28-06-2020 06:24 PM
بقلم : د. ابراهيم العابد العبادي
باللغة الدراجة أو اللهجة العامية المحكية، يقول أجدادنا ( المثل ما خلَ شيء الى قاله)، وبالعودة الى الامثال الشعبية نجدها في معظم الحالات والظروف تعبر عن واقع التجارب العملية والمعيشية ونتاج يخلص الى عبرة وحكمة عميقة...تصبح مع الزمن بليغة متوارثة عبر الاجيال سهلة الانتشار والتداول خاصة في تكرر وتجدد المواقف والسلوكيات.. بل تتأطر لتؤسس للحض على قبول أو رفض سلوك معين ..حتى تصبح ملامح وسمات للفكر الشعبي وما يرتبط به من تداخلات تأريخيه وثقافية وديموغرافية، ولتشمل الآدب والدين والعادات والتقاليد وما يدور في فلكها....وقد تكون الشعوب التي تقطن بلاد الشام قاطبة والأردن وفلسطين على وجه الخصوص متأثرة بهذا الواقع نتيجة للخبرات المتراكمة والمواقف التي لا يحسد عليها هذين الشعبين....وهنا أود أن أشير أسفاً ومعتذراً من القارئ الكريم.. لمثل منتشر في البيئتين الأردنية والفلسطينية مفاده ( الـخْـرَي خـْرَي ... إن كـان مـَكسي ولّا عـْرَي) ...
أما قصته...فيروى أن فتاة ذكية ولماحة وحكيمة وذات بصيرة شأت الظروف أن تتزوج من رجل جاهل وساذج مع نوع او مسحة من البلاهة.....وكان هذا الزوج اذا ما جلس في مقعد" أو "شق" أو "ديوان" حضرة شيخ القبيلة او العشيرة ..كان يجلس بعيداً عن الشيخ ووجهاء القبيلة.. وصامتاً لا ينطق ببنت شفه.. وهذا الحال لم يعجب زوجته فهي تريده ذا رأي ومكانة ....وذات مرة قالت له...(يا فلان) لما لا تشارك بالحديث او تبدي رايك ..فانا اريدك ان تكون من الوجهاء... وهنا رد عليها ان سوء البالي من الثياب التي ارتديها يحول دون ذلك...فقامت الزوجة واشترت له ثياب (كِبر) أو ثوب وحطة وعقال جديدة... وقالت له، عليك ان تغير ما تلبس وان تكون مثل علية القوم...وتجلس بالقرب من شيخ القبيلة ..وان تبدي رأيك في كل ما يقولون.. وان يكون رأيا قويا سديدا...) وبالفعل.. وفي اليوم التالي قام صاحبنا بارتداء الملابس الجديدة....وجاء ليجلس بجوار او قريب من الشيخ...وفي هذا اليوم كانت القبيلة ستناقش موضوع الرحيل الى مكان اخر ....وبدأ النقاش فسألوا صاحبنا ما رأيك يا فلان....وفي هذا الوقت كانت زوجته تجلس في شق الحريم وتستمع.. فما كان من صاحبنا الا ان ابدى رأيه قائلأ....(ان رحلت العرب رحلنا.. وان قعدت العرب قعدنا) ..فما كان من الزوجة الا ان انفعلت وخرجت من شق النساء لتوجه كلمات في وجه زوجها....( الـخْـرَي خـْرَي ... إن كـان مـَكسي ولّا عـْرَي) اي ان الرجل لم يشفع له تغيير ملابسه فهو سيبقى جاهل وعندما ابدى رأيه كان رأيا تافها لا قيمة له.. وانه سيبقى تابعا مهما حدث..
النتيجة...تطالعنا في كثير من الصحف والمواقع الاخبارية والاعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي....مقالات وتقارير ولقاءات متلفزة... تُغرب وتشرق في الأثار المترتبة والتبعات التي ستحدث بعد جائحة كورونا، وما تتطلب من خطط وبرامج وقرارات وتفصيلات وأوامر....الخ ...حتى عدنا لا نستوعب أو حتى نهتم بما يحدث او يقال او يخطط ويدبر له....رغم انشغال العالم بمخاوف أخرى تقود نحو مركزية قيادة العالم واحكام السيطرة عبر أجيال جديدة ومتطورة من تكنولوجيا المعلومات والجيل الخامس وأنترنت الاشياء...الا صناع السياسة في بلدي ما زالت افتراضاتهم موروثة تجانب الحقائق...وصراعهم على الكرسي وليس خدمة الوطن...فضميرهم الا من حم ربي حاضر غائب...ووطني منهوب مذموم مأكول مهضوم...فمنذ مولدي في ستينيات القرن الماضي وانا لا ارى الى دموع الوطن تسيل من مُقل ابنائه المواطنين...الذين تجهموا أثار المعاناة تلو المعاناة من حروب وفقر وضيق حال وحرمان متوارث جيل بعد جيل...فيما ترتسم على وجنات تجار الوطنية والجنسية ضحكات وعلامات الغبطة والسرور وهم ينهبوا خيرات الوطن كونهم حموا الجنسية او تذرعوا بقرار الاستثمار...حتى اصبح وطني لهم مجرد محطة عبور ومرور...الخلاصة الشعب الاردني مدرك وواعي ولا تنقصه الحكمة ولا بعد النظر...فيما الجهلاء والبلهاء هم من يظنوا غير ذلك...ولن يكون لجديد ملبسهم ودور ازياءهم أثر يذكر في تغيير واقع ومعاناة الشعوب التي تتجذر وتتعمق يوم بعد يوم... قولوا لهم ليصمتوا أو يغادروا ديوان شيخ القبيلة... لا نريد أن نراهم بعد اليوم....حمى الله الاردن عزيزاً قوياً مرابطاً.