26-10-2020 11:04 AM
بقلم : فداء المرايات
ولأننا في مجتمعات لا تحظى بالكثير من الخصوصية على المستوى الفردي ، فإننا نجد مبدأ التباعد الاجتماعي المنبثق عن قواعد التعامل مع الوباء الجديد ( كوفيد - 19 ) أمرا عصيا في التنفيذ ، وبسيطا وقابعا في مرحلة التنظير عند البعض على اقل تقدير .
وليست المسألة بوليدة الاحداث او متأتية من رحم الازمة الوبائية ، بل تضرب جذورها في عمق السنوات ، وتصدح في كل الآفاق ولا تكاد تخلو طبقة او تجمع انساني في المنطقة الا ويواجه هذا التحدي ..
وبعيد عن المستجدات العالمية فإن ما وراء المناكفة ، لا يعد تعبيرا عن غياب الوعي في الازمات وحسب ، ففي المجتمع - بشكل اساسي - مشكلة في عقول يعيث بها النقص المركب أو ليكونوا كما اسميتهم " سجناء النقص " الباعثين على السلبية العابثين بكل ما هو ايجابي ، محاولين تغيير دفة نجاح المحيطين بهم نحو الهزيمة ..
إن سجناء النقص هؤلاء ، أشخاص يشكون في كينونتهم من عقد طويلة المدى ، عميقة الاثر ، بالغة الوضوح ، اكل عليها الدهر كثيرا ؛ حيث تجد الواحد منهم يعيش في حالة كبيرة من التخبط ، فرط التركيز لضياع الاهداف ، والركض بسرعة الضوء في دوائر الفراغ ، يتنمرون على الاشخاص في كل موقف ومناسبة ولا يوفرون ذلك ، بل على العكس ، في كل جيئة وذهاب تجدهم يتحققون ذواتهم بهذه الطريقة التي يسقطون فيها امراضهم الدفينة على الآخرين ..
لغة التنمر باتت نمطا مألوفا تراه في معظم تعاملاتك ان لم تكن جميعها ، ما بين المتفرج ، وما بين الواقع عليه ذلك الشعور الازدرائي الخالي من الاسس المنطقية والقيم الانسانية ..
ولأن الموضوع يحتوي على مساحات فضفاضة لاختلاف الجوانب ، الا انه مهما طال الحديث به ومهما كتبنا له من سلسلة طويلة من المقالات والكتابات بوجه عام ، فإن الاستمرارية في الكتابة والوقوف عليه ، يتناغم بشكل طردي مع استمرارية بقائه في عالمنا ومجتمعنا ..
من المؤلم حقا ان بلغنا في هذه الحياة ، عقودا من الزمن ، ونحن نجد أولئك المتهكمين ، المتشدقين بالمثالية على العالم الافتراصي ، المميزين في كيدهم واحقادهم على العالم الواقعي ، ما زالوا يعيثون في مجتمعاتنا بلا رقيب او حسيب ..
لدقائق من التأمل اتساءل لماذا لا يتم شرعنة قانون يعمل على اقصاء المتنمر او كبح جماح نفسه المتآكلة نقصا ، الفائضة شرا ، ان كان واقعا او عبر هذا العالم الافتراضي ايضا؟؟!!
مع الاسف الشديد - وبعيدا عن تحديد الشخوص والاماكن - هنالك عدد لا يستهان به ممن يغردون ويصدحون على المواقع والشبكات ، وهم نماذج مصغرة لشر اكبر ، او شر كبير ما زال ينمو بلا توقف ببوصلة موجهة ( اجندات ) او ببوصلة ذاتية ( قناع الوطنية / المصلحة والتكسب ) ..
وعودة لموضوع الازمة الوبائية واسقاطا لواقع التنمر على هذه الازمة ، فإن هذه الفئة وبكل اسف ، تلعب دورا محوريا في تأجيج لغة الرفض للتعامل بوعي وجدية مع هذا الفيروس الخطير وبالتالي يضاف الى رصيدهم الجديد ، صناعة رأي عام لا يتكيف مع الازمة الوبائية ، والكثير من البسطاء يركبون - على غير معرفة - موجة الاستنكار لواقع كورونا الأمر الذي يلعب في معترك الازمة ارقاما صعبة لصالح الفيروس ..
في الحقيقة في جعبتي الكثير حول سجناء النقص ، لكن يكفي القول بأنها فئة لا يمكنها العيش الا راقصة على مأساة غيرها ، وفي داخلهم لؤم طاحن ، غيرة مرضية ، افعال غير مبررة ، قاعدة متواضعة او مضمحلة من المبادىء والقيم ، كما ويرفضون باستنكار قاتل من هو الافضل والاعتى نجاحا منهم ، يعيشون في غوغائية منقطعة النظير جراء كثرة الالتفات ، واستباق كل ما هو آت ..
وما يحدث مع الازمة الوبائية ليس الا مثالا واقعيا ومستجدا - ليس بوحيد - كغيض من فيض ، وقطرة في بحر واقعنا المتداخل الابعاد والمصطلحات والاختصاصات عبثا وفوضى ..
فعلينا ان نكون على وعي ودراية في التعاطي مع هذه الفئة ، كما وأن طبقة المثقفين تحمل مسؤولية نشر المعلومات وتشجيع الناس نحو السلوكيات الفضلى ، للتخفيف من هذا الانجراف الكبير نحو الهلاك والممنهج من صناع السلبية والتشتت ، وكما يتوجب على القارىء ان يدرك تمام الادراك لمن يتابع ولمن يقرأ وبقناعات واراء من يبحر ، فهناك من يتاجر بالقضايا ، ويكتب مأجورا ، ويسطر ما وراء الكواليس حرفا ليس بحرفه ، انما بغية الاستعراض والمصالح الشخصية ، وهم الحصة الاشد خطرا من هذه الفئة ، متصنعو الثقافة ، وتجار القوميات ، وما هم بخادمي اقاربهم ، ومعارفهم - ان بقي لديهم - ليخدموا اوطانهم ..
فعلينا ان نكون على قدر من المسؤولية والدراية فيما نشاهد ونقرأ ونسمع ، فلا احد يمكنه ان يعلمنا حب الحياة وهو كاره لنفسه ، ولا احد يمكنه ان يصنع وطنية جمة في نفوس متابعيه وهو خائن لوطنه ..
وحفظ الله بلادنا الحبيبة وشعبنا الغالي .
فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان