24-10-2020 11:02 AM
بقلم : فداء المرايات
تأخذني الدهشة في مراقبة الرأي العام حين يتم تكليف رئيس حكومة جديد ، حيث نجد الشارع يترقب بشغف المخلص الجديد من براثن الضريبة ومتغيرات الاقتصاد ؛ والتي تجتاح جيب المواطن بلا هوادة ، وتبدأ ملاحقات صفحات الاخبار من قبل المتصفحين ، بحثا عن قرارا رهيب لا سابق له في صنع التغيير الجذري ، ولكن حين نفهم حقيقة الامر وندرك ابعاد التغيير الحقيقي فسنعلم ان تغيير الوجوه لم يعد مجديا في هذه المرحلة من المراحل بشكل خاص وفي سلوك الدولة الفاعلة والمنتجة بشكل عام ..
فلو جربت عزيزي القارىء ان تبحث في كتب المستشرقين ، لوجدتهم يتحدثون عن شعوب المشرق بأنها شعوب تأخذها العاطفة ، تسلك مسلك الاتكال ولا تعرف للجد والعمل اي اعتبارات جدية ، وهي بالتالي تنتظر المخلص وقياسا على هذه النظرة يمكن ان نشاطرها على الوضع العام في الدولة وفي الشارع حيث ننتظر المخلص ليصد عنا شبح البطالة والجزع وضيق الحال ..
وتكمن المغالطة المنطقية في تعاقب الحكومات وتعدد الوجوه بلا فائدة واقعية ملموسة ؛ في أن القرارات المستحدثة لا تتعدى كونها آنية وعلى اوسع نطاق تكون في اطار العمر الافتراضي للحكومة ، وهنا نعرف السر وراء تضارب القرارات وبقاء الاخرى طي النسيان ، وغياب الخطط الفاعلة التنموية الحقيقية ..
ومن هنا على الحكومات ان تقوم بالعمل على ايجاد خطط طويلة المدى لا خططا فردية على نطاق وزير محدد او وزارة بعينها ، فتتعاقب الحكومات وتظل الخطة تسير بلا توقف ، وهذا ببساطة ما يحدث في الدولة التي نجحت في الادارة ، فكم من قرار طال نظام الثانوية العامة عبر العقد الاخير وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، وهلم جرا على باقي الكثير من القرارات التي تعد اجتهادا شخصيا من وزراء وحكومات لا تصار تلك القرارات الى مشاريع طويلة المدى لمحدودية ابعادها وهزلية الغاية منها ليجعل لسان الحكومة يقول ( نحن هنا ليس اكثر ولا اقل ) ..
وللمقارنة والبحث في بواطن الخلل ، في نجاح دول من الضغوطات الادارية والملفات الاقتصادية الهائلة وفشل غيرها من الدول ، تجد أن عامل النجاح ليس مربوطا بشخص بارع يخلص الشعب من وحش الفقر ، ولا بفريق من الفضاء يأتي وبلمسة سحرية ينهي كل شيء ، انما بفريق متخصص يحمل رؤى استشرافية وخططا تنموية واضحة المعالم وثابتة التنفيذ في كل القطاعات ولكافة الملفات غير مقرونة بحكومة او باسم وزير دون سواه ..
لهذا فلا يهمنا - على اسس التغيير الحقيقي - من القادم ومن المغادر قدر ما يعني لنا مسألة احداث الفرق وردم فجوة كبيرة صنعتها قرارات اقرب ما تكون الى فردية عبر حكومات سابقة لم تكن تعي حجم ومسؤولية الملفات الملقاة على عاتقها..
ولا تقتصر المعادلة في صنع سلوك مدروس للحكومة ، بل يعززها ويكملها الدور الرقابي والتشريعي في احتواء كل هذا الاحتقان الذي حدث عبر الكثير من القرارات والضرائب والرواتب التقاعدية وغيرها التي جعلت الازمة تتفاقم تباعا مع السنوات ..
فمتى تدرك السلطتين التشريعية والتنفيذية حجم المسؤولية الحقيقية التي عليها والفارق الزمني ما بين الواقع والتطبيق ؟
فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان