03-08-2020 03:23 PM
بقلم : د. دانييلا القرعان
دفعت جديّة وباء كورونا العالمي وانتشاره السريع السلطات والحكومات في مختلف دول العالم إلى المسارعة بإصدار تشريعات وقوانين من شأنها أن تسهم في الحد من تفشي جائحة كورونا من جهه، ومن جهة أخرى الحفاظ على دوران عجلة الإقتصاد من جهه أخرى، ويمكن القول أن التشريعات والقوانين التي أنتجتها الجائحة حول العالم منها ما كان مشترك بين مختلف الدول ومكوناتها، ومنها ما كان مخصوصاً بدول وحكوماتها دون غيرها.
"التشريعات العامة"، هنالك الكثير من القوانين والتشريعات العامة التي افرزتها جائحة كورونا في العديد من دول العالم وتتمثل هذه التشريعات العامة ب إغلاق الحدود كأول إجراء للحد من انتشار وباء كورونا عالمياً وأستخدم هذا التشريع "إغلاق الحدود"للوقاية من وصول مواطني الدول التي ينتشر فيها الوباء إلى الدولة المشرعة للقانون،ولعل أولى الدول التي أصدرت هذا التشريع "إغلاق الحدود" كانت تركيا ودول الأتحاد الأوروبي، إبتداءً بإغلاق المطارات وإنتهاءً بالإغلاق التام لجميع مداخل البلاد "الجوية والبحرية والبرية".
هنالك ما لا يقل عن 93% من سكان العالم يعيشون الآن في بلدان تفرض قيوداً على السفر مع وجود ما يقارب من 3 مليارات شخص يقيمون في بلدان تفرض إغلاقاً كاملاً للحدود على الأجانب، في أمريكيا رفعت خارجيتها في وقتٍ سابق نصائحها بشأن السفر إلى المستوى 4 "أعلى تحذير للوكالة" ويسمح هذا الإجراء بالإستمرار في التجارة ولكنه يقيد السفر غير الضروري مثل السياحة، ويسمح للمواطنين الكنديين الذين ينتقلون يومياً إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل بالدخول،أما دول الإتحاد الأوروبي فقد أعلنت سابقاً إغلاق حدودها أمام القادمين إليها وطُبق هذا القانون في 26 دولة من دول الإتحاد الأوروبي.
"تشريعات للحد من الإتصال"، وهو من ضمن التشريعات التي افرزتها جائحة كورونا حول العالم، وهو تشريع استخدمته الدول ذات أعداد الإصابة الكبيرة لمنع الاختلاط بين الناس وإبطاء سير الإصابة،وبذلك يخف الضغط على المؤسسات الصحية فتم إغلاق أماكن التجمعات "المقاهي النوادي والمتاحف وبقية أماكن الفعاليات الثقافية والرياضية"، وكذلك إغلاق المساجد ومراكز التسوق،وفي هذا الوقت وضع بوريس جونسون رئيس الوزراء في بريطانيا البلاد تحت قانون "lockdown" في ال 23 من شهر مارس/ اذار الماضي لثلاثة أسابيع أخرى يلزم المواطنين بعدم الخروج من منازلهم إلا في سياقات معينة "تسوق الضروريات، ممارسة الرياضة، الدواعي الطبية،الذهاب من وإلى العمل اذا كنت لا تستطيع العمل من المنزل، وفض التجمعات وإغلاق المحلات غير الضرورية"، كما أعطى الصلاحية لرجال الشرطة لتفريق التجمعات وفرض الغرامات.
فرنسا أيضاً مددت قانون "lockdown" حتى ال 11 من مايو/ آيار الماضي ، وحيث قال الرئيس الفرنسي ماكرون في خطابه المتلفز: "الوباء لم يسيطر عليه بعد، ولكنه أضاف أن الأمل يولد من جديد".
أما ألمانيا، فقد أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أنه من السابق لأوانه إنهاء الإجراءات التقييدية،لكنها أطلّت وسائل الإعلام على الإجراءات التي تتخذها الحكومة الألمانية لتجنب انتشار فيروس كورونا بعد رفع "lockdown " في ال 19 من شهر أبريل/ نيسان الماضي، حيث صاغت ألمانيا خطة لتقليص إغلاقها والسماح بالعودة التدريجية إلى الحياة العامة.
في الولايات المتحدة الأمريكية،اتخذت كل ولاية إجراءات إغلاق خاصة بها،ومنها التي استجابت بشكل سريع للأزمة ومنها التي استجابت ببطء، الأمر الذي عرّض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأنتقادات بشأن إدارته للجائحة.
