11-08-2020 04:43 PM
بقلم : سبأ ياسر طبيشات
لن أكتب عما حصل من أحداث في هذا العام وما قد يحصل. فأنا لست بباحثة، ولا بعالمة، ولا بمنجمة ولا أراقب السماء والنجوم، ولست برفيقة للعالم الثالث لأتنبأ بالغيب، ولا برسول مبعوث وذو رؤية. ولن أضع الأقدار وأرتب الأحداث وأمتحن العالم أو أبليه وفقاً لمن أراه يستحق، كما أنني لن أمثل دور الملائكة واتصنع بأني الأذكى والأوعى والأصح. لن ادعي الإنسانية بينما أقلب بين محطات التلفاز لأقوم بتعداد الحوادث والتفجيرات والموتى والمغتصبين والمعنفين والفقراء والجوعى لأكتب بعدها "حسبي الله ونعم الوكيل"، أو أدعي الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره كمواساة مني بأني قد فعلت شيئاً، وبذلك أسكت ضميري. دوري في هذا العالم يقتصر على ان أكون كائن بشري، وانسان هو اختيار.
سأحدثكم عن الأعوام السابقة وهذا العام.. كيف صورت لنا البشرية من جوانب مختلفة وبالأخص عند الخوف ولا أقول الجُبن ما أتحدث عنه هنا هو الخوف، الخوف بحد ذاته مخيف، فإن خاف صاحب المال من ضياعه، وان خاف صاحب القوة من زوالها، وان خاف الانسان على روحه، فتوقع وفي ما اذا ما تمت السيطرة على الهلع الذي سيجد طريقه الى عقل وقلب هذا الكائن البشري فإنه سيجلب الخراب والدمار والموت لمحيطه، وكأفضل سيناريو قد يجلب الإنسان الأذية لنفسه في حال آثر الاخرين على نفسه.
تخيل نفسك جالساً في بيتك وفي ثوان معدودة تجد جسدك تحت الركام مغمى عليك، ثم تستعيد وعيك بعدها وسط صرخات ونحيب، تحاول النهوض ولملمة ما تبقى منك، تنهض في وسط الخراب والدمار بين مبان مدمرة وأرض غارقة في الدماء وجثث هامدة، لتهلع وتبدأ بالركض والهرب إلى نقطة آمنة ملتقطاً معك صوراً ومشاهد ستقبع في ذاكرتك إلى الأبد، تركض مجرداً من ملذات الدنيا، فقط هنا تدرك إنها بلا فائدة وأنك أنت المهم الآن. ولا أدري أيضاً فيما إذا قبلت رفقة الإنسانية في هذه النقطة لا أحد يستطيع الجزم إلا من سيعيش الحدث.
وعند وصولك الى بر الأمان حياً بجسد تملكه الحدث حيث أن عينيك الآن لا ترى العالم بذات النظرة، وأذنك لا تسمع إلا الأصوات العالية، ولسانك لم يعد يستطيع التحدث بما كنت تعتاد الاستمتاع بالحديث عنه، حتى يديك لم تعد تصافح بذات القوة، ولا قدماك تمشي بك إلى ذات الاماكن. وبالطبع لا تتوقع عند النظر للمرآة إنك ستجد نفس الشخص، ولست على يقين بأنك ستحب ما ستراه. ستشعر وكأنك طفل ولد حديثاً وقد تم إحصاءك كفرد جديد زاد من الكثافة السكانية.
ليست الحروب وحدها يولد فيها الانسان مجددا فقد جاء فايروس كرههُ العالم أجمع، لم نجزم سبب هذا الكره، هل يعود لأنك قضيت معظم أوقاتك بين الجدران تيقنت خلالها بأنك كنت ضحية لهذا العالم الرأسمالي وأنك وضعت لتنفيذ دور تقمصته بامتياز تماماً كما أرادوا، وهنا أسأل الكثيرين منكم هل ما زلتم معجبين بأنفسكم؟، أو أخبروني فيما إذا كان كتاب فن اللامبالاة قد أجادكم نفعاً. أو لعل سبب كرهكم لهذا الفيروس هو الخوف من الألم سواء ألم المرض أو ألم الجرح أو ألم الفقدان أو ألم البُعد أو ألم الوحدة. ربما يتعين علينا تحديد السبب لمعرفة العلاج. فالموت ليس دائما هو ما يخيف، فالعنصرية والتفرقة تُحدث فينا خوفاً أكبر وألماً أشد.
أرى أن هذا العام قد أتى ليرينا ما كنا نراه دائماً، ولكن بتقنية أعلى، وبذلك حتى لا يبقى لدينا أية أعذار لإنكار جانب مخبئ فينا. جاء هذا العام ليتحدث عن مصطلحات قد أبيدت كالتكاثف والتعاون والتضحية والوفاء. ومصطلحات أخرى قد غيبت كالمسؤولية والأخلاق والصدق والشفافية. أظن أن الخوف أصاب العالم ولم يعد يحتمل، وردة الفعل قوية ولن تستثني أحدا فالجميع مستهدف هنا، وبمعنى آخر على الجميع شد الأحزمة للانطلاق في رحلة مجهولة الوجهة ومن غير الحاجة إلى فيزا، قد تطول المسافة وتكثر المطبات. ولكن فلتحافظ على هدوئك فانت الآن على متن رحلة من اختيار هذا العالم، ولأخبرك سراً ما يشاء العالم سيحدث وانت لست سوى متلقٍ .
لا أقصد أن أقلقكم ولكن حان الآوان لفعل شيء، افعل ما عليك فعله وليس ما يجب فعله، فالقوانين تغيرت وكذلك الأدوار.