27-10-2020 08:36 AM
بقلم : اخلاص القاضي
في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الامة العربية، وعلى وقع أزماتها المتدحرجة، وكورونا وتداعياتها، أثلج ما أعلن عنه السفير السعودي في عمان نايف بن بندر السديري لجهة اقرار مشروع الرعاية الصحية لإنشاء مستشفى وجامعة طبية في عمّان تحت مظلة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار، أقول.. اثلج هذا الاعلان صدورنا، وذكّرنا بقيمة العمل العربي المشترك، وأهميته ومعانيه وانعكاساته الاقتصادية المجدية المتوقعة من مماثلات ذلك التفكير الاستراتيجي الهام الذي يطوّق عنق عمق العلاقة الثنائية الاستثنائية التي تجمع المملكتين الاكثر من شقيقتين على الخير والرفاه، بل أن الاعلان جاء في وقت نتعطش فيه كعرب لشد أزر بعضنا بعضا، في سياق عروبي لا ينتهي، ويدرك تماما معاني الاخوة الحقيقية، وقيمة الانتاجية وترجمتها على أرض الواقع تعزيزا للاستقرار والتطور.
ليس جديدا على المملكة العربية السعودية هذه الايادي الممدودة دوما للاعمار والنماء وخدمة قطاعات حيوية، فالعلاقات الثنائية أكبر من أن نحصرها ببضع كلمات، هي أكبر من توليفة لتقاطع قيم الاعتدال والوسطية والتخطيط بعيد المدى، الذي يرى الغد مزدهرا بسواعد أبناء المنطقة، وكفاءاتهم، وقدراتهم، وهي تقاطع المصير المشترك والنظرة المستقبلية لمنطقة، عليها أن تعزز من نهضتها رغم كل الصعاب، فلن نبقى أسرى لمراوحة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية والعسكرية، إذ أن المستقبل القابل للحياة والاستمرارية، هو لمن يفكر ويطرح الحلول وينتج ويشارك في الحد من أمراض العصر من بطالة وفقر، كيف لا، والمشروع الذي تقدر تكلفته بـ 400 مليون دولار، سيوفر 5 آلاف فرصة عمل، وسيستقطب 600 طالب طب ويوفر 300 سرير.
هذا غيض من فيض ما كنت وما زلت أدعو اليه دائما حول اهمية التضامن العربي والتكامل والتعاون تحقيقا للمصالح المشتركة، فالوقت هو للانتاجية، وليس لانتظار عما ستؤول اليه الامور، وعلينا أن نملك ادوات الفعل، ولا نرضى بدور ردات الفعل، مطلقا.
كانت المفاجاة السعيدة في إعلان السديري عن أضخم مشروع في تاريخ العلاقات الأردنية السعودية المتمثل بسكة حديد تربط بين العقبة وعمّان، ذلك المشروع الحلم، الذي سيقرب المسافات حكما أكثر في الوعي العربي الجمعي، وسيغير استراتيجيا من نظرة العالم لهذه المنطقة الموعودة بمستقبل زاهر، وحبذا لو أن تفكير العرب ينكب من الآن وصاعدا على هذا المنحى الذي يفكر خارج صندوق الانتظار وترحيل الملفات، كيف لا، والاردن فعليا يتمتع بالاستقرار والأمن والأمان، تماما كما هو الحال بالمملكة الشقيقة، ما يجعلهما من البلدان الجاذبة للفرص الاستثمارية الضخمة، على غرار ما انسحب على العلاقات الاقتصادية المتميزة بين المملكتين الاكثر من شقيقتين، لاسيما في ظل تأجيل السعودية المديونية للدول المدينة ومن ضمنها الأردن، ووجود صندوق استثماري مشترك، رأس ماله الصندوق يقدر بـ 3 مليارات دولار.
المستشفى والجامعة وسكة الحديد، كل منها فاتحة خير بالفعل في مجال أعمال الصندوق ، تاكيدا على ما إمل به السفير السديري، وهذه المشروعات استكمالا لسلسلة لا متناهية من تعاون مستدام لا يرتبط بظرف محدد أو وقت بعينه، بل انها سلسلة متينة في سياق مستمر لحجم التبادل التجاري بين الأردن والسعودية والذي بلغ 5 مليار دولار العام الماضي، ويُعمل بكل قوة على زيادته في الأعوام المقبلة، ذلك أن السعودية أكبر شريك تجاري للأردن، وهذا مبعث اعتزاز وفخر لنا في الاردن، إذ لن تتوقف المشروعات المشتركة عند حد، بل أن هنالك تطلعا لمشروع يتعلق بالخدمات التكنولوجية لتقدم للسوق الأردني، فضلا عن أن الأردن لديه فرص استثمارية ضخمة أهمها ومنها في مجال السياحة.
وما يدل على وتيرة التنسيق العالي والمشترك بين المملكتين أنه ورغم ظروف العالم الآن، الا أن الجائحة رفعت الاستيراد والتصدير بين المملكتين الشقيقتين، الأمر الذي يعني أيضا أن عمق العلاقة يتجاوز أي صعاب من أي نوع، وفي أي وقت.
أملي أن نكون دائما على موعد مشوق في عالم عربي مستقر ومزدهر وآمن، عالم متسلح دوما بتقدم الاقتصاد والعلم والمعرفة والريادة الرقمية والتطور النوعي في المجالات كافة، وهذا لا يتأتي الا من علاقات مشيدة بالصلابة والاسس المتينة ووضوح الرؤية، تماما كما هو حالنا على خط عمان – الرياض وبالعكس، هذا الخط المكلل بغار على جبين الزيتون والنخيل.