في تركيا، القوانين كانت مختلفة بعض الشيئ حيث كان الإغلاق بشكل خطوات متدرجة، ففي البداية مُنعت التجمعات ثم مُنعت الأعمار دون سن العشرين وفوق الخامسة والستين من الخروج من منازلهم،تلاه قانون حظر شامل للتجول لمدة 48 ساعة "السبت والأحد من كل أسبوع".
"تشريعات الحجر الصحي"، أقرت الحكومات حول العالم مجموعة من التشريعات والقوانين التي تقضي بإمكانية حجر شخص أو مجموعة من الأشخاص في منازلهم او داخل المستشفيات أو نقلهم إلى مراكز الحجر الصحي المعتمدة.
أما فيما يتعلق بالتشريعات الرادعة التي أقرتها عدد من الحكومات حول العالم في محاولة للسيطرة على جائحة كورونا "كوفيد_19"، فرضت الكثير من الحكومات حول العالم غرامات مالية في أغلب الدول على مخالفي تدابير منع إنتشار العدوى،وفي حالات قليلة أقرت بعض الدول عقوبات السجن.
في بريطانيا فُرضت غرامة مالية مقدارها 60 جنيهاً إسترلينياً على كل شخص يخرق قانون الإغلاق، وغرامة بقيمة 120 جنيهاً إسترلينياً للشخص الذي يخرق القانون للمرة الثانية ومضاعفتها في كل مرة أخرى،وإذا أستمر الشخص في المخالفة يمكن للشرطة اعتقاله.
في روسيا تم وضع قانون تجريم الأشخاص المتسببين بإنتشار العدوى منها غرامات مالية وقد تصل إلى 25.000 ألف دولار وعقوبات بالسجن بين 3 إلى 7 سنوات.
أما تركيا،فرضت الحكومة التركية غرامات مالية بحدود 800 دولار للذين يخالفون حظر التجوال.
أما ألمانيا،الغرامات الألمانية كانت أشد حزماً، فقد فرضت غرامات مالية بمقدار 500 دولار لكل من يحاول الاقتراب من شخص في الأماكن العامة؛لضمان تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي الذي يهدف إلى الحد من تفشي العدوى وانتقال الفيروس.
"تشريعات في مجال الصحة النفسية "محاربة الإشاعة""، الهلع من الإصابة بالمرض والرعب الذي يسببه كورونا سيكون أرضاً خصبة لنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة عن انتشار المرض وأعداد المصابين وأعداد الوفيات،ففي سنغافورة قد يصل الأمر إلى الحبس لمدة عشر سنوات إذا ثبت نشر أحدهم معلومات كاذبة عن كورونا، وروسيا وبلغاريا وهنغاريا تفرض قوانين مماثلة،حيث توجد عقوبات بالسجن تتراوح بين خمس إلى ثماني سنوات لناشري الإشاعات والأخبار المفبركة.
"تشريعات لسد النقص في القطاع الصحي"، من التشريعات والقوانين التي افرزتها جائحة كورونا إنشاء قانون إعادة المتقاعدين للخدمة من العاملين في المؤسسات الصحية من الأطباء والممرضين وغيرهم في النقص لدى NHS ، وإصدار قوانين تسهل استقدام الأطباء المهاجرين، كما تفعل أمريكيا حالياً لعلاج النقص الحاد في أعداد الأطباء والممرضين في كافة المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية.
"تشريعات لأستمرار عجلة دوران الإقتصاد"، إيقاف عجلة الحياة في الدول التي لا يعتمد اقتصادها على النفط يعني الموت البطيء لأقتصادها،لذلك حاولت دول العالم طلب ميزانيات طارئة الهدف منها إيصال الإغاثة الطارئة لمواطنيها، والحفاظ على دورة الإقتصاد من خلال دعم الشركات بمختلف أحجامها، ففي أمريكا مرر مجلس الشيوخ مشروع قانون بقيمة تريليوني دولار تقريباً،وهذه فرصة المساعدات الثالثة من الكونجرس الأمريكي لإغاثة الأفراد والمؤسسات، وتهدف سبع مجموعات رئيسية: "الأفراد والشركات الصغيرة والشركات الكبرى والمستشفيات والصحة العامة وشبكة الأمان الفيدرالية والحكومات المحلية والتعليم.
