حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,22 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2323

مجازفة هائلة .. أثرياء الهند يراهنون على تطوير لقاح كورونا قبل بقية العالم

مجازفة هائلة .. أثرياء الهند يراهنون على تطوير لقاح كورونا قبل بقية العالم

مجازفة هائلة ..  أثرياء الهند يراهنون على تطوير لقاح كورونا قبل بقية العالم

02-08-2020 09:09 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - وصل صندوق فولاذي مغلق بإحكام في أوائل أيار/ مايو إلى الغرفة الباردة لمعهد المصل في الهند، أكبر صانع للقاحات في العالم، وكان بداخله ثلج جاف وقارورة صغيرة 1 مليلتر قادمة من جامعة أكسفورد في إنجلترا، وتحتوي على المواد الخلوية لأحد أكثر لقاحات كورونا الواعدة في العالم.

وأحضر العلماء ذوو المعاطف البيضاء القارورة إلى المبنى رقم 14، وسكبوا محتوياتها بعناية في قارورة، وأضافوا الفيتامينات والسكر وبدأوا في زراعة مليارات الخلايا، وبدأت واحدة من أكبر المقامرات التاريخية في السعي لتطوير لقاح من شأنه أن ينهي كابوس كورونا.

وفقا لصحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، يفعل معهد المصل، الذي تسيطر عليه حصرا عائلة هندية صغيرة وثرية، والذي بدأ قبل سنوات كمزرعة للخيول، ما تفعله بضع شركات أخرى في السباق للحصول على لقاح، حيث ينتج كميات ضخمة تصل إلى مئات الملايين من جرعات للقاح محتمل لا يزال قيد التجارب وربما لا يكون فعالا، ولكن إذا كان ناجحا، سيكون ”أدار بوناوالا“، الرئيس التنفيذي لشركة معهد المصل، والنجل الوحيد لمؤسس الشركة، واحدا من أكثر الرجال نفوذا في العالم، إذ سيكون في متناول يده ما يريده الجميع، وبكميات أكبر من أي شخص آخر.

وكانت شركته، التي تعاونت مع علماء أكسفورد الذين طوروا اللقاح، من أوائل الذين أعلنوا بجرأة في أبريل الماضي، أنها ستنتج لقاحا جماعيا قبل أن تنتهي التجارب الطبية، والآن، يتم تجهيز أسرع خطوط تصنيع اللقاحات يمتلكها بوناوالا لتصنيع 500 جرعة كل دقيقة، وهاتفه لا يتوقف عن الرنين.

وقال بوناوالا إن وزراء الصحة ورؤساء الوزراء وغيرهم من رؤساء الدول والأصدقاء الذين لم يسمع منهم منذ سنوات كانوا يتصلون به، ويرجونه الحصول على الدفعات الأولى.

وأضاف: ”لقد كان عليّ أن أشرح لهم أنني لا أستطيع منحهم إياه هكذا“.

ومع قلب وباء كورونا للنظام العالمي رأسا على عقب، تتعلق جميع الآمال على لقاح؛ ما ترك معهد المصل في منتصف مجال تنافسي للغاية وغامض، وللحصول على اللقاح في أقرب وقت ممكن، يقول مطورو اللقاحات إنهم بحاجة إلى خطوط تجميع هائلة، الأمر الذي توفره شركة معهد المصل التي تنتج 1.5 مليار جرعة من اللقاحات الأخرى كل عام، معظمها للبلدان الفقيرة، وهي تنتج أكثر من أي شركة أخرى.

تم تطعيم نصف أطفال العالم بمنتجات معهد المصل، فالعمل على نطاق هائل هو تخصص هذه الشركة التي تلقت 600 مليون قارورة زجاجية قبل أيام.

وحتى الآن، لم يتضح بعد كم من لقاحات كورونا سيُحتفظ بها في الهند أو من سيمول إنتاجها؛ ما يترك بوناوالا تحت ضغوط سياسية ومالية وخارجية ومحلية متقاطعة.

وتعرضت الهند لضربة كبيرة من كورونا، ومع وجود 1.3 مليار نسمة، تحتاج الهند إلى جرعات اللقاح ربما أكثر من أي مكان آخر، كما تسيطر النزعة القومية على رئيس وزرائها ناريندرا مودي، الذي منعت حكومته بالفعل صادرات الأدوية التي كان يعتقد أنها تساعد في علاج مرض ”كوفيد-19“.

ويقول أدار بوناوالا (39 عاما)، إنه سيقسم مئات الملايين من جرعات اللقاح التي ينتجها بين الهند وبقية العالم، مع التركيز على البلدان الأكثر فقرا، وهو أمر لم تعترض عليه حكومة مودي حتى الآن، ولكنه أشار إلى أنه من الممكن ”أن تعلن الهند حالة طوارئ إذا رأوا ذلك مناسبا أو إذا ارادوا ذلك“.

تطوير اللقاحات

ويعتبر اللقاح الذي صممته أكسفورد هو مجرد واحد من العديد من اللقاحات المتنافسة التي سيتم إنتاجها قريبا على نطاق واسع في مصانع مختلفة في جميع أنحاء العالم، قبل أن يثبت نجاحها.

