17-10-2020 10:57 AM
بقلم : الدكتور شفيق علقم
ان من أهم أسباب فقر الدول وفقر شعوبها يعود إلى حد بعيد للنزاعات المسلحة ، والثورات والحراكات الشعبية ، والانظمة القمعية والفاسدة ،والدول الضعيفة بشكل عام ؛حيث تتسع الفجوة بين الحكام وشعوبهم ، وتغيب المساءلة ، ويسود اهمال مصالح الشعوب وحقوقها ، كما ان انتشار الفساد بصوره المتعددة ،الاداري والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي ،لهو ظاهرة أشد فتكا وأكثر تعقيدا في حالات دول العالم الثالث ويكاد يطيح بكياناتها.
وان من أهم أسباب الفساد هو الخلل في الانتماء العقيدي والفكري ،والولاء الوطني والقومي ، وغياب قيم المساواة والعدالة والحرية ، واداء الواجبات ونيل الحقوق بكافة انواعها. كما ان اغراءات اللحاق بالعولمة التي تعمق الهوة بين الطبقات الاجتماعية وتؤدي إلى الفوضى وانتشار الفساد والمفسدين ، والانغماس بالثقافات الغربية والامريكية وقيمها بدعوى الديموقراطية وما يسمى بالانفتاح الاقتصادي والسياسي والثقافي والاعلامي بين الشعوب ،هي مدعاة للفساد والفقر ، علما بان الديموقراطية لا يمكن فرضها فرضا من الخارج او شرائها وانما هي ممارسة محلية تدريجية واقعية ؛ ولان الاصل ان يقف مبدأ السيادة في طريق التدخل الخارجي بكل صوره ، ولكن من الممكن تشجيع ذلك عن طريق تعزيز المجتمع المدني وتقديم الحوافز للحكومات لحضها على التحرك نحو الاصلاحات المطلوبة ،الاقتصادية منها والسياسية ... ونحوها.
ان التسلل الامريكي نحو اقتصاديات الدول للسيطرة عليها والحاقها بها ، بحجة المساعدات والمعونات ؛ يعتبر من اخطر اسباب التبعية ، فأمريكا تشتري تبعية الدول بما تسميه مساعدات ومعونات خارجية من خلال صندوق النقد الدولي حينا ،أومن خلال منظمات ومؤسسات امريكية ودولية او مباشرة احيانا اخرى. كما في حالة مصر والاردن على مساومتهما لاقراضهما من صندوق البنك الدولي ذي القرارات السياسية الاقراضية الالزامية مقابل اجبارهما على تطبيق سياسات جائرة مثل رفع الاسعار، وتخفيف الدعم عن سلع تموينة اساسية، تصيب المواطنين الاقل فقرا ،وتجبرهما على الاعتماد الاساسي على استثمارات اجنبية لبناء السوق ، فتهيمن على مقدرات هذه الدول ، والهيمنة تحمل في طياتها مسؤولية ضخمة فعلى الدول التابعة ان تستجيب لسياساتها ومطالبها.
ان الاصل في المساعدات الخارجية البريئة ان تقوم على اساس منفعة الشعوب او الدولة المتلقية ، واعطاء المتلقين للمساعدة شعورا اكبر بالملكية والمشاركة في البرامج التي يفترض انها تفيدهم ، اضافة إلى تعزيز حالات النجاح والتطوير. لكن هذه المساعدات تفرض نقائصها على المتلقين في احيان كثيرة ، فهي تخدم مصالح المانحين اكثر مما تخدم مصالح المتلقين للمساعدة ، وغالبا ما يرتبط تقديم المساعدة بمصالح الامن القومي القائمة على اعتبارات جيوسياسية ، وبدون اعتبار لمستوى الشعوب الفقيرة وطبيعة الحكومة او الدولة المتلقية ، وما المساعدات التي تقدم للدول الافريقية الا مثال واضح على ذلك. كما ان الدولة المتلقية للمساعدة نادرا ما تشعر بملكيتها لمشروعات التنمية التي تصمم وتنفذ من جهات خارجية ، وعندما يغادر الخبراء لا يبقى الكثير ، على الرغم من افتقار البرامج المستوردة إلى الجذور بعكس البرامج الداخلية.
ان الحكومات المتلقية تفضل ان تمر المساعدات عبر قنوات مواطنيها الذين يعملون ايضا كدوائر انتخابية ( البرلمانات)التي تؤيد المساعدات الخارجية ، وحتى المؤسسات الدولية تفضل ان ترسل الخبراء الاجانب بدلا من بناء كوادر محلية ، والخبراء وغالبا ما يكونون اجانب فهم مسؤولون امام من يدفع لهم ، ولا توجد مؤسسة خارجية ترغب ان تدفع لخبراء يكونون مسؤولين امام الاطراف المتلقية للمساعدة ، وبالنتيجة فان هذه الاطراف غالبا ما تفتقر إلى القدرة على استيعاب المساعدة وتوظيفها في مشروعات التنمية لديها .كما ان المساعدات والمعونات الخارجية هي عادة ما تكون بين الحكومات المانحة والحكومات المتلقية، والحكومات المتلقية غالبا ما تعمل كحارس للابواب ، وتوزع الاعتمادات وفقا لاغراضها ، وفي بعض الحالات تصبح المساعدات المصدر الرئيسي لدعم حكومات غير شعبية ،هذا ان لم تقع في ايدي المفسدين من المسؤولين .
ان المانحين يصرون على ان يمسكوا بالاشراف المباشر على المساعدات التي يقدمونها ؛ الامر الذي يؤدي إلى فقدان التنسيق ، وعندما يتنافس المانحون على تقديم المساعدات ؛ يكون من الاسهل بالنسبة للحكومة المتلقية ان توزع الموارد وفقا لاغراضها ؛ حيث تهدر جوانب كبيرة من المساعدات الخارجية ، وقد تستخدم لدعم الاقطاعيات الخاصة التي تعود للمسؤولين .
ان من المعروف ان المساعدات الدولية هي مشروع ذو خطورة بالغة ، او هي سلاح ذو حدين . وكما يقال فانه من الصعب جدا ان تقوم بعمل صالح من ان تدير مشروعا من اجل الربح ،ذلك لعدم وجود اي معيار للربح الاجتماعي ، في حين ان الفوائد في المجال الربحي واضحة ويسهل رصدها بالارقام الفعلية.
ومهما يكن فان على الدولة التي تنتابها مثل هذه الاسباب، وتغرق في الازمات او حتى تشتبه بذلك ؛ فان عليها ان تتجنبها بالحكمة والتدابير الوقائية القائمة على الحوافز الايجابية ، فهي افضل بالف مرة من التدخل بعد نشوب الازمة ؛ فذلك اقل تكلفة وايسر عملا ، مع انه قد يسبب معاناة بشرية ولكنها اقل بكثير ، وتبين التجارب ان الحيلولة دون وقوع ازمات يجب ان تجري باسرع ما يمكن والتدخل المبكر افضل .
ان على دول العالم التي توصف بانها عالم ثالث؛ ان تعتمد على ثرواتها الطبيعية والبشرية في انماء نفسها وشعبها وبلدها ، او ان تبحث عن جهات نظيفة بدلا من ان تلهث وراء مغريات المساعدات الخارجية المشبوهة ومغبة الانسياق وراءها ، وما تخبؤه من تسلل لاغتيال اقتصادياتها وخيراتها ،والسيطرة عليها وبالتالي تبعيتها المطلقة.