08-12-2020 10:42 AM
بقلم : شروق طومار
في الوقت الذي يظن فيه كثيرون أن تجربة التعليم عن بعد التي نخوضها اليوم ستكون مؤقتة ومتزامنة فقط مع جائحة كورونا واشتراطاتها في التباعد الجسدي والسلامة العامة، يرى خبراء أن التعليم عن بعد هو الشكل الأكثر وضوحا للتعليم المستقبلي.
هل يتوجب أن تصدمنا معلومة كهذه؟
لا أعتقد ذلك، فالتعليم عن بعد والتعليم المدمج والتعلم الذاتي، أشكال معتمدة في كثير من البلدان منذ عقود. وقد مثلت حلا لكثير من المعضلات التي واجهت مجموعات طلابية أحيانا، وحالات فردية أحيانا أخرى، سواء كانت تلك الحالات سريعة التعلم أو بطيئة التعلم، بما يحقق مصلحة المنخرطين فيها بكلتا الحالتين.
من هذا المفهوم، تتبدى الأهمية الخاصة لتسريع الانتقال نحو التعليم عن بعد الذي «اقترحته» جائحة كورونا، وهو اقتراح يصب في خانة مهمة يبحث عنها إنسان اليوم، وهي اختصار الوقت، بشرط أن يكون هذا الانتقال مبنيا على أساس سليم وأن تتم إدارته بكفاءة كي لا نغرق في مآزق كالتي نمر بها حاليا نتيجة انعدام هذه الشروط.
اليوم يدور جدل كبير حول العالم كله عن مغزى أن يستهلك الطالب اثني عشر عاما من عمره في المدرسة، يضاف إليها أربع سنوات في الجامعة من أجل أن يصبح شبه مؤهل لسوق العمل.
هذا جدل في مكانه، خصوصا أنه يتصاعد نحو الموازنة بين الشهادة والمهارة، وأيهما أكثر استحقاقا أو أكثر أهمية عند التنافس على فرصة عمل معينة.
الشركات العملاقة؛ ميكروسوفت، جوجل، علي بابا، إنتل ومثيلاتها كثيرات، لا تمنح سوى هامش ضئيل جدا للنظر في التحصيل الأكاديمي لمن تنوي توظيفه، فللمهارة أسبقية على كل شيء.
جوجل مثلا، وظفت أشخاصا استطاعوا إيجاد ثغرات في نظامها البنائي، بينما شركة مثل أبل بمنتجاتها الكثيرة وأشهرها أيفون منحت مكافآت بمئات الآلاف وأحيانا وصلت إلى الملايين لأطفال صغار في السن استطاعوا إيجاد ثغرات مهمة في النظم الأمنية لمنتجاتها.
في جدلية الشهادة والمهارة، قد يكون الأمر خارجا عن سياق المألوف. ففي نظمنا التعليمية في العالم الثالث ينبغي للشخص أن يقطع ست عشرة سنة دراسية تشمل المدرسة والجامعة قبل أن يحق له التقدم لطلب الوظيفة.
هذا أمر يختصره عالم اليوم الذي يركز على المهارة والتأهيل. وفي الوقت الذي لا تلغي فيه الشركات العملاقة النظر إلى الشهادة والتخصص، إلا أنها لا تمنحها وزنا كبيرا من علامات التقييم في اختبارات التوظيف.
في سياق كهذا الذي نستعرضه، يتبدى واضحا أهمية ما اقترحته الجائحة علينا من تعليم عن بعد. بالتأكيد هو اقتراح عظيم إن استطعنا أن نخرج من البيروقراطية الحكومية نحو إنجاز يمكننا من تقليص عدد السنوات التي يتوجب علينا أن نعلق خلالها بالمنظومة التعليمية الصارمة التي يفرضها علينا نظامنا التعليمي.
عندما نقلص هذه الفترة الزمنية سنة واحدة على الأقل، فسيكون ذلك إنجازا كبيرا بالنسبة إلينا، لأن الأيام الـ 365 يمكن لنا أن نصنع فيها الكثير.
من هذا المنظور، وفي الوقت الذي اعتبر فيه كثيرون أن الجائحة تحد كبير وأنها تقليص لخياراتنا، نتبين أن ثمة فرصا تتيحها، وبإمكاننا الاستفادة منها، والشعور بالتفوق حين استدراجها إلى مخططاتنا الحياتية.
باختصار، يمكن اعتبار الكلام السابق هو التحدي الأساسي لجائحة كورونا. فإما أن نتخذها فرصة لتحسين مدخلات نظامنا التعليمي وإعطائه المرونة اللازمة لمساعدة المنضوين تحته في تحديد وجهاتهم الفضلى، أو أن نستمر في إدارته باعتباره مرحلة قصيرة الأمد سوف تنتهي بانتهاء الجائحة لنعود إلى ممارسة العقم التعليمي الذي اختبرناه على مدى العقود الماضية.