ويستغرق تطوير اللقاحات وتصنيعها وقتا طويلا، إذ يستغرق نمو المزارع الخلوية أسابيع داخل المفاعلات الحيوية؛ إذ تحتاج كل قارورة إلى التنظيف بعناية، قبل ملئها وغلقها وختمها وتعبئتها.

والفكرة هي إجراء هاتين العمليتين في وقت واحد والبدء في الإنتاج الآن، بينما لا تزال اللقاحات قيد التجارب، وبمجرد الانتهاء من التجارب في غضون الأشهر الـ 6 المقبلة على أفضل تقدير، تكون جرعات اللقاح في متناول اليد وجاهزة لعالم يائس لحماية نفسه.

وكرست الحكومات الأمريكية والأوروبية مليارات الدولارات لهذا الجهد، حيث عقدت صفقات مع شركات الأدوية العملاقة مثل: جونسون آند جونسون، وفايزر، وسانوفي، واسترازينيكا، مقابل تسريع تطوير وإنتاج مئات الملايين من جرعات اللقاحات المحتملة.

وتعتبر شركة استرازينيكا هي الشريك الرئيس لعلماء أكسفورد، ووقعت عقودا حكومية بقيمة تزيد عن مليار دولار لتصنيع اللقاح لأوروبا والولايات المتحدة وأسواق أخرى، ولكنها سمحت لمعهد المصل بإنتاجه أيضاً، وقال السيد بوناوالا إن الفرق هو أن شركته تتحمل تكاليف الإنتاج بمفردها.

ومع ذلك تختلف شركة معهد المصل عن جميع منتجي اللقاحات الرئيسيين الآخرين من ناحية اساسية، فمثل العديد من الشركات الهندية الناجحة للغاية، تدار هذه الشركة عائليًا، ما يمكنها من اتخاذ القرارات بسرعة واتخاذ مخاطر كبيرة، مثل تلك التي توشك على اتخاذها، والتي يمكن أن تكلف الأسرة مئات الملايين من الدولارات إذا بائت بالفشل.

وقال بوناوالا إنه متأكد بنسبة 70 -80 % من أن لقاح أكسفورد سيكون فعالًا، ولكنه أضاف ”آمل ألا نتعمق أكثر من اللازم“.

ويدير شركة معهد المصل رجلين فقط لا يخضعان للمساءلة من أصحاب الأسهم، وهما بوناوالا ووالده سايروس، وهو مربي خيول تحول إلى ملياردير.

مزرعة الخيول الأصيلة

وقبل أكثر من 50 عامًا، بدأ معهد المصل كجزء من مزرعة الخيول الأصيلة للعائلة، وحينها أدرك سايروس أنه بدلاً من التبرع بالخيول لمختبر لقاح يحتاج إلى خيول لإنتاج الامصال عن طريق حقن الخيول بكميات صغيرة من الفيروسات ثم استخراج الأجسام المضادة من جسمها، يمكن لسايروس إنتاج اللقاحات بنفسه.

وبدأ سايروس بإنتاج لقاحات الكزاز في عام 1967، ثم الترياق للدغة الثعابين، ثم لقاحات السل والتهاب الكبد وشلل الأطفال والإنفلونزا، ومن مزرعة خيوله في بلدة بيون، بنى سايروس إمبراطورية لقاحات، وثروة مذهلة.

وبالاستفادة مما تقدمه الهند من العمالة الرخيصة والتكنولوجيا المتقدمة، فاز معهد المصل بعقود من اليونيسيف ومنظمة الصحة للبلدان الأمريكية وعشرات البلدان، والتي كان معظمها فقيرا، لتوريد لقاحات منخفضة التكلفة، ودخلت عائلة بوناوالا الآن ساحة العائلات الأغنى في الهند، والتي تزيد ثروتها عن 5 مليارات دولار.

وفي منشأة بوناوالا لإنتاج اللقاحات، يراقب العلماء المؤشرات الحيوية للمفاعلات الحيوية، وأحواض الصلب المقاوم للصدأ الضخمة حيث يتم إنتاج المواد الخلوية في اللقاح، ولا يسمح للزوار بدخول الموقع.

وقال سانتوش ناروادي، وهو عالم يعمل لصالح الشركة: ”هذه الخلايا حساسة للغاية، علينا أن نهتم بمستويات الأكسجين وسرعة الخلط حتى لا تتمزق الخلايا، نحن جميعا نشعر أننا نقدم الحل لامتنا وعالمنا“.

وأظهرت نتائج التجارب الأولية للقاح أكسفورد، أنه نشط مستويات الأجسام المضادة مماثلة لتلك التي شوهدت في المتعافين من كوفيد-19، وهو ما اُعتبر خبرا جيدا جدا.

وأنتجت الشركة بالفعل ملايين الجرعات من هذا اللقاح لعمليات البحث والتطوير، بما في ذلك دفعات كبيرة للتجارب الجارية، وبحلول موعد انتهاء التجارب المتوقع في نوفمبر، تخطط الشركة لإنتاج 300 مليون جرعة للاستخدام التجاري.

