حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1417

قصة حب بين مارك أنطونيو وكليوبترا

قصة حب بين مارك أنطونيو وكليوبترا

قصة حب بين مارك أنطونيو وكليوبترا

15-12-2020 09:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : يوسف رجا الرفاعي

ملحمةٌ بطلَتُها ولِدت في العام ٦٩ قبل الميلاد ، وما زالت الى يومنا هذا درة اعمال أعلام كُتَّاب التراجيديا والمسرح والملاحم امثال الكاتب والممثل لمسرحي والشاعر الكبير وِلْيَمْ شكسبير وغيره من أعلام الغرب وكتَّاب المسرح هناك ،
وانتهاء باعمال أمير الشعراء احمد شوقي في العصر الحديث حيث جسَّدَ هذه القصة بمسرحية كليوبترا التي انصف فيها هذه الملكة التي وصفها كثير من الفلاسفة والكتاب والشعراء والأدباء الغربيون بأنها المرأة المستبدة الشريرة الخائنة المنتقمه التي كانت تحكم مصر ، وأنها لم تكن تُعنى بالرعية ابداً ، وكانت منشغلة بحروب معظمها بحرية وصِفت بالعنيفة ، كما وصفوها انها لم تكن على اي درجة من الجمال ،
لكنَّ احمد شوقي مع قلة من أعلام المسرح عبر العصور كما جاء في نصوص مسرحياتهم انصفوها فوصفوها بانها كانت شديدة الذكاء وانها أُوتيت من فضائل الحكمة الكثير ، وانها كانت على قدر كبير جداً من الجمال ، وربما كان هذا الاقرب الى الحقيقة على كثرة الروايات والقصص والاشعار التي حملت في طياتها هذه القصة الملحمية الخالده ، فجائت مسرحيته كليوباترا بهذه الروعة من العرض المشوِّق ،
ثم كانت قصيدته الذائعة الصيت كما كلٌ قصائده كأنها تاجُ ملكةٍ تكللت بها المسرحية ، اذ يقول فيها :
أنا أنطونيو وأنطونيو أنـا
ما لروحينا عن الحب غنى
غننا في الشوق أو غني بنـا
نحن في الحب حديثٌ بعدنا .
نعم هذه القصة الابدية وهذه الملحمة وهذه التراجيديا وهذه المسرحية وهذا الشعر هو ما نَطربُ اليه انا واصحابي ، نعم بهذا الشعر العتيق والكلام الممتلئ بالتاريخ والمعاني يتحدث اصحابي ، الذين أسبِقُهم كلهم بعدد السنين وكلهم يسبقوني بمستوى من الفكر الراقي الرزين ، فجعلوني دائم الفكر قارئاً لكي لا اكون جليساً لهم وهم بي لا يأنسون ، ففي قربهم سعادة للروح والفؤاد ، حديثهم يأخذك الى حيث تجليات الابداع وتشعر كانك في حدائق غنَّاء يفوح اريجها وتشدوا على المسامع طيورها.،
وكلُ اصحابي شبابا ،
ليس فينا عالِمٌ أو أديبٌ أو كاتبٌ أو شاعرٌ
وليس بيننا روائي ، ولا نتحدثُ الفصحى فحالنا مثلُ حال العرب ، بيننا وبينها جفاء ،
كل ما بِنا أننا هُدينا الى حُسنِ الاختيار ،
اسمع منهم بشوق ويُشفقون عليَّ إن لم اكن وَقَفتُ على مثل هذه الاعمال الفنية الادبية التي ينتشي بها العقل ، فاجتهد مجارياً لهم بأن آتي بقصةٍ ابطالها حقيقيون وروايتها متواترة ، او آتيهم بشاعرٍ له ذكرٌ بين فطاحل اللغة والشعر والادب ، فأُحدِّثُهُم على سبيل المثال عن الشاعر محمد بن الحسين بن موسى، والملقب بالشريف الرضي والذي وصفه العلماء والادباء بأنه كان أديباً بارعاً متميزاً، فقيهاً متبحراً، ومتكلماً حاذقاً، ومفسراً...وانتقي لهم من قصيدته شديدة الروعة والجمال ودقيقة الوصف والممتلئة بالوجدان والتي يقول فيها :
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ
وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
ثم أنصِتُ الى احدهم وهو يردد تكملة ابياتها وآخرون ترى في محيَّاهم بسمة ، وآخرُ يضحك هامساً في أُذن صاحبه ، فكلٌ بابياتها يُغَنِّي على ليلاه .
