30-11-2020 07:47 PM
بقلم : د. فيصل الغويين
1
ساهم التل في إصدار صحيفة الرأي الأسبوعية سنة 1953، التي تأسست في منزله بمشاركة جورج حبش وعلي منكو وآخرين لتكون ناطقة بلسان حركة القوميين العرب في الأردن. وكان يكتب موضوعين في كل عدد، الأول خاطرة سياسية بعنوان “أشواك” كانت تنشر في الصفحة الأولى، والثانية مقالة على الصفحة الأخيرة تناول فيها التخطيط الاستراتيجي والنظريات العسكرية. وقد وصل ما كتبه وصفي في جريدة الرأي إلى إحدى وعشرين مقالة صغيرة، ركزت في مجملها على فكرتين أساسيتين حول رؤيته القومية، هما: الوحدة العربية، وتوجيه النقد الصريح للحكام العرب. يقول في إحداها :”أمّا مصلحة الوطن فهي تقتضي بأن نعتدل في سلوك طريق الخلاص، وهو الوحدة ... نحن نعرف الطريق، طريق الوحدة، من سار عليها فهو أسد، وإلا فالكل صيادون قد تنكروا بجلد الأسد”.
ويقول في مقالة أخرى :”بين قادتنا وأولي الأمر منا والمسيطرين على الهيئات والصحف وأحاديث المجالس، نعاقون نعابون ينادون بالويل والثبور، ويتنبؤون بالمستقبل القاتم المظلم بمناسبة وبغير مناسبة، حتى أصبح هذا النواح وهذا التشاؤم ضربا من الحكمة، ودليلا على عمق التبصر، وهو في حقيقته محاولة للتنصل من المسؤولية، واعتذار عن فشل، وتغطية لفقر عميق أساسي في إيمان المتشائمين بأنفسهم وبلدهم، ويدل على جهل عميق بقوانين نشوء الأمم وتطور وعيها”.
2
تقلد وصفي العديد من الوظائف التي أسهمت في تشكيل رؤيته للدولة والمجتمع، ففي سنة 1955 عيّن مديراً للمطبوعات، حيث شهد الأردن أضخم نشاط صحفي، عندما أخذت وفود الصحفيين تتدفق على الأردن، ناقلة بواكير نهضته الاقتصادية والسياحية وانفتاحه على الوطن العربي.
وفي سنة 1956 شغل منصب المستشار للسفارة الأردنية في بون، فكان من طراز الرجال الذين يستشرفون آفاق العمل الوطني والقومي خارج إطار الوظيفة، ومن هذا المنطلق كتب من ألمانيا الغربية إلى جمال عبد الناصر يعرض عليه استعداده للقتال ضد العدوان الثلاثي. وفي سنة 1957 أصبح رئيساً للتشريفات الملكية وفي السنة التالية تسلم منصب القائم بأعمال السفارة الأردنية في طهران.
3
في عهد حكومة صديقه هزاع المجالي شغل منصب المدير العام للإذاعة ورئيس التوجيه الوطني بالوكالة، حيث حاول من موقعه الجديد العمل على توحيد الجهد الاعلامي وفق سياسة مركزية واحدة، فتقدم بمشروع لرئيس الوزراء أسماه "مشروع انشاء المديرية العامة للإذاعة والأنباء"، بهدف توحيد الجهد الاعلامي، والمتابعة الصحفية للشأن الداخلي والعربي بكفاءة ونفقات أقل.
عمل وصفي على إضفاء الطابع الوطني على الأغاني والأهازيج والأناشيد، حتى أصبح للإذاعة هويتها المتميزة ولتنطلق لأول مرة الأغنية الوطنية المعبرة، والفنون الأردنية الأصيلة، وكان يشارك مع المؤلف في وضع الكلمات، ومع الملحن لتأليف الألحان، وتوحيد الآلات الموسيقية، مشجعا الشاعر رشيد زيد الكيلاني على نظم الأغاني الشعبية المتميزة التي اشتهرت من خلال أصوات عبده موسى، وسلوى العاصن وسميره توفيق. كما شجعه على تسجيل الشعر الشعبي، وتقديم القصص والحكايات التي تدور حول هذا الشعر. وهو صاحب فكرة برنامج “مضافة أبو محمود”، والذي حقق نجاحا شعبيا كبيرا، لتناوله هموم الناس وقضاياهم بصورة طبيعية عفوية.
4
استطاع التل بوعي متميز، وبوسائل بسيطة وقريبة إلى قلوب الأردنيين، أن يقف في مواجهة الحملات الإعلامية العربية التي هاجمت الأردن ونظامه السياسي بشراسة. يذكر الدكتور زياد فريز حادثة لها دلالاتها عندما كان وصفي رئيسا للوزراء، ووقع اختياره على عمه حسني فريز، ليكمل قصيدة بدأ وصفي أول أبياتها، مسلما إياه ورقة لإيصالها لعمه كتب فيها: هذا هو المطلع (ودبر راسك). وكان مطلع القصيدة:
تخسى يا كوبان ما انت ولف لي ولفي شاري الموت لابس عسكري
وهو كل ما علق بذاكرة وصفي من حداء عراقي قديم سمعه. وبعد اكتمال كلمات الأغنية التي تحولت إلى نشيد وطني، لحنه جميل العاص، وتكتمل دراما النشيد بحضور الملك حسين لتسجيل الأغنية مع كبار المسؤولين، ليحملها أثير الإذاعة إلى مسامع الأردنيين الذين تلقوها بشغف وحماس، فاتحة الباب لمجموعة من الأهازيج والأغاني التي تغنت بالأرض والانسان والقمح. وبذلك واجه الرجل بأغنية واحدة هجوما إعلاميا كبيرا تضمن مئات التعليقات السياسية.
في سنة 1960 عين سفيراً للأردن في بغداد، حيث لعب دورا في تحسين العلاقات الأردنية العراقية التي ساءت على أثر ثورة 14 تموز 1958 التي قادها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف .... يتبع