إلا أنه حتى لو فشل هذا اللقاح في الفوز بالسباق، فإن معهد المصل سيظل مفيداً، حيث تعاون مع مصممي اللقاحات الآخرين، في مراحل سابقة من التطوير، لتصنيع أربعة لقاحات أخرى، على الرغم من أن تلك اللقاحات لم يتم إنتاجها على نطاق واسع حتى الآن.

وإذا فشلت كل هذه اللقاحات، يقول بوناوالا إنه يستطيع بسرعة تكييف خطوط التصنيع لإنتاج أي لقاح آخر ناجح، أي كان مصدره، مشيرا إلى أنه أحد القلائل الذين ”يستطيعون انتاج اللقاح بهذه التكلفة وهذا الحجم وهذه السرعة ”.

وبموجب صفقة استرازينيكا، يمكن لشركة معهد المصل إنتاج مليار جرعة من لقاح أكسفورد للهند والبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط خلال الجائحة بمبلغ لا يزيد عن تكلفة الإنتاج، وبعد مرور خطر الوباء، يمكن للشركة بيع اللقاح وتحقيق أرباح إذا نجح، ولكن شاغله الأكبر هو المدى القريب وتغطية قيمة التمويل، حيث يقدر أنها ستنفق حوالي 450 مليون دولار لإنتاج لقاح أكسفورد على نطاق واسع.

وقد لا تسترد الشركة الكثير من نفقاتها، مثل تكاليف القارورات التي تحمل اللقاح والمواد الكيميائية المستخدمة في العملية، وللمرة الأولى، يقول بوناوالا إنه يفكر في اللجوء إلى صناديق الثروة السيادية أو الأسهم الخاصة للحصول على المساعدة.

وذلك على نقيض الصفقات التي تمت في إطار مشروع ترامب ”سرعة وورب“، وتلك المماثلة في أوروبا، حيث يبدو أنه وسط التدافع لتأمين مئات الملايين من الجرعات لشعوبها، دفعت البلدان الغنية بالفعل أو التزمت بالدفع لشركات الأدوية بسخاء للتعويض مقابل قبول مخاطر إنتاج اللقاح على نطاق واسع، والذي قد لا ينجح وتضطر الشركات لإعدامه.

الالتزام بالمجازفة

وقال الدكتور أوليفييه واترز، أستاذ السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد، إن ما تعنيه هذه المشاريع الأمريكية والأوروبية هو ”قومية اللقاح، فالدول الغنية تقف في مقدمة الطابور والبلدان الأكثر فقراً معرضة لخطر التخلف عن الركب“.

وقال المحللون إنه من المحتمل أن يحصل المعهد في النهاية على بعض المساعدات المالية من مؤسسة بيل وميليندا جيتس التي تدعم برامج التحصين العالمية أو ربما الحكومة الهندية، ولكن الاثنان رفضا الادلاء بأي تعليق.

ومع ذلك من المرجح أن تكون أي صفقة أصغر بكثير مما عقدتها شركات الأدوية الكبرى، ويذكر أن هناك فارق آخر وهو أن تلك الشركات هي من مطوري اللقاحات ومنتجيها، في حين أن دور شركة معهد المصل، على الأقل بالنسبة للقاح أكسفورد، هو الإنتاج فقط.

وفي كلتا الحالتين، قال بوناوالا إنه يشعر بضرورة الالتزام بالمجازفة، موضحًا: ”شعرنا أن هذه كانت لحظتنا“.

ومنذ تولي أدار بوناوالا منصب الرئيس التنفيذي للشركة من والده في عام 2011، توسعت الشركة في أسواق جديدة، مما رفع الإيرادات إلى أكثر من 800 مليون دولار.

وقبل بضع سنوات، قرر بوناوالا شراء مبنى القنصلية الأمريكية السابقة في مومباي، والذي كان قصر مهراجا سابق، بمبلغ 113 مليون دولار، ليكون منزل العطلة، ويمتلك سيارات رولز رويس وفيراري لا تعد ولا تحصى، وحتى عربة باتمان.

واعترف أدار بوناوالا بأن عائلته اشتهرت باستعراضها للسيارات الفاخرة والطائرات النفاثة، بدلاً من صنع لقاحات منقذة للحياة.

وقال: ”الكثير من الناس في الهند لم يعرفوا وظيفتي، وكانوا يقولون إنني أعمل في مجال يخص الخيول أو شيء من هذا القبيل، وأجني الكثير من المال.“

إلا أن بوناوالا يشعر أن كل هذا على وشك التغير، وهو واثق من أن لقاح أكسفورد الذي تنتجه مصانعه لديه أفضل فرصة في النجاح، وإذا كان ناجحا، فهو يخطط لتلقيه، وقال: “ سيكون الامر سخيفا، إذا انفقت كل هذه الأموال والتزمت بالأمر ولم أتلقى اللقاح“.











طباعة
  • المشاهدات: 2323

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم