15-11-2020 02:15 PM
بقلم : مصطفى صوالحه
النافذة التي تفصل ما بين الظلمات والنور يمكن فتحها، الشرفة التي امتلأت بالغبار يمكن الجلوس عليها، الكتب التي بهتت ألوانها واهترئ ورقها يمكن إعادة قراءتها، الأشياء القديمة المختبأة يمكن الحصول عليها مرةً أخرى، الذكريات التي تقبع داخل الجارور يمكن العودة إليها، أخطاء الماضي يمكن التغاضي عنها، أشجار الشوارع يُمكن رَيُّها، القطط الجالسة يمكن إطعامها، المحتاجون يمكن مساعدتهم، العِلم يمكن الارتقاء به، التفكير يمكن تنظيمه، الصلاة يمكن المحافظة عليها، الكلمة الطيبة يمكن تكرارها، ناس الحِقب القديمة يمكن الاتصال بهم، منصات التواصل الاجتماعي يمكن التخلص منها، والوهم الذي يُبرمج البعض عليه يُمكنهم الدهس عليه، أهلًا بالمحاولات!.
عالم اليوم مخيف، بل إنه من أكثر الأشياء التي يُمكن أن ترهق أحدهم، يبدأ ذلك بالعالم الافتراضي الكاذب الذي يسعى الكثير فيه لإبراز جُهدهم المتواصل لتحقيق أحلامهم، وبالمقارنة مع حياتهم في العالم الحقيقي نجد أنها بائسة ومزعجة، الكثيرُ منا يرتدي الأقنعة، ليس ذلك فحسب، بل إنه قد نجد من يرتدي الأقنعة المختلفة حسب الموقف الذي سيكون متوجدًا فيه.
الوهم الذي يُبرمج البعض عليه تعدى مسألة الانسجام مع الأحداث وأنه يمكن التخلص من شدتها فور نشر منشورٍ عن ذلك ورؤيته لبعض الإجابات والكلمات المؤازة له، بل ربما يومه يصبح مسودًا ووجهه كظيم من أجل تعليق افتراضي، وإذا أردنا تغيير ما يحدث، يمكننا مثلًا بالجلوس مع أحد الأصدقاء المقربين في مكانٍ ما، أمن الصعب العثور على أحدهم من أجل تبادل حديثٍ ما؟..أم أننا اعتدنا اللجوء إلى الدعم الافتراضي المتموج حسب الحالة المزاجية؟.
المركبة التي يلتقط أحدهم صورةً له بجانبها ومن ثم إضافة بعض التأثيرات عليها، إلى جانب تجهيز نصٍ تحفيزي الكل سَيُعجب له، هي ذاتها المركبة التي يُمكن شراؤها بالجهد الحقيقي في العالم الحقيقي.
النزهة التي تُوثق بكل دقائقها عُرضة للبقاء في قبو الذكريات الباردة، أي التي لا نستطيع استحضارها، فنحن لا نتذكر مشاعرنا فيها أو كيف كانت، السبب ببساطة أننا لجأنا لالتقاط الصور، ابتسمنا في العشرات منها وقمنا أيضًا بتغيير سحر ملامحنا في كل صورة بما يتناسب مع طريقة استخدامها، لكن ماذا بعد ذلك؟
الملابس التي يشتريها البعض لمجرد أنها جميلة على جسد من يرتديها في الإعلان، رغم أنها قد لا تكون مناسبةً لنا، إلا أننا نُصر في على الانخراط في الوهم الذي تؤيده منصات التواصل الاجتماعي، ففيها الرأي الذي يُمكن تحسينه -أي التعديل عليه حتى بعد نشره- وفيها أيضًا النفخ الفاضح الذي يُساير نوع العلاقة بيننا في هذه المنصات.
وهنا يجب علينا التساؤل عن آخر مرةٍ لجأنا فيها إلى آرائنا الحقيقية دون الاندماج مع آراء الوهم الكاذبة والتي تتولد بالمناسبة بمجرد نقرة سريعة دون التأكد من غايتها أو مدى فعاليتها، حتى أن الاتصال الهاتفي أصبح فكرةً ثقيلةً،وتم بالتأكيد الاستغناء عنها بالرسائل الصوتية تجنبًا لتبادل النقاش، أي مجرد رسالة صوتية باهتة التعابير فيها غير حقيقية أصلًا.
يبدو أننا أصبحنا نعيش حلقةً زمنيةً مُفرغة من العواطف الذاتية، فعندما يشتري أحدهم كتابًا من أجل التقاط الصور معه دون القدرة على إتمام قراءة بعضٍ من صفحاته أو حتى فصوله، فهذا هو الوهم.
عندما نُصِرُّ على شراء ما لا نحتاجه من أجل إرضاء ما يحتاجه البعض من مرتادي منصات التواصل الاجتماعي، أو من أجل إشعار أحدهم بأنه ناقص أو في محاولةٍ منا لتحديه والتعالي عليه، فهذا هو الوهم.
عندما نبتاع هاتفًا من أجل بعض الدراسات – مِمَّا لا نعلم صحتها- التي تؤكد أن امتلاكنا لنوع معين من الهواتف فهذا يعني أننا مميزون ومن الطبقة الفكرية العُليا في المجتمع دون أن ننظر إلى التكاليف الباهضة التي ربما لو استخدمناها في مشاريع حقيقيةٍ لربما أصبحنا حقًا من الطبقة المُفكرة العليا، لكن ما دون ذلك فهو الوهم.
ذلك ينطبق أيضًا على التقاط صورٍ لنا باستخدام "الفلاتر" التي تُغير من ملامحنا، حتى أن البعض منا أصبح يقدسها ناسيًا ملامحه الحقيقية والتي قد تكون بالنسبة له مُعيبة، فالكثير منا يبحث الآن عن الكمال في العالم الافتراضي ولم يعد معجبًا بخلق الله له، كل ذلك من أجل الإعجاب، وتجدر الإشارة إلى أن الحالة المزاجية للبعض منا مرهونة بطبيعة ونوع الكلمات التي يلتقطها عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في نهاية المطاف الخطيئة الأكبر.
ولكم أن تتخيلوا أن هناك من يعمل في وظيفةٍ لا يحبها ويقضي فيها عشرات السنوات من أجل ارتباطاته المالية وربما من أجل المفاخرة الطبقية، لكن، وحتى إن كانت هذه الوظيفة تجلب له مال الدنيا، فهو كمن يتقيأ أحلامه على طاولة الترويض، طاولة الوهم.
الوهم أيضًا يتعلق يا سادة بالأمن والاستقرار والدولة، فالشعوب أحيانًا تُروض على الوهم، ذلك يتعلق بالمشاريع والاقتصاد وتكافؤ الفرص والعدالة وأخيرًا الحق في الكرامة والحياة.
حان موعد التخلص من عقاقير الوهم..حان وقت المضي قدمًا.