06-12-2020 11:06 AM
بقلم : فهد خشمان الخالدي
مِن غرائب النفس البشرية أَنها تنشغل كثيراً عن بعض الأُمور المَصيرية التي تدخل في إِطار المُسَلَّمات في هذه الحياة ..!! وأَسباب ذلك تعود في مُجملها إِلى الفراغ الروحي نتيجة الانغماس في ملذَّات الحياة المختلفة، أَو قد تكون نتيجة الانشغال الفكري في محاولات توفير مُقومات العيش، أَو قد تكون نتيجة غَفلَة عن معرفة الغاية مِن وجودها مِن الأَصل، أَو قد تكون أَي سبب آخر يأَخذ الانسان بعيداً عن لحظات تفكُّر وتدبُّر في هذا الوجود ..!! فالغالبية العظمى مِن بني البشر، يقف خائفاًً مُتَحَسِباً لشيء اسمه (المجهول) ..!! ويتمثل هذا الخوف والتَحَسُب في عملية التفكير بالمَصير الافتراضي القادم (رغم احتمالية عدم قدومه مِن الأَصل) ..!! فتجده مُنشغلاً في توفير كل أَسباب التعامل مع هذا (المجهول)، فتصبح هذه الأَسباب بمثابة طرق وقاية لحمايته مِن تَبِعات هذا المَصير، ناسياً أَو متناسياً المَصير الحَتميّ الذي لابد مِن الوصول إِليه في يوم ما؛ أَلا وهو (الموت) ..!!.
حسب آخر الاحصائيات، فقد أُصيب على النطاق المحلي حوالي (238) الف مواطن أُردني بوباء كورونا، وقد مات منهم حوالي (3000) مواطن (رحمهم الله جميعاً إِن شاء الله)، وهذا يعني أَن نسبة مَن ماتوا تُقارب (1.3%) مقارنة بأَعداد المصابين، وما ينطبق على هذا الوباء ينطبق على أَي مرض آخر، بنسب تزيد أَو تنقص حسب طبيعة المرض، وعلى جميع الحالات، فإِن النتيجة التي يُتَخَوف منها دائماً؛ هي تلك التي تُفضي إِلى (الموت)، وهي ذات النتيجة التي تتوافق مع طبيعة الحياة، إِن كان السبب جرَّاء الاصابة بمرض ما، أَو حادث ما، أَو بدون أَي سبب يُذكر ..!!، فحياة أَي منَّا لابد لها مِن أَن تنتهي إِلى هذه النهاية مهما حاولنا النسيان أَو التناسي أَو الهروب مِن التفكير في هذا المَصير الحَتميّ.
يكاد أَن يكون هذا الوباء، شُغل الناس الشاغل، وحديث الساعة دون مُنازع ..!! للدرجة التي صار فيها مِن المُستغرب أَن ترى مواطناً يسير في الشارع أَو يدخل محلاً ما دون أَن يضع كِمَامَة على وجهه (وهذا إِجراء صحي بطبيعة الحال)، وما هذا الاجراء إِلَّا تَحَسُباً مِن الاصابة بالعدوى مِن هذا المرض (أَو نقل العدوى)، والغاية الأَهم مِن هذا الاجراء؛ هو محاولة تجنب الدخول الافتراضي في نسبة الـ (1.3%) فيكون الموت هو مَصيره الحَتميّ، وهذا ما يدعو أيضاً جميع الجهات المُختصة لنشر الارشادات الصحية للوقاية مِن هذا المرض، وتطبيق التعليمات الرادعة فيمن يخالفون أَوامر الدفاع المختلفة (وهذا أيضاً إِجراء صحي بطبيعة الحال)، فنحن نتبع الارشادات الصحية، ونلتزم بأَوامر الدفاع؛ خوفاً مِن الوصول إِلى نسبة الموت الافتراضية اولاً، وخوفاً مِن العقوبة ثانياً، رغم أَننا نتكلم في نهاية المطاف عن نسبة (1.3%) مِن أَعداد المصابين، وهي ذات النسبة التي تقارب واحد مِن كل ألف مواطن على مستوى الوطن بأَكمله؛ إِذا ما عرفنا أَن عدد الفحوصات يقارب (2.7) مليون فحص منذ بداية الجائحة .
على الوجه الآخر المُعَنون بالمَصير الحَتميّ، فإِن الموت بمفهومه العام هو النتيجة التي لا مَفَرّ منها على كافة الحالات، حيث أَن نسبته تصل إِلى (50%) حُكماً ..!! فنحن نعيش اللحظة، إِلَّا أَننا لا نعلم مصيرنا في اللحظة التالية؛ وهي أَحد احتمالين لا ثالث لهما، فإِما (موت) أَو (حياة)، بنسب متساوية تماماً، ومع هذا فإِننا نغفل عن هذا المَصير الحَتميّ، وننشغل بالمقابل بنسبة موت مِن مرض ما لا تكاد تُذكر (رغم أَنها تندرج ضمن النسبة الأَكبر)، كما ننشغل بعدم مخالفة أَوامر دنيوية؛ لنتجنب العقوبة الناجمة عنها على رغم ضآلتها ..!! بالوقت الذي نُخالف فيه عياناً بياناً أَوامر إلهية رغم أَن عقوبتها أَشدُّ وأَبقَى ..!!.
أَولَم يَكُن مِن باب أَولى؛ أَن نخاف مِن نسبة الـ (50%) التي لا نعلم متى وكيف وأَين ستأَتي ..؟! أَولَم يَكُن مِن باب أَولى؛ أَن نخاف مِن أَن نُسأَل أَمام الله عن أَسباب عدم تطبيق أَوامره في هذه الحياة ..؟! تلك الأَوامر التي لا تقبل دفع أَيَّة غرامة للتخلص منها ..!! ولا تقبل التبرير للحصول على الأَسباب المُخففة عند إِيقاع عقوبة مُخالفة العمل بها ..!! تلك الأَوامر التي قد يكون مصيرنا فيها خلود في النار إِن لم نتَّقِ الله فيها ما استطعنا إِلى ذلك سبيلا ..!! .
خلاصة القول؛ لا ضَيرَ بأَن نلتزم بالإِجراءات الوقائية لعدم الاصابة بأَيِ مرض كان، ولا ضَيرَ مِن تطبيق التعليمات الصادرة إِلينا مِن الجهات المختصة لحمايتنا مِن الوقوع بأَيِ مرض كان، إِلَّا أَن الطامَّة الكبرى تَكمُن حين نغفل عن التفكير في المَصير الحَتميّ الذي لابد مِن الوصول إِليه في يوم ما، وما يترتب علينا بعد هذا المَصير مِن سؤال وحساب عن كل مثقال ذرة مِن قول أَو عمل في هذه الحياة ..!! هذا المَصير الذي لا يمكن لنا أَن نعلم متى وكيف وأَين سيكون ..!! .