23-08-2020 04:30 PM
سرايا - أبدت العديد من الأبحاث العلمية المتعلقة بالصحة النفسية اهتمام شديد بمراقبة الآثار النفسية على فئات المجتمع المختلفة بعد انتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية وغيرها من الظروف الطارئة منذ القدم، كذلك الحال سارع العديد من الباحثين لإجراء العديد من الدراسات المعمقة لبيان الآثار النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية التي جاءت إثر جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي انتشر في جميع أنحاء العالم أواخر عام 2019.
وفقًا لتقرير نشر حديثًا من منظمة الصحة العالمية، وجد أن وباء كوفيد-19 قد تسبب بارتفاع معدلات انتشار القلق والتوتر كتأثير نفسي رئيسي، ويتوقع أيضًا أن ترتفع نسبة الأشخاص المصابين بالاكتئاب، الإرهاق العاطفي والشعور بالوحدة، بالإضافة إلى الغضب والإجهاد وإيذاء النفس.
بناء على ذلك قامت الجمعية الأردنية للإسعاف بدراسة الأثر النفسي لانتشار فيروس كورونا المستجدّ وما رافقه من ضغوطات وعزلة اجتماعية على موظفيها؛ إيمانًا من الجمعية بضرورة المحافظة على سلامة الصحة النفسية ومدى أهميتها في تحقيق توازن الصحة الإنسانية عامةً، وسعيًا في تبني منهجية تدعم الصحة النفسية والعقلية للمجتمع للخروج بتوصيات وخطوات مهمة لتخطي الآثار الوخيمة لهذه الجائحة. ولأغراض هذه الدراسة، تم استخدام استبيان مدعم بأسئلة ومقاييس معتمدة عالميًا بعد إجراء بحث تقصي على الدراسات ذات العلاقة.
من خلال المسح الذي قام بإجرائه فريق الجمعية الأردنية للإسعاف تبين أن 5 من أصل 10 موظفين تأثرت حياتهم اليومية وازدادت نسب القلق لديهم تأثرًا بجائحة كورونا.
كما تبين من خلال تقييم مستوى الوعي حول فيروس كورونا المستجدّ، أن هؤلاء الذين يمتلكون مستوى أعلى من الوعي والإدراك بحقيقة هذا الفيروس ارتفعت لديهم نسب القلق والاكتئاب، بنسبة 46.2 %، 61.5 % على التوالي.
وفي محاولة للربط بين الوقت الذي يقضيه الفرد في متابعة أخبار فيروس كورونا والتأثير النفسي لذلك، وبناء على تقرير نشر في المجلة الطبية “The American Psychological Association” الذ ي يشير إلى أنه كلما ازدادت نسب قراءة ومتابعة الأخبار، ازداد شعور الفرد بالإحساس بالخطر وبالتالي يزداد لديه ظهور الآثار النفسية السلبية التي بدورها قد تؤدي إلى أمراض ومشاكل جسدية، بالفعل وجد أن 11% من موظفي الجمعية ممن يقضون ما يعادل الثلاث ساعات فأكثر يوميًا لمتابعة أخبار جائحة كورونا - خصوصًا أثناء فترة حظر التجول الكامل - عانوا أكثر من ازدياد نسب القلق والتوتر والخوف.
أجاب 61.6% من الموظفين بـ (نعم) عند السؤال فيما إذا ظهرت أي أعراض جسدية تشبه أعراض الإصابة بمرض كوفيد-19 منذ بداية الجائحة في الأردن (آذار 2020)، نرى أن هذه النسبة كانت مرتفعة ومقلقة، لكن بعد أن تم تحليل وتدقيق الاستبيان كاملًا اتضح أن جميعهم لم يتعاملوا مع أي مصاب بفيروس كورونا أو حتى مشتبه به، ويبدو أن هذه الأعراض لم تكن ذات علاقة بفيروس كورونا، بل كانت بسبب الخوف من الفيروس؛ حيث تشير الدراسات والأبحاث إلى وجود علاقة وطيدة بين الخوف والتوتر وما قد يؤدي إليه من آثار وأمراض جسدية حقيقية وخطيرة. وهذا ما أكدت عليه نتائج أبحاث تم دراستها خلال نكبات سابقة مثل الحرب العالمية الثانية حيث وجد أن نسبة مرتفعة من الناس قد عانوا من أمراض قلبية خطيرة نتيجة القلق والتوتر بعد أن فقدوا وظائفهم نتيجة للحرب.
كما وجد أن ما يقارب 97% من موظفي الجمعية كانوا قلقين على أحبائهم وأفراد أسرهم من الإصابة بفيروس كورونا أكثر من قلقهم على أنفسهم.
على نحو إيجابي، تتبنى الجمعية الأردنية للإٍسعاف مجموعة من الخطط والاستراتيجيات لزيادة الدعم النفسي لموظفيها، بعضها قد تم تفعيلها وإقرارها على أرض الواقع من قبل الهيئة الإدارية، منها على سبيل المثال تخصيص يوم الخميس من كل أسبوع للعمل عن بعد لتسهيل حياة الموظفين وتقليل نسب الإرهاق والإجهاد، كما قامت الجمعية بالمساهمة في تطوير التطبيق الذي تم إطلاقه من قبل وزير الصحة "تطبيق صحتك" كمصدر موثوق لتزويد آخر المعلومات والأخبار حول مرض كوفيد-19 لتجنب الوقوع في الشائعات إضافة الى زيادة درجة الوعي والشعور بالأمان لدى الموظفين الذي من شأنه أن ينعكس إيجابًا على الصحة النفسية والعقلية ككلّ، من جهة أخرى تركز الجمعية في الوقت الحالي على تعزيز الترابط الاجتماعي بين الموظفين من خلال اللقاءات والنشاطات الاجتماعية للحفاظ على علاقات صحية ونظام دعم قوي فعال للتخلص من التوتر، آخذة بعين الاعتبار إجراءات السلامة العامة في زمن كورونا.
لا بدّ من التأكيد على أن المحافظة على صحة نفسية وعقلية سليمة ومتوازنة يضمن بنية واستقرار الفرد والمجتمع أجمع. خصوصًا بعد أن أعاد فيروس كورونا توجيه البوصلة في العالم ليؤكد من جديد على فكرة أنّ منظومة الرعاية الصحية هي حجر أساس، إن أهملت سقطت وتداعت باقي منظومات الدولة.