احد اصحابي لم تصل رجلاه الى ركاب حصانه بعد ، فيمتطيه بلا رِكاب باقتدار ،
فانشده بابياتِ تلك القصيدة الملحمية والتي توصف بأنها من روائع التراث الادبي ،
وهو يُحَدِّقُ بي كأنه يرى امامه مشهداً حياً يتفاعل بالصورة دون تَبَحُّرٍ بما تحمله كلمات القصيدة التي تقول :
رولا عرب قصورهم الخيام ... ومنزلهم حماة والشآم
إذا ضاقت بهم أرجاء أرض ... يطيب بغيرها لهم المُقام
إذا ركبت رجالهم لغزو...فما في رهطهم بطل كهام
ولا يبقى من الفرسان إلا ... عجايا الربع والولد الفطام
وكانت من عجايا الربع عليا ... ومن عجيانه النجبا عصام
أعلَمُ انه لم يفهم حرفية المعنى ولكنه فهم الرواية بالانفعال ، هكذا هم اصحابي بداياتهم كانت مشاهد قصص كاملة طُبِعَت صورتها في الأذهان الى أن بلغت عقولهم إدراك معنى وحرفية الكلام .
كل هذا مقدمة لأتحدث عن ذلك الشخص
الذي جعلتني الصدفة استمع اليه على موقع للتواصل الاجتماعي ، وهو يتهكم بصورة مستفزَّة على كلمات لشاعر عربي كبير معاصر يحاول اضحاك من يتابعه وعلى ما يبدو انهم كُثُر ، فيُصَوِّر لهم ويوحي لهم ان كلمات هذا الشاعر لا ترقى الى مستوى ذوقه وفكره وانها كلمات ثقيلة على السمع مُزعجة للمستمع ، مُنَفِّرةٌ وليست ذا قيمة حتى يُضَيِّع وقته ( الرخيص ) جداً في محاولة فهم معنى هذه الكلمة التافهة من وجهة نظره التي لا وجهة فيها ولا نظر ، الى ان يبدأ بعدها بالتحدث بلغة لا يفهما عربي فهي عباره عن احرف متلاصقه وغير منسجمه على الاطلاق تؤكد للمستمع بالقطع ان هذا الشخص لم يقرأ يوما كلمة في كتاب وإن اوحى اليك بألف الف ايحاء بانه خارق شديد الذكاء ، فهو بالحقيقة وعلى ما سمعتُ منه ، فهو في جهالة جهلاء فلا يُفهَمُ لتمتماته معنى ولا تستسيغ الاذن له الاستماع ،
لم يَحزُنني الشاب نَفسُه ، انما حزنت وشعرت بكثير من الاحباط والأسى واشفقت على نفسي وعلى مستمعيه وبدأت اسأل نفسي ، هذه كلمات لشاعر له في الادب والشعر العربي مكانة واشعاره جزؤ من الثقافة والادب والموروث العربي ، فالعالِم والمثقف والاديب والكاتب والأُمي ، كل هؤلاء يعرفونه وكلهم يطربون لكلماته ويفهمون اشعاره ، فماذا يريد هذا الشاب الذي لا يعرفني ولا اعرفه ماذا يريد ممن يسمعه ؟
الامة اليوم في حالة يُرثى لها ولا تخفى على احد ، فهي اليوم في ذيل القافلة لا يعبأ بها أحد ، وهي الآن كما قال العرب من قبل ؛ "لا في العير ولا في النفير"،
وكما قال الشاعر الامير خالد الفيصل في قصيدته الشهيره التي تقول بعض ابياتها : تنشد عن الحال ؟!!! هذا هو الحال!!! .
في موروث العرب وادبهم من النفائس والدرر المكنونة في بطون الكتب التي خطَّ سطور تاريخها المجيد قادة عظماء وعلماء أجِلاّء وشعراء افذاذ واجيال عاشت بعزٍّ ورخاء ،
هل اراد هذا الشاب ان يجعل من كلماتٍ تحملُ اجمل المعاني وتحمل من الاحاسيس المرهفة اسماها ، ان يجعل منها اضحوكة له ولامثاله من متابعيه ، علماً انه يقول ويعترف بانه لا يعرف معناها ،
ايها الشباب يا من انتم رياحين الحياة وبهجتها وعماد الامة ومستقبلها ، وأُمة العرب معظمها شبابا واني اجزم ان غالبية هؤلاء الشباب على مستوى عالٍ ورفيع من الفهم والادراك وان فيهم من المثقفين والكتاب والادباء واصحاب الرأي والفكر الكثير الكثير ، ولكن صعوبة وقساوة الظروف التي تعيشها الامة فرضت على الجميع هذا الوضع المتردي الذي لا يغيض عدو ولا يفرح صديق .
