26-07-2020 01:45 PM
بقلم : الأب عماد الطوال
في عالم يشهد على العديد من التغيرات وعلى تطور تكنولوجي هائل وسريع، هل استطاع النظام التربوي والتعليمي مواكبة هذا التطور وهذه التغيرات؟ وهل سيبقى النظام التعليمي كما كان سابقاً بعد أن دُفعت المدارس قسراً نحو استخدام أكثر شمولاً للتكنولوجيا في محاولة منها للاستمرار في العملية التعليمية؟.
حان الوقت لنتطلع إلى المستقبل، علينا أن نعيد التفكير في نوع التعليم الذي نحتاجه في القرن الحادي والعشرين في الوطن العربي، لقد مهدت أزمة كورونا الطريق أمام التعليم الالكتروني في مؤسساتنا التربوية، وأصبحت الفرصة مناسبة كي تستغل وزارة التربية والتعليم والتربويين الوضع الحالي لبناء نظام مرن يدعم الإنصاف والتميز والتوسع، نظام يمزج بشكل منهجي بين التعليم التقليدي والتعليم الالكتروني، وهو ما يسمى بالتعليم المتمازج"Blended learning" ، وهو الحل الأمثل لمرحلة ما بعد الوباء، فما يجعل من هذا النهج نموذجاً قابلاً للتطبيق في هذه المرحلة أنه يمكن الجمع بين البعد التقليدي والبعد الالكتروني المعاصر في التعليم بأي نسبة كانت، حيث كانت إحدى المقترحات خلال الفترة الماضية أن تكون نسبة المحتوى المُقدم عن بُعد في التعليم المتمازج 30%.
تكمن أهمية التعليم المتمازج في قدرته على كسر جدران التعليم التقليدي، ويمثل هذا النهج تحولاً أساسياً في عملية التعليم بحيث يزيد من إمكانية الوصول إلى التقنيات والموارد عبر الإنترنت، كما يراعي الحاجة المستمرة إلى البعد الإنساني في تجربة التعلم، فيضمن مشاركة الطالب كما يساعد في تلبية احتياجاته الفردية أيضاً، فلكل طالب احتياجات وأنماط تعلم مختلفة عن الآخر ويجب أن تراعي طرق وأساليب التدريس المُتبعة هذه الفروقات حتى يتمكن من الوصول إلى إمكاناته الكاملة، وبالتالي سيدرك من خلال هذا النهج بأن:
من المستحيل حفظ جميع المعارف البشرية، لذلك لم يعد التعليم يتعلق بحفظ الحقائق والإجابة على أسئلة الاختبار، ولكنه يتعلق بتطبيق المعرفة على مواقف الحياة الواقعية والعثور على مصدر موثوق للمعلومات.
سيتعين إعادة تعريف دور المعلم، فلم يعد المصدر الوحيد للمعرفة وقد لا يمتلك جميع الإجابات، وسينتقل دوره تدريجياً من مُقدم المعرفة إلى دور الميسر في عملية تطور الطلاب ومساعدتهم على أن يصبحوا طلاب علم مدى الحياة من خلال التوجيه والدعم.
المدرسة ليست المكان الوحيد الذي يمكن التعلم فيه، فالتعليم هو عملية مستمرة لا ترتبط بمكان أو زمان حيث يمكن أن تحدث في داخل المدرسة وخارجها، ولن يتوقف الطالب عن التعلم بمجرد تخرجه من المدرسة.
هذه هي بعض الأسباب التي تجعل من التعليم المتمازج الطريقة المثالية لإعداد الطلاب لعالم لا تكون فيه المعرفة مجموعة ثابتة من الحقائق، بل تتطلب درجة عالية من الاستقلالية والمرونة والاستعداد للتعلم بعد سنوات الدراسة.
يضيف هذا النهج أبعاداً جديدة قيّمة لعملية التعلم، لكن قبل البدء في تطبيقه على أرض الواقع علينا أن نتأكد من مدى جاهزيتنا، ومدى الحاجة إلى المزيد من التخطيط والتحضير المُسبق، وتقديم ما يكفي من الدورات التدريبية للإدارات المدرسية، أولياء الأمور، المعلمين والطلاب، من المهم أن نستمر في دعم معلمينا وطلابنا والحفاظ على مكان الصدارة في كل ما نقوم به، فإذا حدث أي طارئ مرة أخرى لا سمح الله، فسنكون على ثقة من قدرة نظامنا التعليمي على التعامل معه، فالمعلمون الذين يعتمدون هذا النهج الجديد يحصدون فوائد تعزيز أساليبهم القديمة باستخدام التكنولوجيا الجديدة بسهولة.
هذه هي الطريقة التي نحقق بها تجربة تعليمية تُركز على الطالب بشكل كامل، فالتعليم المتمازج لا يتيح للطالب فرصة الحصول على التعليم الالكتروني والتقليدي فحسب ولكن يعمل على تحريره من حدود اليوم الدراسي، وجدران الغرفة الصفية وتزويده بتجربة تعليمية أكثر تفرداً وتميزاً.