11-08-2020 10:36 AM
بقلم : م. علي أبو صعيليك
كثيرة جدا هي الأحداث المأساوية التي أنهكت الوطن العربي من أقصى الغرب مورياتنيا إلى أقصى الشرق في البحرين ولكن إنفجار لبنان ومأساة لبنان شكلت صدمة كبيرة وقد تكون هي الصدمة التي تحدث الفارق ليس الأن بشكل مباشر إنما في المرحلة الزمنية القادمة حيث زاد إنفجار لبنان أو مأساة لبنان وضوح الرؤية عند المواطن العربي والذي يرى أن ورقة التوت قد سقطت عن العديد من الشخصيات العامة التي هي جزء من أسباب مأساة البلد، ووسط حالة فوضى مستمرة لابد أن يكون هنالك أفق ما أو طريقة ما لإيقاف هذا النزيف، النزيف العربي.
الجرائم التي تتسبب بزيادة النزيف العربي تحدث يوميا ويمارسها الكثير سواء مسؤولين أو مواطنين والنتائج غالبا ما تكون وبالاً على المواطنين وتثبيت تواجد المسؤول في موقعة وكرسيه، ففي بلاد العرب وخلال هذا العام حصرا حدثت العديد من الجرائم منها ما يتعلق ببيع غذاء فاسد للمواطنين وهي جريمة يشترك فيها تقصير أو فساد المسؤول مع جشع التاجر وهو المحسوب على المواطنين {من غش فليس مني} ومن الجرائم الأخرى مثلا الرشوة حيث تم الإعلان عن العديد من القضايا التي ثبت فيها تهمة رشوة على العديد من المسؤولين {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي} وسوء إستخدام السلطة وهي الجريمة التي تؤثر على المجتمع أكثر من غيرها حيث تؤدي إلى ضياع حقوق البشر {من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول} وغيرها الكثير من الممارسات التي تتنافى مع أصول الدين ويرتكبها المسؤول والمواطن على حد سواء.
الحقيقة المؤلمة أن الجرائم مستمرة والنزيف مستمر والأغلب لا يربط الأمور بالدين إلا بالكلام وليس الأفعال مع ان الدين هو ما يفترض أن يكون مصدر التشريع ومن خلاله توجد الحلول وبتغييبه يكون الطريق المؤدي إلى الهلاك وضنك الحال ميسر لمن أراد، ومن ناحية أخرى فإن تسهيل الإنفلات الأخلاقي بكل جوانبه من قبل المسؤولين يفتح الأبواب والتساؤلات على مصراعيها حول مصلحة المسؤولين في بقاء الحال كما هو! وإلا فماذا يعني إعادة تدوير العديد من الشخصيات العامه التي ثبت فسادها في إستغلال السلطة في أكثر من مكان؟ وأيضا ماذا يعني توفير الخدمات الإلكترونية ومنها وسائل التواصل بأسعار زهيدة جدا وهو ما ساهم بتفتيت الروابط الإجتماعية وإنهيار منظومة القيم والأخلاق؟ وماذا يعني أن يكون الدخل المادي لراقصة أو مغنية أو لاعب في ليلة واحدة يفوق الدخل السنوي ولعدة سنوات لأستاذ مدرسة بل وتكون مكانتهم الإجتماعية من صفوة المجتمع؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي تشكل الإجابة عليها مفتاح لمعرفة مكمن الخلل.
كان مؤلما جدا إنفجار بيروت ومن المؤكد أن حقائقه سيتم الكشف عنها تدريجيا وسيكون لها عواقب وخيمة وكان مؤلما جدا قيام البعض بمطالبة ماكرون بإعادة الإنتداب الفرنسي وكان مؤلما عناق بعض الحرائر العربيات للرئيس الفرنسي الذي تشكل بلده جزء أساسيا من مأساة لبنان بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام ولكن كل ما يحدث تم التمهيد له جيدا والعمل عليه كثيرا حتى أصبح العديد من العرب لا يجدون في بلادهم الأمان والحياة الكريمة وهاجر العديد منهم إلى فرنسا وغيرها من بلاد الإنتداب والإستعمار وهنالك وجدوا فعلا سبيل الحياة الكريمة ومنظومة الحقوق.
يقينا أن الفرنسي وغيره ممن احتل جزء من عالمنا العربي يوما ما لن تكون عنده الحلول، ويقينا ان المواطن العربي هو فقط من سينهض بالوطن العربي كما فعل سابقا الياباني والألماني وغيرهم ممن نهض بوطنه بعد زمن من القهر والظلم والتخلف والنزيف وهذا الأمر مرتبط بالعديد من الجوانب منها مثلا إدراك خطورة مجريات الاحداث وفهم ما يجري حولنا والإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن وإعادة إحياء الترابط الإجتماعي بداية من داخل الأسرة وإعادة وجود الدين في سلوكياتنا وممارسة الوطنية من اجل الوطن وليس من أجل المكتسبات الخاصة ولكي لا نخدع أنفسنا كثيرا فإن هذا لا يريده البعض من أبناء جلدتنا قبل أعدائنا وبالتالي فإن التحديات القادمة أكبر بكثير مما مضى والمخاض عسير جدا وقد يكون إنفجار بيروت ومأساتها أقل مما هو قادم، ورحمة ربنا أوسع من كل شيء.
بلادُ العُربِ أوطـــــــــــــــاني مــــنَ الشّـــــــــــــــامِ لبغدان
ومن نجدٍ إلى يَمَــــــــــــــــنٍ إلى مِصــــــــــــــرَ فتطوانِ