24-11-2020 10:01 AM
بقلم : أ.د. خليل الرفوع
تعقيب على مقال دولة السيد سمير الرفاعي
بعيدا عن صولجان السياسة وأخاديد جمرها الذي يضيء للمتنور سراديب الحياة وقد تلهب نيرانها وجوه التائهين ، ألفيتني أقف على جملة لدولة السيد سمير الرفاعي في ثنايا مقالة تلم مضامين وطنيةً تحت لافتات تستحق التأمل والقراءة الفكرية في زمن تقطعت على مشاجبه أمشاج القبلية وأواصر العشائرية فتنزاح قليلا ثم تطل برأسها الذي يبدو كأنه رؤوس الشياطين في أيام الانتخابات فنوغل في التعبير مناكفةً لعشائر أخرى لا تقل عنا صخبا وتوترا وطخطخةً وفحفحة.
أعود إلى عبارة معكوسة في علم البلاغة ولا إخالها وردت مورد المقال إلا رواحًا وليس بكورا، إذا يقول دولته " من أجل الأردن الذي يشبهنا" ولو وضعت هذه العبارة على كل صخور العربية وجواهر البلاغة لقيل العكس هو الصحيح، نعم في علم النقد يكون المشبه به أقوى من المشبه وأشد أثرا وتوهجا وتصويرًا، فالأصل أننا جزء من وطن تعهادنا على عشقة، فهو الأعلى والأبهى والأنقى والأحلى وليس له منا إلا البر والتضحية والوفاء فالأصل البلاغي أن نقول : إننا نشبه الأردن ، ولعل أكثرنا إخلاصا في الوجد شهداؤنا الذين ملأوا شقوقه أرجوانا وزرقته شهبا ولنا أن نشبههم ونشبه وطنا بحجم قلوب أمهاتنا وليس ببعض الورد المملوء شوكا وقتادا ثم يُحتطب حينما يذبل ويصفرّ فتعصف به الريح في يوم عقيم أو تأكله مشافر الإبل أو تجترّه الأنعام، هو ذلك الأردن كما ينبغي أن يغنيه الشعراء رَوْحٌ وريحان وجنة نعيم وإن كان من تشبيه، فالورد يشبهه كذلك لأن فيه شيئا منه مع الاعتذار للشاعر حيدر محمود .
لقد طوفتَ في مضامين أردنية خالصة، وقد صدحتَ ذات ألقٍ متجدد أنك عاشق لهذا الأردن الذي يطوق المعصمين بأوردة القلب؛ فالهوية أردنية كالهوى حينما يكتبنا في مغازل الشَّعر كسمرةِ وجوهنا وحمرة اللظى واشتعال الرؤوس شيبا فاقعًا بياضُه وانتماؤه، كلنا أبناء حراثي الأرض، مزروعين سنابل خضرا، وحُورًا طوالا وزيتوتا معمَّرا كي نشبه وطنا يغمس أرواحنا فيه بردا وسلاما، ولكن الحراثين أفضَوا إلى ما أفضوا إليه وبقي الانتساب عند أكثرنا إلى الحراثة شعارا وحسب لأننا لم نعد كآبائنا .
في كلماتك بوح سياسي إصلاحي تنويري في زمن قبليتنا، وفيه دعوة جامعة لوحدة وطنية تستند إلى تاريخ وجغرافية يشكلان وطنا يعلو فوق كل عصبية قبلية أو نزعة جهوية بعدما تأقلمنا في زوايا مظلمة وقد وقع القول والفعل حتى على جامعاتنا التي غذيت بلَبانِ العشائرية ولم تُفطمْ بعدُ ، إنها غصة الوطني الذي يريده وطنا أردنيًّا خالص النقاء والبهاء ، إنه وطن نحلُم به معًا يضمنا في كل حين، ولا فرق بيننا إلا بالعمل والتضحية والفداء والصدق والوفاء، ولا أدري هل الديمقراطية بانتخاباتنا تشوه عشائريتنا، أم أن هذه العشائرية فتكتْ بكل أسباب الديمقراطية وصورها.
أ. د. خليل الرفوع