17-10-2020 11:13 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
ولم تكن تلك المواقف والاراء والتوقعات والتحذيرات هواجس على الاطلاق ، وكيف تكون كذلك وقد بدأ هذا المفكر العربي الدكتور عبدالله فهد النفيسي حياته العلمية بدراسة استقصائية نادرة وطارئة على العالم العربي الحديث ، حيث ان هذا النوع من العلم الاستقصائي له اركان ومعطيات ومتطلبات وصفات غير عادية ، إن على صعيد الشخصيه ( الكاريزما) التي يجب ان تكون متفرده لصاحب هذا الفكر ، أو على صعيد عملية اختيار العناصر البشرية التي يجري عليها الاستقصاء ، حيث يتم اختيارها بعناية ودقة فائقة ، لأن نتايج الاستقصاء تصبح مرجعًا ومعيارا حقيقيا يبنى عليه ، فالشخصيات التي التقاها الدكتور ، قد كان لبعضها تأثيراً مباشراً في صنع الأحداث التي غيرت وجه المنطقة بالكامل ، وبعضها ما زال فاعلًا حتى اللحظة فيما يجري على الارض العربية ، "المسرح الحي لاحداث متسارعة غير متوقعة على الاطلاق".
وعليه فقد كان اصتدام الدكتور بالواقع العربي مبكرا ً جداً ، وتمثل هذا الاصتدام بالواقع العربي المعاش ، والغارق تماماً فيما يُعرف بالمزاج الشعبي الجماهيري ، كما عرَّفه هو ، وهذا المزاج ليس له علاقة او ارتباط بما يقوم عليه الفكر السوي المبني على اسس راسخة من التفكير العقلاني المنسجم مع الواقع بكل حالاته سلبية كانت ام ايجابيه ، وهنا يبدأ الخلط ومن هنا يبدأ ظهور واتساع الفجوة والهوة ما بين هذا الفكر وبين الاتهام الموجه له بأنه يسير بعكس ( الرأي العام ) المزعوم الذي يصبح الشماعة التي يُعَلّّق عليها كل ادعاء باطل ليس له اساس ، ويبدأ عندها سماع صرير اقلام الدخلاء الذين هم اعداء نهضة شعوبهم من حيث لا يشعرون ،
العالم العربي بمجمله يعيش تحت وطأة المزاجية الشعبيه ، وهذا امر حتمي وغير مستغرب وهو إفراز لتراكمات سياسية متعاقبه عبر عقود ، وحيث ان الرأي العام له معايير ومعطيات وارقام ، وله درجة قياس ، وله مرجعيه ،
وحيث ان القياس يجب ان يكون قياسًا للانحراف عن الهدف او السير حسب المنهج والمرجعية التي تُشكل تحديد النهج الذي تسير عليه الحكومات في تحقيق غايات تم التخطيط لها ضمن أُطر زمنية ومنهجية محددة مبرمجة من اجل الوصول بها الى الغاية والنتيجة المرجوه ،
وحيث ان العالم العربي بمجمله والمتمثل ببرلماناته المنتخبه والتي من المفترض انها برلمانات حزبيه ذات برامج واقعية وتشريعات وقوانين ناظمه قابلة للتنفيذ والتطبيق والتي بناء عليها يتم انتخاب شخصيات تلك الاحزاب التي تعمل ضمن البرامج الممنهجة التي تؤدي حتماً الى النهوض بالمجتمع بِكُليَّته ، متوازيا مع السلطة التنفيذية امام اعين الشعوب التي انتخبت تلك الاحزاب ، وعندها نستطيع ان نقول ونُقر بوجود رأي عام قابل للقياس الذي يبنى عليه في تصحيح المسار او السير قدما اذا كان في الاتجاه الصحيح ،
ولكن مع انعدام وجود هذا النهج البرلماني الذي يعيشه العالم العربي اليوم وفي ظل المزاجية والشخصنة والعشائرية المحضة التي تفرز برلمانات نتائج اعمالها غير قابلة للقياس حكمًا ويقينًا ، لأنه لا مرجعية لها سوى ما يسمى بالفزعة ، فالنجاح للفزعه والجيوب الممتلئة ، ولتذهب البرامج والافكار الى حيث تشاء ، فكما تم اختيار البرلمان بالفزعه فالبرامج الممتدة لاربع سنوات قائمة على الفزعة ايضا ، وعلى ما يتيسر من الهام لكلمات تصب مباشرة في قلب وعقل ذلك الناخب المحترم من اجل تعديل مزاجه واستثارة مشاعره ، ومن قبيل المجاملة وبما يعرف بِرد ( الجميل بالجميل وابشر باحلى هوشه اكون فيها الفارس المغوار ) ولو كان باستعمال كل ما يمكن استعماله مما لا يخفى على شعوب العرب ولا اكون مبالغاً ان قلت كلها ، والكلام عن العموم وليس الاستثناء ،
وعليه فكلنا في هذه اللحظة نقيس الامور بمزاجية نحسبها رأي عام ونتبناه واهمين ، ولا يلومننا احد ، فالشعب العربي كله اطباء وكله معلمون وكله سياسيون واقتصاديون وان شئت علماء اجتماع ايضاً ، ولا يلومننا ايضا احد ، فمزاجية الواقع جعلت الشعوب لا تثق بعلم ولا ترضى برأي ، وجعلت كل قرار يُتخذ يوضع مباشرة موضع الشك والاتهام والحكم فيه خاضع للمزاج ،
وصدق الدكتور عبدالله النفيسي عندما سُئل عن رأيه بالرأي العام ؟ فقال:
نحن لا نملك راي عام ، نحن لدينا مزاج شعبي جماهيري والفرق بينهم ان الراي العام يكون موجه بادلة وموضوعات ثابته وقضايا ، وتفاصيل علميه مدعوماً بالحقائق ، والمزاج الشعبي مُقاد بآراء الناشطين غير ثابت متقلب ومتغير في يوم وليله .
يتبع ،،،
يوسف رجا الرفاعي