03-11-2020 08:11 AM
بقلم : د. هايل ودعان الدعجة
يبدو ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يستعد او يهيئ نفسه للاحتفاظ بكرسي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة ، يسعى الى استحضار المشهد الانتخابي الماضي الذي قاده لمنصب الرئاسة بعد منافسة مع مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في المحطة الاخيرة من السباق في ظل غياب الثنائية القطبية الحزبية التقليدية من اليمين واليسار عن هذه المنافسة لاول مرة منذ تأسيس الجمهورية الخامسة على يد شارل ديغول ١٩٥٨ .
محاولا توظيف هذا المشهد واستثماره في تعزيز فرص فوزه من خلال الاستفادة من الاجواء والفرص التي ساهمت في صعود الاحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة في المجتمعات الغربية ومنها بلادة بطبيعة الحال ، التي شهدت صعود حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف الذي نافسته زعيمته على كرسي الرئاسة .
في اشارة الى وجود استجابة شعبية لافكار هذا الحزب وطروحاته المتطرفة المناهضة والمعادية للهجرة واللجوء والاقليات خاصة الاسلامية على وقع خطاب قومي عنصري تحريضي اكد على سقوط المنظومة القيمية الفرنسية الليبرالية والديمقراطية من مساواة وتعايش وانفتاح وتسامح وحرية وتعددية وقبول الاخر وغيرها من القيم التي اعتقدنا ان المواطن الفرنسي قد نشأ وتربى عليها وباتت جزءا من شخصيته وسلوكه .
وعلى ما يبدو ان العدوى قد انتقلت الى الرئيس ماكرون في تبني مثل هذه الافكار من خلال مواقفه المعادية للاسلام ، عندما دافع عن قرار صحيفة شارلي ابدو الفرنسية بإعادة نشر صور مسيئة للنبي محمد صل الله عليه وسلم بحجة حرية التعبير .. مؤكدا على ان " لا شيء يجعلنا نتراجع أبداً .. نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام .. لا نقبل أبداً خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني .. سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية .. مضيفا بان بلاده لن تتخلى عن هذه الرسوم المسيئة للإسلام وللرسول محمد صل الله عليه وسلم ، مما أشعل موجات من الغضب والاحتجاج ودعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية في أنحاء العالم الإسلامي
في إشارة الى ان صعود اليمين المتطرف ، وتأييد خطابه العنصري يمثل تغيرا في المزاج العام الفرنسي ، ويعبر ايضا عن مخاض سياسي جديد قد يقود الى احداث تغيرات في خارطة فرنسا السياسية ، بطريقة قد تؤثر في مستقبل النظام السياسي والمنظومة القيمية الديمقراطية فيها في ظل الزيادة اللافتة في شعبية الأحزاب المتطرفة ، الامر الذي يبدو ان الرئيس ماكرون يحاول استغلاله في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد ان وصلت بلاده الى هذا المستوى الهابط في خطابها القائم على الكراهية والعنصرية والشعبوية على وقع السقوط المدوي لمنظومتها القيمية والأخلاقية ، ليصبح استهداف المسلمين تحديدا يتصدر برامج الاحزاب السياسية لتعزيز فرصها بالفوز ، بدلا من البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعتمد عليها في حملاتها الانتخابية .
في تأكيد على ان هذه الأفكار المسمومة المطروحة بشكل غير مسؤول من قبل تيارات اليمين المتطرف ، باتت مطروحة من قبل تيارات ليبرالية وديمقراطية ايضا ، مما يعكس وجود أرضية شعبية وسياسية تدعم هذه التوجهات العنصرية والمتطرفة وتتبناها ، وذلك بغض النظر عن المساحة التي تحتلها . وان التوافق على هذا الطرح المنافي لما اعتقدنا انه يمثل مبادئ فرنسية يبقى موجودا ، وهناك من يتبناه ويدافع عنه ، وهو ما عكسته مواقف ماكرون المعادية للاسلام ، وكذلك نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في فرنسا ( المرحلة الأولى ) ، والتي جعلت كافة دول العالم وتحديدا في اوروبا تتابع هذه المشهد الانتخابي بحذر وقلق خوفا على مستقبل المنظومة القيمية الديمقراطية التي تشكل فرنسا احد معاقلها .