17-10-2020 11:36 AM
بقلم : د. سعود فلاح الحربي
إن سلامة العملية الانتخابية برمتها مبدأ دستوري مستقر في دستور ١٩٥٢ ، وحتى يتحقق هذا المبدأ كان لزاماً، البحث عن آليات تحققه على مراحل زمنية مختلفة، كان آخرها انشاء المشرع الدستوري هيئة مستقلة القى على عاتقها إدارة الانتخابات، تحقيقاً واستجلاباً للنزاهة والشفافية والحيادية.
وقد عُد انشاء الهيئة المستقلة للانتخاب من أهم الإصلاحات السياسية التي جاءت استجابة لمطالبات عديد من القوى السياسية الفاعلة في الشأن المحلي الأردني، كذلك عٌد انشاءها ضمانة أساسية لإجراء الانتخابات بحيادية وبمسافة واحدة من الجميع، لكن بقي السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين لا سيما المهتمون بالشأن الدستوري والقانوني عن ماهية هذه الهيئة او طبيعتها القانونية، وهل تتبع لأي من السلطات الثلاث ام لا؟ ام انها هيئة او مؤسسة مستقلة بذاتها عن باقي السلطات؟
لا شك أن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج لبحث علمي مستفيض، لكن سنحاول الإجابة ومن وجهة نظر شخصية في مقالنا هذا قدر المستطاع والمتاح وعلى النحو الآتي:
اولاً: من الناحية الدستورية وكما أسلفنا، فقد أنشأ المشرع هيئة اثبت لها الاستقلالية، واسند لها مهمة ادارة العملية الانتخابية النيابية او البلدية او اية انتخابات عامه اخرى مادة ٦٧/ ٢ ومما يستوجب معه الإشارة هنا إلى أن الاستقلالية التي منحها المشرع الدستوري للهيئة، لا تعني إطلاقا أن تقوم الهيئة بمهمتها بمعزل عن باقي السلطات، بل لا بد من التعاون والتنسيق مع مختلف السلطات لإنجاح المهمة، وقد جاء الإنشاء الدستوري لهذه الهيئة في موضع تحت بند مجلس النواب الوارد في الدستور، واعتقد انه جاء في هذا الموضع لا ليشير الى ان الهيئة تتبع مجلس النواب، بل سياق الحديث عن الانتخابات هو من فرض وجود النص تحت هذا البند، ولو أن المشرع أورد انشاء الهيئة في مادة دستورية مستقلة لكن أفضل بوجهة نظرنا .
ثانياً: من الناحية التشريعية، فقد امتثل المشرع العادي للمشرع الدستوري، بأن أصدر قانون الهيئة المستقلة للانتخاب رقم ١١ لسنة ٢٠١١ الذي بيّن النظام القانوني للهيئة وتفاصيل عملها وهيكلها التنظيمي والقانوني واختصاصات رئيسها ومجلس مفوضيها وشروط العاملين فيها وكافة الامور المتعلقة ببنيتها القانونية وكينونتها بوصفها تنظيم دستوري جديد، كذلك قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم ٦ لسنة ٢٠١٦ الذي بيّن الآلية التي تدير بها الهيئة الانتخابات النيابية، كذلك فعل في قانون اللامركزية والإدارة المحلية وغيرها.
واستقراءً لكل ما سبق، فأني أجد أن الهيئة المستقلة للانتخاب هي هيئة "مؤسسة" دستورية مستقلة عن السلطات الثلاث تقوم العلاقة بينها وبين تلك السلطات على مبدأ التوازن والتنسيق والتعاون، وعلى ندية رئيسها في المرتبة الدستورية مع رؤساء السلطات الثلاث وعدم تبعيتها لأي من السلطات الثلاث باستثناء جلالة الملك الذي يرأس دستوريا كافة السلطات في الدولة، وان وجدت بعض النصوص القانونية التي تشير الى صلاحيات تنفيذية للهيئة او صبغة قضائية لها فيما يخص الامتيازات المالية لرئيسها ومجلس مفوضيها، الا ان هذه النصوص لا تعدو أن تكون الا أموراً تنظيمية لديمومة عمل الهيئة لا تؤثر على صبغتها الدستورية المستقلة، وتجدر الإشارة ختاماً إلى لزام التفريق بين السلطات الدستورية والمؤسسات الدستورية - ومنها الهيئة المستقلة- حتى لا يختلط الأمر على من يقول بتبعية الهيئة إلى أي من السلطات الثلاث.
سعود فلاح الحربي
أستاذ القانون الدستوري المساعد