05-09-2020 01:28 PM
بقلم : د. دانييلا القرعان
انتظر الأردنيين قرار الحكومة بعودة العمل للقطاعات الإقتصادية بكامل طاقتها الإنتاجية بمزيد من الفرح والسرور مع تخفيف إجراءات حظر التجول القائمة قرابة الشهرين لكن ضمن شروط وضوابط صحية تحافظ على الإنجازات الوطنية في مواجهة جائحة فيروس كورونا كوفيد_19.
جاء قرار العودة للعمل بعد استقرار الوضع الوبائي في البلاد وتراجع عدد المصابين والحالات في ظل الموجة الأولى من فيروس كورونا ومرور نحو ثمانية أيام دون تسجيل أي إصابات جديدة مما استدعى تخفيف إجراءات الحظر القائمة منذ بداية الأزمة في نصف شهر مارس/ آذار 2020 الماضي ويرجع الفضل في ذلك إلى سرعة الإجراءات المبكرة والمشددة التي اتخذتها الدولة الأردنية قبل وصول الفيروس بشهرين واستمرار حالة التنسيق الدائم بين كافة الجهات الرسمية والعسكرية والأمنية والصحية في مراكز إدارة الأزمات وبإشراف مباشر من جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله.
"كورونا انتكاسة وبائية تعيد الأردن إلى مربع المواجهة الأول"، رغم النجاح الذي حققته الأردن في مواجهة فيروس كورونا ووصل إلى عدم تسجيل أي إصابة في بعض الأيام خلال يوليو/ تموز الماضي إلا أن عودة تسجيل إصابات محلية جديدة في الآونة الأخيرة جعله أمام تحد جديد،واتخذت المملكة العديد من الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي الفيروس منذ بدء اكتشافه على أرض الأردن مطلع مارس/آذار الماضي جعلت منه نموذجاً تشتهد به الكثير من الدول.
من القرارات التي اتخذتها السلطات الأردنية الحظر الشامل والجزئي وتعليق عمل المؤسسات التعليمية وإغلاق دور العبادة ودخول الجيش على خط المواجهة وتفعيل قانون الدفاع"الطوارئ" وغيرها من الإجراءات الأخرى.
مع عودة تسجيل إصابات محلية جديدة بالفيروس أعتبر البعض أن مرد ذلك هو تراخي الحكومة الأردنية في استمرارية تطبيقها للإجراءات اللازمة إضافة إلى ثغرات واضحة في متابعتها للمعابر الحدودية والتي أصبحت اليوم مصدراً للفيروس.
"تطور الحالة الوبائية والتشكيك"،بدأت انتكاسة الحالة الوبائية بالأردن منذ نحو 14 يوماً تقريباً بعد أن بدأت وزارة الصحة إعادة تسجيل إصابات محلية تراوحت من 3 إلى أن وصلت 43 و 67 في يوم واحد بإجمالي بلغ عدد كبير من الإصابات خلال أسبوع واحد بلغ ذروة انتشار الفيروس وكشفت وزارة الصحة الأردنية أن معظم تلك الإصابات مصدرها "المعابر الحدودية" وخاصة معبر جابر_نصيب الحدودي مع سوريا.
شكك البعض بتلك الأرقام الصادرة عن الحكومة الأردنية إذ ربطوه بمساع من قبلها لوقف احتجاجات المعلمين بحجة منع إنتشار الفيروس،إلا أن تلك المواقف دعت رئيس الوزراء عمر الرزاز إلى استهجان "التشكيك" بالأرقام المعلنة،وللأسف أن هنالك من يتحدث إنها مؤامرة داخلية أو خارجية وهذا يهدد سلامة مواطنينا ولن نتساهل مع هذا الأمر إطلاقاً؛ لأن أمن صحة وسلامة مواطنينا على المحك.
"معايير جديدة للمواجهة"، القرب الجغرافي لمنطقة الرمثا الأردنية وإرتباطها بالمعابر الحدودية الرسمية مع الجارة الشمالية سوريا كان له الأثر الأكبر في تسجيل معظم الإصابات المحلية، ودفع ذلك السلطات الأردنية إلى إغلاق معبر جابر وعزله عن باقي محافظات المملكة،والوباء لم ينته بعد وطالما حذرنا منه وشددنا على ضرورة توخي الحيطة والحذر عبر الإلتزام بالتدابير الوقائية والتوجيهات الصادرة عن لجنة الأوبئة ووزارة الصحة.
أوعز رئيس الوزراء عمر الرزاز بإجراء مناقلات بين الكوادر الإدارية والإشرافية العاملة في المركز عندما كان في زيارة تفقدية فجائية لحدود العمري "الحدود مع السعودية" بهدف تشديد الإجراءات ومنع أي تجاوزات قد تسبب بإنتقال فيروس كورونا إلى داخل المملكة، وأوعز رئيس الوزراء أيضا برفع مستوى التمثيل الإداري هناك "حدود العمري" ولذلك تم تعيين نائب محافظ ليتولى التنسيق مع جميع الجهات ذات الاختصاص،وتم زيادة أعداد قوات الدرك المتواجدة على حدود العمري بهدف ضمان التزام الجميع بتعليمات الصحة والسلامة العامة والتأكيد على تطبيق الإجراءات الأمنية،وتم الحديث من قبل الحكومة على أن الحالات المحلية الأخيرة مصدرها المعابر الحدودية للأسف وبالرغم من صعوبة القرارات المتخذة للحد من انتشار الفيروس وأثرها على الإقتصاد الوطني إلا أن الحكومة بادرت بإغلاق معبر "جابر الحدودي" مع سوريا لكثرة الحالات المسجلة هناك،وبالرغم من الهفوات والقرارات الخاطئة من قبل الحكومة وخصوصاً على المعابر الحدودية إلا أن الحكومة تراهن دوماً على وعي المواطن للحيلولة دون إنتشار الفيروس والانتهاء من هذه الأزمة بخير وسلام.
وفي خضم هذه المعركة التي تخوضها الدولة الأردنية بكافة تكويناتها ذات العلاقة والتي تسلّمت بقوانين الدفاع التي أصدرها رئيس الحكومة وزير الدفاع وهذه القوانين قد دفعت الحكومة إلى إصدار القوانين تلو الأخرى في إطار التحويط على إدارة الأزمة والتي عنونت إدارتها للعمليات نحو حماية أرواح الأردنيين من منظور أن "الإنسان أغلى ما نملك" فالحكومة منهمكة في تشابك الملفات من البؤر الساخنة وعزل المحافظات إلى عزل البنايات وإحضار الأردنيين بالخارج وإلى غير ذلك من الأرهاقات التي تتوالد في هكذا ظروف.
وقد رصدتُ ثغرتين وددت الحديث عنها أمام الأردنيين لأجل الحيطة والحذر:
"ثغرة حدود العمري"، قررت الدولة الأردنية إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية في منتصف مارس/ آذار الماضي ومنعت أي دخول أو خروج من أراضي البلاد وأخضعت نحو 5000 آلاف عائد للحجر الصحي مدة 14 يوماً لضمان خلوهم من الإصابة بالفيروس،وتنبهت لخطر الفيروس القادم مع سائقي شاحنات نقل البضائع من دول الجوار خاصة معبر العمري مع المملكة العربية السعودية وسائقي الشاحنات المصريين القادمين لميناء العقبة من خلال العبّارات البحرية لميناء العقبة.
كثير من المعلومات وحتى "الشائعات" تناولها المجتمع الأردني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بأنه قد يحدث في بعض الحالات بأنه لم يوقع على بعض القادمين من السائقين الكشف الطبي المبدئي المتمثل في قياس المؤثرات الحيوية ولعدم وجود حجر صحي على الحدود والاكتفاء بالتعهد الورقي لإجبار السائقين على الإلتزام بالحجر المنزلي هو لم يحدث في عموم الحالات إن ألتزم السائقين بهذا التعهد، مما تسبب بظهور الإصابات وتزايدها خلال الأيام الماضية من "الغور وحتى الأجفور" مما أحدث حالة ارتباك في الوسط الحكومي وتذمراً شعبياً تجاه ضعف الإجراءات الحكومية في هذا الإطار.
نقدر للحكومة مؤخراً اتخاذها للقرار القاضي بحجر السائقين في منطقة الأزرق في المدارس العسكرية مما يعطي حلاً قاطعاً بعدم مخالطة هؤلاء السائقين لأي كان وللمدة التي فرضتها وزارة الصحة وهي 14 يوماً سابقاً، وفي هذا الإطار كان لا بدَّ من إتخاذ إجراءات صارمة ومشددة لضبط "ثغرة سائقي الشاحنات من خلال: الطريقة الأولى: تطبيق إجراءات التحميل والتنزيل التي أعلنت عنها الحكومة الأردنية على جانبي الحدود من خلال آلية المناوبة من ظهر السيارة إلى أخرى Back to Back وهو ما أكد عليه الناطق بإسم اللجنة الوطنية للأوبئة الدكتور نذير عبيدات حيث أفاد بأن هذه أفضل طريقة لمنع الاحتكاك وتجنب جلب الإصابات إلى بلادنا وكذلك الطريقة الثانية: زيادة تواجد عدد فرق التقصي الوبائي على الحدود البرية وتحديداً العمري حتى يكون في مقدورهم التعامل مع حركة السائقين القادمين والتي قدرت يومياً ما بين 300 _400 سائق مع توفير سيارات خاصة لنقل العيّنات المسحية إلى المختبرات المعتمدة للإسراع بإظهار نتائج الفحوصات حتى يتم تعيين حالة الفحص "سلباً أو إيجابا" للتقرير في تطبيق الحجر أو للتنقل إلى المستشفى في حالة الإصابة،أما الطريقة الثالثة موضوع الحجر الصحي على السائقين مسؤولية حكومية بالدرجة الأولى ويجب عدم التراخي أو التهاون في هذه القضية ويكفينا ما حدث في الأمس القريب،الطريقة الرابعة منع السائقين الأجانب من التعامل أو الاختلاط بالسائقين الأردنيين وموظفي الحدود وحصر تنقلهم في قاعات خاصة داخل حدود العمري.
