14-09-2020 09:44 AM
بقلم : هبة احمد الحجاج
في يومٍ ما ، كنتُ ذاهبًا إلى عَملي الذي أصّبَح روتيني المُعتاد "والله لا يقطعها من عاده "، قررتُ أن أفتحَ الرَاديو حتى اطَلعَ على آخرِ أخْبارِ العالم، وللهِ الحمدِ أنهُ لم يكنْ هُناك أخبار، بل كانتْ قهوةَ الصباحِ " فيروز" كانتْ تُغني " شايف البحر شو كبير " شَعرتُ لوهلةٍ أنها تُخاطِبُني! لأنني كُنتُ أسيرُ من جانبِ البحر ، نَظرتُ إليهِ وقلتُ " سبحان الله!" ، وتَذكرّتُ قولَ مارك توين :
" امنحْ كُل يوم الفُرصَةَ لأنْ يكونَ أجملَ أيامِ حياتِكَ".
وبِالفعلِ وقررّتُ أن أتأخرَ عنْ عَملي بعضًا منَ الوقتْ، لأنهُ قدْ يكونُ هذا اليوم أفضلَ أيامِ حَياتي ، ونزلتُ من سيارتي، وجلستُ على الكرسي المطلِ على البحر ، يا لَهُ من منظرٍ سَاحر! وكأن هذا المَنظرَ يَقولُ لنا "من أرادَ جرعةً كبيرةً من الراحةِ والسكينةِ والفرح، ما عليهِ إلا أنْ يشدّ الرحالَ إلى البحر، فلديهِ كلُ أسبابِ الشُعورِ بالاسترخاءِ والسكينةِ والارّتياح، وفيهِ يُمكنُ أن يُلقي المرّءُ بِجميعِ ألامِهِ وأحّزانِه، أو أنْ يَقولَ لهُ ما يُريدُ من أسرارٍ وذكريات، فأمواجُهُ لا تَخونُ السِرّ أبداً، ففي كُلِ قطرةِ ماءٍ منهُ أسرارٌ كثيرة باحَ بها الكثيرون، واحتَفظَ بها ماءُ البحر، ولن يَبوحَ بها حتى للمَراكبِ والأشرعةِ التي تَجُوب فيهِ ليلاً ونهاراً، فالبحرُ وفيٌ لأسّماكِهِ ومُرجانِهِ ولِملّحهِ السَاكنِ في أعماقه".
وأنا مُتأمِلٌ في ذلكَ المَنظَرِ الرَائع ، إذ أسمعُ صوتًا يقولُ " يا بُني هُنالِك الكثيرُ من الأسمَاكِ عليكَ أن تَغتنِم الفُرصةَ وتَلتقِطها، يجبُ أن تَكونَ مُستعدًا في أي لَحظةٍ لاغْتنامِ الفُرص ، اذكر يا بُني قول جولي آندروز ويعجبني قَولُهُ كَثيراً ويجِبُ أن تَضعَ قولهُ حلقَةً في أُذنَيك "أحياناً تمُر الفُرص من أمامِ أنفكَ , اعمل بجدٍ وأثبتْ نَفسك وكنْ دَوماً مُستَعدًا لالتِقاطِ أيةِ فُرصة".
فكانَ ردُ الابنِ سريعاً وهُو يُلقي الشِباك حتى يلتَقِط أكبرَ عددٍ مُمكنٍ من الأسماكِ قائلًا" ألا تَذكرُ يا أبي قَولُ باولو كويلو:
(خُلقتْ الفُرص لكي تُقتنص على الفور) ".
لكن للأسفِ من شدَةِ حماسِ الابن لم يَلتقط أيُ سَمكة ، نظرَ الأبُ إلى ابنهِ نظرةَ استغراب! ولكنّ سُرعةَ بديهة الابن كانتْ جَمِيلة وكانَ ردُه على رأسِ لِسانِه "لا تَنسى يا أبي قولَ هنري فورد:
(الفشلْ هو الفرصةُ الوحيدةُ التي تُتيحُ لكَ البدءَ من جديدٍ على نحوٍ أكثرَ ذكاءً)" .
نظرَ الأبُ إلى ابنِه وقال " يا لكَ من ولدٍ شقي"، وتَعالتْ أصواتُ ضَحِكتهما .
سَعدتُ بعلاقةِ الأبِ مع ابنهِ وكيفَ أنهُ يُعطيهِ دَرسًا في الحياةِ بطريقةٍ سلسلةٍ وبسيطة، قد نكونُ نَفتقدُها بعضَ الشيء في أيامِنا هذه.