أما بريطانيا، فقد وضعت وزارة الخزانة "الخزينة الدولة العامة" حزمة تحويل بالغة 1405 مليار جنيه استرليني، يذهب 606 مليار جنيه استرليني منها لدعم الخدمات الصحية، وبقية المبلغ يهدف لدعم الشركات وتأهيل البنية التحتية،ودفع المعونات النقدية للأفراد وتقديم القروض.
وفي تركيا أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن الحكومة ستقدم دعماً مالياً لنحو مليوني أسرة من ذوي الدخل المحدود في إطار تخفيف الآثار الاقتصادية لتفشي الوباء ويتضمن ذلك دعماً نقدياً بقيمة 1000 ليرة تركية دعماً فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، وتزويد الشركات بتمويل إضافي عند الحاجة دون تأثير في التدفق النقدي فضلاً عن إجراءات خاصة بالعاملين في قطاع الصحة.
"ذريعة للإستبداد"،يبقى أن نقول أن جائحة كورونا قد جرى استغلالها لوضع قوانين بنكهه ديكتاتورية.
هنغاريا طالها الانتقاد الأكبر بعد أن قامت حكومة فيكتور أوربان مشروع قانون يُعرف بإسم "قانون الحماية ضد الفيروس التاجي" يدخل البلاد في حالة الطوارئ لأجل غير محدود معطياً سلسلة كاملة لأوربان.
بالإضافة إلى قانون الطوارئ أعلنت بعض الدول مثل" أرمينيا، لاتفيا،ومولدوفا،ورومانيا" عدم التقيد بأحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتسمح هذه الخطوة لهذه الدول بتعليق بعض الحقوق المدنية خلال حالة الطوارئ.
أما سلوفاكيا، فقد أعطت الضوء الأخضر لتعقب تحرك المرضى المثبت إصابتهم بكورونا من خلال تمرير قانون يسمح بالوصول إلى بيانات المستخدم في شركات الإتصال،الأمر الذي أثار الجدل بشأن خصوصية المستخدم،وفي محاولة لتهدئة ردة الفعل العكسية ضد هذه الإجراءات.
جمهورية الجبل الأسود ليست بعيدة عن هذه الخروقات،فالدولة التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب 600 ألف نسمة،نشرت أسماء وعناوين الأشخاص المصابين بكورونا، أو الأشخاص الخاضعين للعزل،ووفقاً لسلطات الجبل الأسود تواجه البلاد في هذه المرحلة خياراً صعباً بين صحة المواطنين وحماية بيناتهم الشخصية.
البوسنة والهرسك قررت أن تحذو حذو الجبل الأسود، حيث نشرت أسماء وعناوين وأرقام الأشخاص المصابين الداخلين في العزل، ثم اضطرت إلى حذفها لاحقاً، بعد أن أصدرت وكالة حماية البيانات الشخصية للمصابين بكورونا، وكذلك أولئك الذين تعرضوا للعزل الذاتي ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذا النشر يمثل خرقاً لقانون حماية البيانات الشخصية في البوسنة والهرسك وبتالي يمثل إجراء غير قانوني.
بالمحصلة ليست القوانين أعلاه إلا إجراءات أمنية مرتبطة بتطورات الوباء وصيرورته،إلا أنه من المتوقع أن تسفر الجائحة عن حزمة تشريعات وقوانين جديدة كليّاً لمعظم دول العالم تتعلق بالصحة والأمان المجتمعي والإقتصاد والخصوصية وهذا ما يرجح أن نبدأ بملاحظته مع أولى الدورات البرلمانية النيابية القادمة لكل دول العالم والتي تفتتح بعد انتهاء موجة التباعد الاجتماعي التي تعزل مليارات البشر حول العالم في منازلهم.
"قانون الدفاع في الأردن وبعض القوانين والتشريعات التي افرزتها جائحة كورونا في الدول العربية" في هذا الصدد بالذات سأفرد قريبا ان شاء الله مقال كاملة تتحدث عن أثر قانون الدفاع في الأردن، وهل الأردن نجح محلياً في السيطرة ومحاصرة وباء كورونا؟ وهل كان لتفعيل قانون الدفاع في الأردن والحظر الكلي والجزئي وإغلاق أغلب القطاعات عن العمل الأثر الأكبر في الوصول إلى المنطقة ما بين معتدلة الخطورة إلى منخفضة الخطورة ؟ وكذلك الحديث عن أهم التشريعات والقوانين التي افرزتها جائحة كورونا في بقية الدول العربية..