النخب السياسية والبحث عن الشعبويات" تابعت مثل غيري من الأردنيين ما يرشح من مقالات صحفية لأصحاب أقلام ومنابر الفكر والسياسة من النخب اللذين تقلبوا على الكراسي الوثيرة من سرايا الدوار الرابع إلى العبدلي يقدمون النصح والإرشاد للحكومة في ظل إدارتها "أي الحكومة" لأزمة كورونا،وهنا لستُ مدافعاً أو محامياً عن الحكومة وهي التي لها جيش من المحامين والمدافعين وبيدهم السوط والسلطة، فالحكومة لها إيجابياتها وهي كثيرة في إدارتها لأزمة كورونا ولها سلبياتها أيضا وهذا ليس وقت الحديث عنها، لكن هنا انحاز لوطني الذي هو بحاجة إلى أن نتظاهر فيه هذه الأيام إلى جهود كل القوى الخيّرة للخروج سالمين متعافين وبأقل الخسائر.
لقد استوقفتني الكثير من هذه الطروحات "الروشتات" لصرف الوصفة الطبية على قارعة أرصفة الأزمة بوصفها حالة البلاد في هذه الظروف بالأنسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويشخصون الأمر بأنها قد وصلت إلى ما وصلت إليه على حد وصفهم ويكيلون الاتهامات شرقاً وغرباً وينسون أو يتناسون عن قصد أن ما وصلت إليه الأمور في عهودهم كانت أشد ظلاماً وقسوة عن وضع كورونا الذي تمر به البلاد، ومع الفارق بأن فيروس كورونا سينتهي وإن طال الزمان، أما هؤلاء المتطيرون بالسوانح والبوارح سيبقون بيننا ويتكاثرون بوتيرة أشد فتكاً من فيروس كورونا اللعين.
ثمة مفارقات عجيبة لا أخال أحداً في بلادي لم يتكهن مضامينها من أناس ارتقوا إلى سدة الدولة وهؤلاء المحظوظين والذين سنحت لهم الفرصة تلو الأخرى ولم يقتربوا البتة من أداء دور إصلاحي ... في الأردن يحدث وليس في غيره على وجه الخصوص حيث تمسح الذاكرة وتأخذ الناس أحياناً لحظات التنويم المغناطيسي من بعض المتقلبين وتحاول مسح الذاكرة القريبة لعموم شرائح الناس من مختلف طبقاتهم وشرائحهم عبر تحولات صادمة يقوم بها بعضهم في تبديل السلوك والنهج.
قد أختار هؤلاء الصناديد من النخب السياسية التحول إلى حالة نضالية لا أسس لها في مجتمعنا الأردني فالكل يعرف فيه الآخر بدقة بل تتحول هذه الحالة لرفض مثل هذا السلوك والنهج لأن الدور الذي يتقمصه البعض فهم كانوا في الأمس القريب من أبرز المسؤولين في البلاد وجزءاً حيوياً من صانعي سياساته عبر مواقع المسؤولية المثيرة والمهمة التي تقلبوا عليها... حالة من المناقصة والمزايدة فهل يستحق الأردن ونظامه واهله مثل هذا الاستعراض؟ سؤال بريئ يرسم الإجابة ...
"خلاصة القول" الحكومة ملزمة للقيام بدورها المنشود من خلال وضع خطة عمل محكمة لإدارة الأزمة وفي شفافية عالية وإطلاع عموم المواطنين عليها وأن لا تنذرنا يومياً بالعودة إلى المربع الأول من إجراءات الحظر وإغلاق المناطق لأي خلل جزئي هنا وهناك، بل لا بدَّ من التفكير بجدية بكيفية إصلاح ومعالجة وتجنب أي خلل او ثغرة في المستقبل في أي جانب لا سمح الله فالوضع الاجتماعي والاقتصادي على المحك ويلزمنا الإدارة الرشيدة في التعامل مع الأزمة في كافة جوانبها.
يجب أن يتحلى الجميع حكوميين ومواطنيين بالتماسك لمواجهة هذا الوباء حتى يبعث الجميع الأمل والطمأنينة في نفوس الأردنيين بعيداً عن التفاؤل المفرط والاستهانة وأن الكل جنود الوطن في هذه الأزمة وفي بوتقة واحدة من المسؤولين والرسميين في الحكومة وصبر الأردنيين في السير على خط متوازن فلا نرّجح كفة العقل على القلب ولا العكس وهذا مطلباً في رأيي هو فرض عين فلا مناص لأحد من الامتثال إليه والعمل بمضمونه... حمى الله بلادنا من هذا الوباء اللعين وألهم الأردنيين الصبر مفتاح الفرج وقيادته الهاشمية المظفرة.