموح أو احساس، وأنا أراهم أتعس من أولئك الذي أنهوا حياتهم بأنفسهم..
تأملت في أسلوب حياةِ النوع الأول، كانوا قد رهنوا حياتهم للعمل أو النجاح أو الشهرة، وما أن حققوا ذلك توقفوا، وكأنهم قد ختموا ما يريدون من الحياة فسئموه، فشعروا بأنهم تحوَّلوا مع الأيامِ إلى أدواتٍ ثرية، كانت ذاتَ شهرة يوما ما، إلا أن الجميع قد اعتادَ عليها فهجرها..
خافَت أن تتحوَّلَ إلى مثلهم ذاتَ يوم، خاصة في ظل أحوال العالمِ هذه الفترة، تنفست بعمق وأغمضت عينيها بيأس، لتفتحها بالصدفة على نملة تسير على حافة السور، كانت تصل إلى الحافة مرارا ثم تعود، إلى أن وجدت طريقها بعد زمن، لفت نظرها بالصدفة عصفور قد حط على سلك كهرباء، راقبته بهدوء، كان يزقزق كمن يغني للحياة، ليطير بعدها متحديا أقطار السماء، نظرت إلى الشارع لترى طفلة تركض خطواتها الحديثة خلف أمها لتمسك ثوبها، فتشكوا لها عن طفل صغير أخرج لسانه ليستفزها، تفاجأت بأن الشجرة التي اقتلعتها عائلتها قبل فترة قد نمت من جديد، وأن صغار قطة حديقتها قد كبروا فجأة، واكتشفت أن بإمكانها مشاهدة الغروب من زواية صغيرة بين العمارات، تذوَّقت معانٍ جديدة للحياة كانت الأيامُ قد عَمَتها عنها.
حضَّرَت كأس شاي واحتستها جالسة فوق التراب مباشرة تحت الشجر، أيقنت وقتذاك بأننا نحتاجُ لأن نتنفس روح الأرض أكثر من إعمارها، وأن علينا تقبُّلَ حقيقة أنه لولا مرارة الأشياء لما أدركنا لذة الحلوة منها، وبأن علينا أن نحفُرَ صخور اليأس بأظافرنا لكي نزرع الأمل مكانه ولو بأسناننا..
سينبت الأمل.. كونوا على يقين، ولو دام اليأس في مقطورتكم لسنين.. "إن بعد العسر يسرا".








طباعة
  • المشاهدات: 1508
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم