16-10-2020 06:47 PM
سرايا - تحقيق - شروق طومار- بدي أولادي يتعلموا عشان يكون مستقبلهم أحسن من هالعيشة.. لكن من يوم ما صار التعليم عن بعد لا قروا ولا بعرفوا عن دروسهم..ما معنا نشتري أجهزة حديثة ولا معنا نشحن انترنت".
بهذه الكلمات البسيطة تحاول الثلاثينة ضحى عثمان، أحد سكان قرية المبروكة قضاء خالدية المفرق، التعبير عن خيبة أملها وعجزها عن تقديم أي شيء لمساعدة أبنائها على متابعة تعليمهم بعد تعطيل المدارس والتحول إلى التعليم عن بعد منذ الرابع عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي كأحد إجراءات الوقائة من جائحة كورونا.
ضحى أم لستة أبناء، أربعة منهم على مقاعد الدراسة، في الصفوف (الثاني والرابع والسادس والسابع). لم تكمل ضحى تعليمها المدرسي وهي بالكاد تستطيع القراءة والكتابة، بينما لم يتلق زوجها أي تعليم وهو عامل بناء بأجر يومي متقطع نتيجة الإغلاقات المتلاحقة، يتراوح معدل دخله الشهري بين (150-200) دينار.
من نافذة معراة تماما من الزجاج أو أي ساترٍ يصد برد الشتاء أو قيظ الصيف، يستطيع المرؤ أن يطل على ما يمكن - تجاوزا - تسميته بـ"المأوى". بضع أمتعة مرصوصة في بئر درج بيت آخر.
هناك، تسكن ضحى وزوجها وأبناؤها. حيث تجتمع كثير من التفاصيل القاتمة، وظروف تقذف بهؤلاء الأطفال خارج نطاق التغطية الخدمية والتنموية، فتحرمهم من الانخراط بالعملية التعليمة خلال فترة الإغلاق، وتطيح بأحلام ضحى التي ظلت رغم كل ما تقاسيه من ضنك العيش، تتشبث بحق أبنائها بالحصول على التعليم لأنها اعتقدت دائما بأنه طوق النجاة الوحيد الذي سيخرجهم من هذا البؤس.
حال هذه الأسرة لا يختلف كثيرا عن حال معظم سكان "المبروكة" الواقعة على بعد (80) كم تقريبا شمال العاصمة عمان. وهذا الحال ليس الأسوأ من بين أحوال سكان القرية وعددهم يزيد عن (6700) نسمة، ويصفون أحوالهم بأنها أفضل بكثير من أحوال قرى أكثر نأيا وتهميشا في الأقضية التابعة للواء البادية الشمالية الغربية (حوشا، السرحان، قصبة اللواء، والخالدية).
يسكن هذه الأقضية وقراها نحو (156) ألف نسمة، ويبلغ عدد طلبة المدارس فيها نحو (36) ألف طالب وطالبة، يدرسون في (146) مدرسة تابعة لمديرية تربية لواء البادية الشمالية الغربية (88) منها للإناث و(56) للذكور.
مدير تربية اللواء د. حسن الملاك يؤكد أن نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة يواجهون تحديات مختلفة كشح الأجزة الالكترونية وعدم كفايتها لعدد الطلبة في البيت الواحد، وعدم القدرة على شراء مزيد من حزم الانترنت، وضعف تغطية شبكات الانترنت في عدة مناطق، إضافة إلى تدني المستوى التعليمي للوالدين وعدم قدرتهما على مساعدة الأبناء في متابعة الدروس.
أدوات تعلم شحيحة
"150 دينار بالشهر يادوب يكفوا أكل وشرب لـ 8 أشخاص"، تقول ضحى.
لدى الأسرة هاتف ذكي واحد يصطحبه الزوج معه عادة أثناء عمله، ويضطر الأبناء لانتظاره ريثما يعود مساءً، ليبدأوا بالدخول واحدا تلو الآخر إلى "منصة درسة" إذا كان هناك رصيد متبق من حزم الانترنت.
تبدي ضحى تخوفها الشديد من استمرار هذا الحال إلى حين بدء فترة الامتحانات، وتضيف: "ما بنقدر نشتري إلا بطاقة انترنت واحدة في الشهر، ومستحيل نقدر نجيب جهاز ثاني، لو معنا بنسدد فواتير الكهربا اللي مقطوعة علينا من سنتين".
لجأت الأسرة إلى سحب خط كهرباء من منزل جارهم علي الزعبي، وهذا الجار هو أستاذ لغة انجليزية في مدرسة المبروكة الثانوية للبنين. لديه خمسة أبناء على مقاعد الدراسة تتراوح صفوفهم من الثالث إلى الثامن. يتبقى من راتبه (40) دينارا شهريا بعد تسديد إيجار منزله وأقساط القروض المترتبة عليه.
يقول علي: "ينتظر أبنائي الخمسة عودتي من المدرسة ليتابعوا دروسهم على المنصة باستخدام هاتفي الذي استخدمه أنا أيضا لمتابعة طلبتي".
ويتابع: "الدخول للمنصة غير مجاني في ساعات المساء، مما يضطرني لشراء المزيد من بطاقات الانترنت، وهذا يحملني أعباء إضافية لا أقدر عليها، لكن أبنائي محظوظون فنحن على الأقل لدينا جهاز ذكي وأنا معلم وبإمكاني مساعدة أبنائي في دروسهم، وهذا غير متوفر لدى معظم أهالي المنطقة".
تؤكد ذلك الأربعينية منيرة أحمد، وهي سيدة مطلقة وأم لطفلين في الصفين الأول والثالث. تقول منيرة: "ما عندي تلفون ذكي، وأنا مش متعلمة، ما بقدر أساعد ولادي بدروسهم، هذول الأولاد ضاعوا"!
وعود حكومية لم تتحقق
"قالوا رح يوزعوا على الطلاب في المناطق النائية أجهزة يدرسوا عليها..وينها والله ما شفنا إشي؟!". يتكرر السؤال على ألسنة الأهالي في معظم البيوت التي زارتها معدة التقرير في إشارة إلى الوعود الرسمية العديدة بتوفير أجهزة حواسيب للطلبة غير المقتدرين.
منتصف آب الماضي، أصدر مجلس الوزراء قرارا بالموافقة على تخصيص مبلغ (57) مليون دينار على مدار خمس سنوات بواقع (15) مليون دينار في السنة الأولى لتوفير أجهزة حواسيب على الطلبة الفقراء، وجاء في إعلان القرار أنه اتخذ نظرا لوجود نسبة تتراوح بين 12% إلى 16% من طلاب المدارس الحكومية لا يملكون أجهزة موصولة بالانترنت وفقا لدراسات متعددة.
وأعلنت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة منتصف أيلول الماضي عن قرب استلام العروض المالية لعطاء شراء 300 ألف جهاز حاسوب ليتم توزيعها على الطلبة غير المقتدرين بناء على أسس عادلة بحيث يتم توزيع جهاز واحد لكل 3 طلاب وبحد أقصى 3 أجهزة لكل أسرة.
لكن وزير الاقتصاد الرقمي والريادة السابق مثنى غرايبة بين لـ"عمان نت" في الأيام الأخيرة من وجوده في حكومة تصريف الأعمال إن الوزارة لم تستكمل بعد استلام عروض عطاء شراء الأجهزة.
وأوضح غرايبة أن إجراءات العطاء تأخرت بسبب ارتفاع الطلب على أجهزة الحاسوب عالميا، وبأن شراء الأجهزة وتوزيعها سيجري على دفعات، مستبعدا أن يتم توزيع الدفعة الأولى منها قبل حلول شهر كانون الأول من هذا العام.
ضعف تغطية الانترنت
"اشتريت تلفون جديد بالدين عشان الاولاد يقروا، لكن تغطية الانترنت معدومة، شو أعمل أكثر من هيك؟" سؤال عاجز يطرحه الأربعيني وصفي محمد الأب لأربعة طلاب في الصفوف (روضة – خامس – عاشر – أول ثانوي) الذين انقطعوا بشكل شبه كامل عن متابعة دروسهم منذ التحول إلى التعليم عن بعد.
أما أم محمد التي تقيم في بيت عائلة زوجها وهي أم لخمسة أطفال في الصفوف من الأول إلى التاسع، فقد حاولت تدارك مشكلة ضعف تغطية الانترنت بحثّ أبنائها على متابعة دروسهم على التلفاز، لكنها تصف هذا البديل بأنه غير عملي، وتقول: "عددنا في البيت أحد عشر شخصا، بالله عليك كيف الولد بده يركز وهو بحضر التلفزين وحواليه عشر أشخاص بالبيت؟"
مشكلة ضعف تغطية الانترنت تواجه عددا كبيرا من سكان المنطقة وتتعمق أكثر لدى سكان المناطق الأكثر بعدا عن مركز المحافظة.
