12-11-2020 03:02 PM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
سأتجاوز عمّا تبع الإنتخابات من خروقات مؤسفة وأتحدث عن تركيبة المجلس النيابي الجديد من الزاوية السياسية .
فأول النقاط الإيجابية قد تمثلت في تغيير أكثر من مائة وجه نيابيّ وهذا بحد ذاته إنجاز شعبيّ سال الكثير من الحبر في الدعوة إليه لا سيما بعدما سيطر الإحباط نتيجة إعلان ما يزيد عن المائة عضو سابق نيتهم خوض غمار الإنتخابات في حينه .
وفي غياب أنصار التيار المدني - الذي أؤمن بأنه مشروع دولة لا حكو على تيار - نكون أمام كتلة معارضة واحدة رئيسية وهي الإصلاح النيابية ، وهنا تكفي الدلالة على أن النظرة الشعبية للتيار المدني وقائمته مخمليّة الطابع وبعيدة عن الشمولية - بمعناها الإجتماعي لا السياسيّ - .
أما الإصلاح النيابية المنبثقة من رحم جماعة الأخوان المسلمين ، فقد تراجع حضورها بصورة لافتة ، وكان الأصل أن تعزّز مكانتها وقدرتها على الإستقطاب بعد تقديمها نموذجاً معارضاً في المجلس السابق ، لكن فَقدها لمقاعد بمقدار الثلث دليلٌ حيٌّ على عدم القناعة الكافية بأدائها خلال الدورات السابقة أو معارضتها الإسميّة بعبارة أدقّ ، لكنها ستفلح في إحداث بصمة إذا بقيت هي الكتلة الوحيدة في المجلس من الناحية التنظيمية .
أما العمل البرلماني عموماً ، فلن يكون كما المأمول في الدورة الأولى من عمر المجلس نظراً لبعد معظم الواصلين عن المضمار السياسي ، وسيستغرق الأمر وقتاً ليس بالقصير حتى يتمكن أولئك المستجدون من نظام مجلسهم الداخليّ وهذا ما يستدعي أن ندعو الحكومة مجدّداً لإنشاء معهد التدريب البرلماني الذي كان لحكوماتنا دور رئيسيّ في إنشاءه بمملكة البحرين الشقيقة ، وعلى غرار ذلك الموجود لدى الأشقاء في جمهورية مصر العربية الشقيقة ، وهو محاكاة للمعهد القضائي الأردنيّ المعنيّ بتأهيل ورفع قدرات القضاة وأعوانهم ، ويسعدني أن قدمت مع زملاء وزميلات مادة تنتظر النواب الجدد بالتعاون من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية والإتحاد الأوروبي تختص بالحياة الدستورية والسياسية والبرلمانية .
وبالنسبة للرقابة والتشريع ، أعتقد بأن الأُولى سيغلب عليها الخشونة المطلبية أي التي تعلو فيها الأصوات بمقابل تعهد الحكومة بتقديم الخدمات للقواعد وهذا ما لا نرغبه بعد ما جرى من تغيير طال الرموز النيابية التقليدية ، أما التشريع فلن يواجه صعوبة في تمرير القوانين نظراً لقلة الخبرة النوعية لدى معظم الواصلين .
وفي ظل الخلاصة السريعة أعلاه ، تكون الفرصة مناسبة لتشكيل تكتلات نيابية كبيرة نسبيّاً إذ يسمح الوضع بتلاقي الفكر فيها نظراً لصفرية الأيديولوجيا وخلوّ أجندات النواب الجدد من المشارب السياسية التقليدية ، ونتحدث هنا عن تجربة شبيهة بالـ" مبادرة النيابية " التي تشكلت سابقاً لكنها لم تنجح في الإستمرار وتضائل وجودها حتى إنتهى ، وفي سبيل عدم تكرار التجربة بذات الإحداثيات لابد وأن يكون رأس هذا التكتل خالياً من الأيديولوجيا المستنبطة من عقائد خارجية منعاً لأية حساسيات قد تنفّر الأعضاء منه وتؤدي إلى تكتلات صغيرة ضعيفة غير فعالة .
ووفقاً للمعطيات ، ستكون المهمة سهلة أمام الحكومة التي إستعانت بخبرات برلمانية وأُخرى ذات حضور عشائري ، وهذا كفيل بكسح المطبات التي ستظهر بالقطعة أوّلاً بأوّل ، لكن ذلك لا يبشر بمجلس على مستوى الطموح إلّا في الحالة التي بينّاها وهي التكتل المنتج الهادف لخلق قوة برلمانية يتقدم فيها محترفو العمل السياسي والبرلماني إلى أن يشتد عود أقرانهم من حديثي العهد ، أي كتلة رئيسية أو إثنتين على الأكثر .
هذه قراءة أولى في ضوء الظاهر حتى اللحظة ، وهي دعوة ليمارس الشعب دوره في الرقابة على مجالسه عبر تشكيل جماعات ضغط تشعر الأعضاء المنتخبين بالرقابة اللصيقة الحقيقيّة عليهم ، وتلك مهمة أكثر سهولة ممّا تمّ إجتيازه بعد التغيير الواقع ، فالشّعب الذي نجح في تشكيل مجلس يخرج عن الأطر التقليدية ودوائر النفوذ الكلاسيكية قادر على التحكّم بمسار المجلس وبالتالي التأثير على أداء الحكومة ، وعليه ؛ بدأت المهمة الشعبية ولم تنتهي كما نتصوّر .
والله من وراء القصد
حمى الله الأردن قيادة وشعباً