24-10-2020 10:58 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
واقع الحال يقول أننا ما زلنا نراوح في مكاننا في موضوع التعلم عن بعد, سواء كان ذلك في منظومة التعليم المدرسي, أم في منظومة التعليم الجامعي, وبغض النظر عن وجود جائحة كورونا, فإن متطلبات العصر تفرض على نظامنا التعليمي العريق الاستعداد التام والبدء من الآن لمثل هذا الشكل من أشكال التعليم, ومن المؤسف جدا أننا لم نطبق فعليا وعلى أرض الواقع حتى اللحظة هذا الأسلوب من التعليم بمعاييره الدولية بالشكل الصحيح, في الوقت الذي أعلنا فيه ومنذُ بداية الجائحة وحتى اللحظة أننا نقوم بذلك.
أين تقع المشكلة؟ وأين نحن من معايير التعلم عن بعد الدولية؟
حين قامت وزارة التربية والتعليم مشكورة ومنذُ بداية الأزمة بإطلاق منصة درسك التعليمية للطلبة على أنها تعلم عن بعد, حيث تم بث دروس تقليدية من قبل بعض المدرسين العاديين والذين نكنُ لهم كل الاحترام والتقدير عبر منصة درسك التعليمية, والمتتبع لمثل هذه الدروس يجد أنها تقليدية لا تخضع على الإطلاق لأدنى معايير التعلم عن بعد والمعروفة بمواصفاتها الفنية, ومما زاد الطين بله أيضا قيام وزارة التربية والتعليم بإجراء اختبارات تقييمية للطلبة بعيدة كل البعد عن مواصفات الاختبارات الفنية والتي يُفترض أن يكون الطلبة قد تعلم محتواها وموادها عن بعد, فقد جاء شكل ومضمون الاختبارات عن بعد ضعيفا, ولم يواكب سلة الاختبارات عن بعد ذات المعايير الدولية.
التعلم عن بعد يستدعي إعادة برمجة المواد التعليمية من جديد وفق معايير ومواصفات دولية معروفة, ثم يستدعي أيضا مهارات محددة لعرضها وبثها الكترونيا للطلبة من قبل نخبة من المدرسين المتدربين على عرض وطرح المادة عن بعد, فالعملية أبعد من أن يقوم أي مدرس تقليدي بأخذ مادة الكتاب وتصوير فيديو وبث ذلك للطلبة واعتبار ذلك تعلم عن بعد, التعلم عن بعد عملية تتطلب إعادة برمجة المواد وطرحها من جديد لتصبح الكترونية قابلة للتعلم عن بعد.
أيضا الحديث عن التعلم عن بعد في جامعاتنا حدّث ولا حرج, فالمشهد أكثر ارتباكا ومأساوية, فالتعلم عن بعد في وادٍ والحقيقة المرة في وادٍ آخر, ومما زاد الأمر ارتباكا ومأساوية هو وجود مختبرات تتبع لبعض المواد العلمية كمختبرات الطب والصيدلة والكيمياء والأحياء..,وللأمانة العلمية فأنني أؤكد إمكانية تدريس مختبرات الطب والصيدلة والكيمياء والاحياء.., بطريقة التعلم عن بعد, وبالذات بطريقة (on line) والتي يمكن من خلالها توفير التفاعل بين المدرس والطالب معا, لكن هذه الطريقة (on line) والقريبة من التعليم الوجاهي أو المباشر تستدعي مهارات عالية لعرض وبث موادها الكترونيا للطلبة من قبل نخبة من المدرسين المتدربين على عرض المادة عن بعد, فكما أنه بالإمكان رسم دائرة باستخدام الفرجار على جهاز الحاسوب, وبالإمكان تلوين لوحة فنية باستخدام مزج الألوان على جهاز الحاسوب, وبالإمكان تشكيل مقطوعة موسيقية باستخدام القيثار على جهاز الحاسوب, فانه بالإمكان إجراء تجربة تخدير أرنب وتشريحه باستخدام الأدوات الطبية على جهاز الحاسوب, وأنه بالإمكان أيضا التدرب على أخذ عينات من الدم لشخص افتراضي باستخدام الأدوات الطبية على جهاز الحاسوب, وأنه بالإمكان إجراء تجارب على مادتي الصوديوم والخارصين في المختبر الإلكتروني وربما يكون ذلك أقل خطرا من إجراءها في المختبر الحقيقي.
اليوم قبل الغد, علينا أن نتأهب ونستعد في نظامنا التعليمي العام والجامعي للتعلم عن بعد, فالأمر ليس مربوطا فقط بوجود جائحة كورونا, إنما هو من متطلبات العصر القادم والذي يفرض علينا أن نبدأ بتأسيس نظام تعليمي غير مباشر من خلال تأهيل كوادر تعليمية مدرّبة لإعادة النظر في المواد التعليمي على مستوى المدرسة والجامعة وفق معايير ومواصفات التعلم عن بعد الدولية, من خلال شرحها وبثها للطلبة عن بعد, ومن ثم تقييم الطلبة عليها, وأن المشكلة بالنسبة للمختبرات كما أسلفت أعلاه هي أبسط مما يتصور البعض, ولا تحتاج إلى وضع العربة أمام الحصان, فإمكانية تعلم ما يدور في المختبرات عن بعد ممكنة جدا ولها من الايجابيات ما لها.
المجتمع الأردني يعي تماما أن الموجود الآن في مدارسنا وجامعاتنا هو ليس تعلم عن بعد من حيث الشكل والمضمون, وإنما هو للأسف الشديد بعد عن التعليم! ولكن الفرصة ما زالت موجودة لدينا لنكون من الدول المتقدمة في هذا المجال, وستكون التكلفة أقل بكثير من نظام التعليم المباشر, لكن بعد الخطوة الأولى والمتضمنة تأسيس دائرة ترعى التعلم عن بعد, بحيث تكون هذه الدائرة مستقلة تماما عن وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي,..كيف لا ونظام التعلم عن بعد في أي دولة سيكون هو معيار التقدم والتطور فيها في قادم الايام.
ما زال التحدي القائم على المعايير والمواصفات الدولية لشرح المواد التعليمية وبثها للطلبة ومن ثم تقييم الطلبة عليها في عملية (التعلم عن بعد) ما زال موجود في كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي, وأن المجتمع الأردني قلق حول شرح المواد التعليمية وبثها للطلبة, ومن ثم تقييم الطلبة عليها كما هو الحال عليه الآن, مع أن المجتمع الأردني يعي تماما ويدرك أهمية ومكانة التعلم عن بعد وضرورة العمل به وتطبيقه في المستقبل.
وبعد, العالم من حولنا أخذ (معايير) التعلم عن بعد بعين الاعتبار, ونظامنا التعليمي للأسف الشديد فاته الاطلاع على هذه المعايير.. لكن الفرص ما زالت قائمة ومتاحة.