ويقر غرايبة في حديثه بأن 3% على الأقل من مساحة المملكة المأهولة بالسكان غير مغطاة بشبكات الانترنت.
لكنه يضيف:"هذه المشكلة قائمة منذ سنوات، وفي الأزمات نضطر لتكريس الجهود لحل المشكلات التي ترتبت على الأزمة ونتجت عنها وليس لحل المشكلات القائمة. هذه المشكلة لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها".
مخاوف من تزايد التسرب والأمية
بقلق شديد تعبر "أم قيس" عن مخاوفها حول مصير تعليم أبنائها في ظل عدم قدرتهم على متابعة دروسهم عن بعد، فتقول: "أولادي من يوم ما عطلت المدرسة ما فتحوا كتاب..الاولاد صاروا للشارع".
ويجمع عدد من معلمي ومعلمات المنطقة الذين تمت مقابلتهم على أن عدد الطلبة المتفاعلين على المنصة والذين يقومون بإرسال الواجبات بانتظام قليل جدا.
ويقول الأستاذ "علي الزعبي": "مجموع عدد الطلبة الذين أدرسهم 100 طالب، بينما لا يزيد عدد الطلبة الذين يرسلون الواجبات عن 4 طلاب".
ويتابع: "أدى منع التواصل المباشر بين الطلبة ومعلميهم من خلال مجموعات الواتس اب أو المكالمات الهاتفية إلى قطع الصلة مع الطلبة وذويهم، الاكتفاء بالمنصة آلية غير مناسبة لأهالي منطقتنا الذين يعانون من مشاكل كثيرة تعيق وصولهم لها".
ويشير مدير تربية اللواء د. حسن الملاك إلى أن متابعة حضور وغياب الطلبة على المنصة لا يتم بواسطة مدرسي المدارس أو مدرائها وإنما من خلال مركز الملكة رانيا لتكنولوجيا التعليم، وبالتالي لا تتوفر معلومات لدى المدارس حول الطلبة المتغيبين ليقوموا بالتواصل معهم.
ويبين الملاك أن التحديات المختلفة التي تحول دون قدرة الطلبة على متابعة تعليمهم عن بعد من الممكن أن تسهم في زيادة أعداد المتسربين من المدارس الذين بلغ عددهم خلال السنوات الثلاث الماضية (170) طالبا متسربا من مدارس اللواء.
وتؤكد الخبيرة بشؤون التعليم والطفولة المبكرة في ظل الأزمات د. أسماء الخطيب أن فقدان الطلبة في البيئات الأقل رعاية لمقومات متابعة العملية التعليمية عن بعد، من الممكن أن يؤدي إلى انسحابهم من العملية التعليمية نتيجة تراكم الفاقد التعليمي لديهم وشعورهم بالفشل واليأس من إمكانية اللحاق بالمستوى العلمي لمرحلتهم العمرية.
وحول خطة وزارة التربية والتعليم لمعالجة هذه الجوانب، يقول وزير التربية والتعليم إن الوزارة تقوم بإعداد برنامجا لتعزيز المهارات الأساسية للطلبة في القراءة والكتابة والحساب للصفوف الأولى ليتم تنفيذه في المرحلة القادمة.
وتشدد الخطيب على ضرورة إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بين الطلبة والمعلمين وإيجاد آلية لقيام الطلبة بمشاركة التجارب والأفكار مع زملائهم بأي طريقة متاحة كالاتصال الهاتفي على أقل تقدير، إضافة للحاجة إلى وجود برامج خاصة تطبق سريعا ودون أي تأخير لتزويد طلبة الصفوف الأولى تحديدا بمهارات التواصل ومهارات القراءة والكتابة.
وتشير إلى أهمية استمرار برنامج "مشاركة الأهل بالروضة" الذي تقيمه وزارة التربية والتعليم أثناء انتظام التعليم الوجاهي، وتفعيل هذا البرنامج أثناء التعليم عن بعد وشموله لأهالي طلبة مراحل عمرية أخرى وخصوصا الصفوف الثلاث الأولى، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل برامج للرعاية الوالدية من خلال الوزارة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني للعمل على توعية الأهل وتفعيل دورهم في حماية أبنائهم من خطر التسرب.
وسجلت المفرق نسبا مرتفعة للأمية في السنوات الثلاث الأخيرة اقتربت من (9)% لمن تزيد أعمارهم عن 15 عاما، وهي من بين الأعلى على مستوى المملكة، وبلغت نسبة الأمية فيها عام 2019 بين اللإناث (10.7)%، مقارنة بـ (5.1) %على مستوى المملكة