09-12-2020 09:07 AM
بقلم : عبير مامي
دائمو التذمر من حاضرنا فهل هنالك ما يستدعي هذا، أم أن الأمر متعلق فقط بالقلق مما ينتظرنا، بشكلٍ عام نحنّ دائماً الى ما مضى ربما لأنه انتهى بكل منغصاته ونميل إلى تناسي الأمور السيئة التي حدثت لنا في الماضي الذي ربما لم يكن بهذه الروعة التي نعتقدها، فهل من المنطقي أن ندع هذا القلق الانساني يمنعنا من الاستمتاع بتفاصيل الحياة اليومية وأن نبقى عبيداً لفكرة أن ما لدينا غير كاف ما يدفعنا للسعي الدائم للحصول على الحياة المثالية، ثمة مكونات ومعايير مختلفة لقياس مدى سعادتنا والموضوع نسبي ويختلف من شخص الى آخر، ولكن مما لا شك فيه أن كلا منا يحمل رغباته وهواجسه في قلبه وعلينا أن نتعلم كيف نواجه أي إحباط يواجهنا في الحياة وقبولها كما هي بالرضا بما هو موجود.
سؤال يعنّ على البال دائماً، ما الذي يجعلنا سعداء وهل يمكن قياس سعادتنا بكم الثروات التي جمعناها أو البلدان التي زرناها أو بالشكل المثالي أو الأسنان ناصعة البياض مثلاً، هل يمكن اختزال سعادة الحياة في شيء أو في حدث ما؟! لا يمكن إنكار حقيقة أن زماننا الحالي يشهد تطورات متسارعة وتغييرات جذرية جعلت كل شيء يحدث دفعةً واحدة وبوتيرة سريعة تتخطى قدرتنا على استيعابها ومجاراتها، تتداخل الأحداث العامة بالخاصة ما أربكنا وأثّر على نظرتنا لواقعنا ولذاتنا ولما نُحب أن تكون عليه حياتنا، بل وساهم بجعلنا أكثر تعاسة لأننا أصبحنا نعرف أكثر ونسمع أكثر، نعيش حياة ربما أكثر تطوراً من الأجيال التي سبقتنا ولكنها تحمل الكثير من القلق والتوتر نتيجة شعورنا بالضآلة في حال لم نتمكن من مجاراتها والاستمتاع بها.
قبل عدة سنوات كتبت ممرضة تعمل بمشفى في استراليا كتابا نقلت من خلاله تجارب شخصية عاشتها مع مرضى كبار السن كانوا بالمستشفى، واختارت اسم ( الندم) للكتاب، ومحور الكتاب يدور حول أكثر الاشياء ندم عليها كبار السن بالمستشفى قبل وفاتهم، وقد كانت الإجابات تشترك بوجود رغبات ذكرها معظمهم مثل القدرة على عيش الحياة التي يتمناها لنفسه وليس الحياة التي يتوقعها منه الآخرون، وتخصيص وقت أطول لمن يحب بدلاً من إضاعة العمر في روتين مُمِل، ومعظمهم تمنى كذلك لو كانت لديه الشجاعة للتعبير عن مشاعره بصراحة ووضوح، والبعض الأخر تمنى لو بقي على اتصال مع أصدقائه القدامى، وأخرين تمنوا لو أنهم أدركوا حقيقة أن السعادة حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة بل هي اختيار يمكن نيله بجهد وتكلفة أقل، كما تمنوا أن تكون علاقتهم بالشركاء مبنية علي الحب والمشاركة لا العِشْرة والتَعوُد، واخيراً تمنوا لو أنهم قضوا كل الوقت الذي أضاعوه مع الأم والأب اللذين لا يمكن تعويضهما بأي شخص أخر.
خلاصة القول إن لكل منا قصته الخاصة وأحلامه وقد يحدث أن تكون الصورة البراقة التي نعكسها عن أنفسنا تخفي جانباً قاتماً، ومهما بلغت درجة المثالية التي نسعى لها، علينا أن نحب أنفسنا كما هي وأن نقبل عيوبنا ونواقصنا، فكلنا أولاد آدم قد نخطئ أحيانا أو نشعر بالنقص أو الحاجة إلى شيء ما، ولكن لا يجب أن نبقى أسيري الحزن أو انتظار الأفضل وعلينا عيش الحياة بكامل تفاصيلها بحلوها ومرها وبأكبر قدر من الرضا.