30-08-2020 10:44 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
الجنود الأردنيين الذي سقطوا على ثرى فلسطين في معركة الـ(67) وغيرها من المعارك ولم يتم التعرّف على هويتهم لحظة من اللحظات هم جنود ليسوا مجهولين على الاطلاق، فهم جنود عشقوا ارض فلسطين وآمنوا بقدسية الشهادة، إنهم رموز رووا بدمائهم تراب فلسطين ورحلوا وهم معروفي الأسماء ومعروفي الهويات والانتماء, كيف لا وهم الذين قدّموا أغلى ما يملك الإنسان على الإطلاق من أجل أن تنعم امتهم بالاستقلال والأمن والسلم والاستقرار والحياة الكريمة العزيزة داخل الوطن وخارجه.
من قال لكم ان «الجندي المجهول» مجهولا؟
من قدّم روحه من اجل فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن سقى بدمائه ثرى فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن دُفن في ارض فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن قاتل على تراب فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن غاب تحت سماء فلسطين فهو ليس مجهولا, ..نعم من ودّع زوجته الوداع الأخير قبل ان يمضي الى ارض المعركة فهو ليس مجهولا, ومن قبّل أطفاله القبلات الأخيرة قبل ان يمضي الى ارض المعركة فهو ليس مجهولا, ومن طلب من والديه ان يرضوا عنه قبل ان يمضي الى ارض المعركة فهو ليس مجهولا, من طلب من جيرانه ان يسامحوه قبل ان يمضي الى ارض المعركة فهو ليس مجهولا.
من قال لكم ان «الجندي المجهول» مجهولا؟
أُقسم لكم والقسم غالي ان من عرف طريق بيتا / نابلس وغيرها من قرى فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن عرف كيف يقاوم الصهاينة في بيتا / نابلس وغيرها من قرى فلسطين فهو ليس مجهولا, ومن عرف كيف ينتصر في بيتا / نابلس وغيرها من قرى فلسطين على الصهاينة فهو ليس مجهولا, ومن عرف كيف يسافر ويكّبر(الله اكبر) مع آخر طلقة في بندقيته فهو ليس مجهولا,..كيف لا وآخر طلقة تخبرنا ان شهداء الأردن في فلسطين لهم حكاية جميلة, ولهم كرامة عالية, ولهم مكانة مرموقة, ولهم شفاعة واسعة لا تحدها حدود, يكفيهم انهم ذاقوا طعم الشهادة, وما أدراكم ما طعم الشهادة.
من قال لكم ان «الجندي المجهول» مجهولا؟
نعم مكتوب على شواهد شهداء الجيش العربي على ارض فلسطين عبارة (الجندي المجهول), هم جنود لكنهم غير مجهولين هم جنود معروفين بشجاعتهم وبسالتهم وتضحياتهم, هم جنود ارتفعت اسماؤهم من الأرض الى السماء لحظة استشهادهم, فمن قاتل دفاعا عن تراب فلسطين هو جندي معروف, ومن غاب لحظة استشهاده تحت سماء فلسطين هو جندي معروف,..هؤلاء جنود شهداء أردنيين معروفي الأب والأم، هؤلاء جنود شهداء أردنيين معروفي النسب والحسب, هؤلاء جنود شهداء أردنيين معروفي المنبت والمولد.
من قال لكم ان «الجندي المجهول» مجهولا؟
المجهول هو من أغتصب ارض فلسطين وهي صبية, المجهول هو من دنّس ارض فلسطين وهي طاهرة, المجهول هو من عاث في ارض فلسطين فسادا, واكثر من ذلك المجهول من جهل حقوق الاخرين, المجهول من جهل تراث الأمة, المجهول هو من جهل دين الأمة, المجهول هو من باع فلسطين وقبض ثمنها بخسا, المجهول هو من تآمر على ارض فلسطين في وضح النهار, المجهول هو من قسّم ارض فلسطين الى مناطق أ, ب, ج...وقد نصل والحال هكذا الى حرف الياء.
من قال لكم ان «الجندي المجهول» مجهولا؟
الجنود الأردنيين الذين سقطوا على ثرى فلسطين في معركة الـ(67) وغيرها من المعارك ليسوا مجهولي الهوية, بل هم معروفين أحياء عند ربهم يرزقون, ومن كان حيّا عند ربه.. لا تعنيه كثيرا معرفة الاخرين به, ولا يعنيه كثيرا جهل الاخرين به, فهم عرفوا الله فعرفهم الله سبحانه وتعالى وحفظهم في السماء والارض ويكفيهم هذا الشرف الكبير, شرف الشهادة وشرف القرب من الله, فشهادات ميلادهم وما جاء بها من بيانات معروفة عند الله, ولا تحتاج الى اثبات او دليل او شاهد, ولا تحتاج الى استخراج بدل فاقد, او بدل ضائع.
الجندي الأردني الشهيد ليس مجهول الهوية, الجندي الشهيد هو أبن اربد, وابن عمان وأبن الكرك, هو ابن احمد وأبن علي وأبن خالد, هو أبن فاطمة وأبن عائشة وأبن مريم, هو أبن تلك القرية القديمة, وأبن ذاك الريف الممتد, وأبن هذه المدينة الساهرة, نعم الجندي الأردني الشهيد ليس مجهول الهوية, الجندي الشهيد هو ابن مدرستي وابن صفي وكان شريكي في المقعد يوما من الأيام, هو من سجلته الايام والسنين على انه من الذين قد غابوا طويلا.. وكان غيابه معذورا.
بقي ان نقول: من نام في دماءه في بيتا / نابلس وغيرها من قرى الضفة (53) عاما وازداد فهو شهيد وحق علينا ان نشهد له على انه:
جندياً اردنياً ليس مجهولاً..