وعِندما قررتُ العودةَ إلى تأملي في هذا المنظرِ الخلاب، جلسَ بجواري شخصٌ وكان هيئته هيئةَ رجلُ أعمال ، حتى أنهُ منَ انشغالهِ في أعمالهِ لم يشعرْ أنهُ جلسَ بجانبي ، كان يتَكلمُ على الهاتفِ ويقول " أتعرفُ ما هو سرُ عملي؟ أنتهِزُ الفُرص ( أنتَهِزُ المواسم)، في موسمِ الزيتون أدخل به، في موسمِ كذا أدخلُ به، وهكذا أنا أُطبق هذهِ المَقولة ولا أُخفيك هي سرُ عَملي في الأعمالِ الحُره، في الأعمال الحرة يقولُ محمد المنسي قنديل "تقومُ على قاعدةٍ في غايةِ البساطة: انتهز الفرصة. فقط انتهز الفرصة".
وعندما لاحظَ أني بجوارهِ شعرَ وكأنني اخترقتُ أعمالهُ لا بل دَمرتها، نظرَ إلي بصدمةٍ وذهبَ مُسرعاً ، وإذ يرتطمُ بفتاةٍ كانت مع صديقتها ولا أعلمُ على من كان الذنب؟! هل هو كان مسرعاً أم هي من شدةِ بُكائها لم تنتبه على منْ حولها ، حتى صديقتُها التي كانتٰ تُواسيها لم تَكنْ تَسمعها ، جلستْ أمامَ البحرِ وكان صوتها مرتفعاً بعضَ الشيء ، كانتْ تقول " أشعرُ أنهُ بالغربِ وأنا بالشرق ، هو يمين وأنا يسار ، أنا أحبُ الظل وهو يُحب الشمس ، هو يُحب النهار وأنا أحبُ الليل ، وأنا أريدُ الضوء وهو يريدُ العتمه" قاطعتها صديقتها قائلةً " هون حطنا الجمال"، أنتما الاثنان في نفقٍ مُظلم كلٌ مِنكما يبحثُ عن الآخر، والغريب في الموضوع كلاكما تَحملان مصباحًا مُضيئًا ولكن لا أحدَ يُريد منكما أن يُضيءَ هو أولًا، وتُصبحان تبحثان عن بعضكما البعض، وتبقيان في نفسِ المتاهة ، لماذا لا أحدَ منكم يُجرب أن يُضيءَ المصباحَ الذي معهُ لعلهُ يكشفُ له الطريقَ المُؤدي للآخر؟ وبالتأكيد الطرفَ الآخر سيقومُ بنفسِ الشيء، ويضيءُ مصباحهُ ، وأذكرُ أنني قرَأتُ مقولةً تدعمُ فكرتي لهذا الموضوع، وهو قول نيلسون مانديلا (بواسطةِ إطلاقِ وميضِ الضوء لدينا ، نحن نقدمُ للآخرين فرصةً للقيام بنفسِ الأمر) ".
ابتسمتْ صديقتها وقالتْ" لها نعم أتذكرُ قولهُ و أتذكر قول ألبير كامو( لا بد لنا من حب ، حبٌ واحدٌ عظيم في حياتنا ، حيث أن ذلك يُعطينا فرصةً للهروب من جميع اللحظات التي تمتلىء فيها باليأس المميت) ".
نَظرتُ إلى البحرِ وقلتُ له : في كلِ قطرةِ ماءٍ منكَ أسرارٌ كثيرةٌ باحَ بها الكثيرون واحتفظتَ بها أنت ، يجبُ أن يكافِئوك بموسوعةِ غينتس أكثرَ مكانٍ يحفظُ الأسرار هو أنت هههههههههه.
وإذ ينظرُ إلي شَخصٌ ويلقي علي التحيةَ ويطلبُ مني أن يطرحَ علي بعضَ الأسئلةِ وقبلتُ بذلك .
كان السؤالُ الأول ، إذا تعرضتُ لموقفٍ مؤذي هل تُسامح ؟!
كانت الإجابةُ " نعم مدعمًا بقولِ اسحق رابين( اعط السلام فرصة)" .
فقال لي" فُرصة ! وما هي الفُرصة بالتسامح هنا؟ "
قلتُ له " اعتقدُ أنك لم تقرأ أو حتى لم تسمعْ بمقولةِ ديزموند توتو (التسامحُ يعني أن تمنحَ لنفسكَ الفرصةَ لكي تبدأ بدايةً جديدة)" .
قالَ لي " وإذا لم يكنْ هناكَ فُرصة من الأساس ، ماذا أفعل؟"
قُلت له " بِكل بساطةٍ اخلقها ، هكذا يقول ميلتون بيرل (لو لم تطرقْ الفرصةُ بابك فاصنعْ لها باباً تدخلُ منهُ إليك )".
ومن ثُم أدركتُ أنني تأخرتُ كثيراً عن العمل ، ذهبتُ مسرعاً وقلتُ لهُ" توماس سكوت يقول (الحياةُ دائماً تُقدم لك فُرصةً ثانيةً تُسمى غداً)" .
وأنا أقولُ لكَ " قدْ تكونُ الفرصةُ طوقَ النجاة "،
إلى القااااء.