واخترت في هذا المقال من روائع ادبنا العربي
ما يُشعِر قارئه بالسرور ، ويرسم البسمة على الوجوه ، قصة ليست للتهريج او ضياع للوقت بأمر سخيف ،
قصةٌ خطّّ كلماتها أمير الشعراء احمد شوقي في مشاهد مسرحية هي تحفة فنية لم يشهد التاريخ المسرحي العربي لها مثيلاً في روعتها ، "قصة مجنون ليلى " فهي حديث حب عذري تخاطب العقل والقلب والوجدان وتحاكي الواقع الانساني بكامل احاسيسه ومشاعره وعواطفه وانفعالاته ، وهي حديث النفس البشرية بكامل اطيافها وطبقاتها بِسُمُوِّها وانخفاضها ،
ولقد أُضيفَ الى جمال القول جمالاً وتشريفاً وتشويقاً عندما جاء شرح بعض أبيات هذه المسرحية على لسان العلاَّمة لعالِِم الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله حيث قال :
رحم الله احمد شوقي وهو يُصوِّر لنا الفرق بين البدو والحضر ثم يصور لنا حقيقة المشاعر والقيم عند نساء البادية فيقدم هذا بمناظرةٍ بين متعصبةٍ للبادية وبين معجبةٍ بحياة الحضر ، وكيف ان العشق يقتل نساء البادية ، وهو لنساء الحضر بهجة وسعاده ، فهن من العشق في عافية ، وذلك في مشهد غير مبتذل يتصف بالعفة والرزانة ، ويأتي هذا في معرض حديث الامام الشعراوي اثناء درس من دروسه التي تحمل في طياتها الاهمية والغاية النبيلة القصوى في علوم الدين وعلم الاجتماع بما يخص البشرية كلها ، فيا لها من متعة ويا لها من روعة نعيش في ظلال اجوائها عبر عبقريةِ كاتبها وسموِّ وعلوِّ منزلة راويها ،
إذ تقول إحداهنَّ وهي تتحدث عن البيد
" أي الصحراء" وما تراه فيها واختَصَرَته بمشهدين هما موقد النار في ناحية ومنظر الذي يحلبُ الشاة في الناحية الثانيه ، ثم تتدارك احداهن وتعود الى الاعتزاز بباديتها ثم تظهر وهي تتباهى بأن الشمس تُقَبِلُ نساء البادية أولاً ثم نساء الحضر حيث انه ليس بينهن وبين الشمس سترا ، في مشهدٍ حواري بين ليلى وصويحباتها ، ثم تُخبرُ هند كيف تطربُ نساء الحضر وذلك بسماعهن" للغريض " وهو مُغَنِّ مشهور في ذلك الزمان ، وان نساء البادية يطربن لسماع الضباع العاويه ،
ثم تقول ان نساء الحضر يأكلن من الطعام الذي يتفنن في تحضيره الطهاة ، وانهن يأكلن ما تطهو الماشية - وهو اللبن ،
فياخذك الحوار الى البادية والى مطلع الشمس ثم يعود بك الى الحضر في ثانيه ، فتسمع هند صاحبة ليلى منشدةً قائله :
سئمنا من البيدَ يابن ذريح ومن هذه العيشة الجافيَهْ
ومن مُوقدِ النار في مَوْضِعٍ ومن حالب الشاة في ناحيَهْ
وراغيةٍ من وراء الخيام تُجيبُ من الكَلأ
الثاغيَة
وأنتم بيثربَ أو بالعراق أو الشام في الغُرَف العاليَهْ
مُغنِّيكمو مَعْبَدٌ والغريضُ وقيْنتُنا الضَّبُعُ العاويَهْ
وقد تأكلون فُنُونَ الطُّهَاةِ ونأكل ما طَهتِ الماشيَهْ
فتعترض ليلى على قساوة هند في وصفها لوطنها الذي نشأت وتربت فيه قائله :
قد اعَتسَفتْ هندُ يابنَ ذريحٍ وكانت على مَهدها قاسيَهْ
فما البيد إلا دِيارُ الكِرَامِ ومَنزلةُ الذِّمَمِ الوافيَهْ
لها قُبْلَةُ الشمس عند البُزوغ وللحَضَرِ القُبْلَةُ الثانيَهْ
ونحن الرياحينُ مِلْءَ الفضاء وهنَّ الرياحينُ في الآنيَهْ
ويقتُلُنا العِشقُ والحاضراتُ يَقُمْنَ من العشق في عافيهْ
ولم نصطَدِم بهُمُـوم الحياةِ ولم نَدرِ — لولا الهوى — ماهيَهْ
وآنًا نخِفُّ لصَيْدِ الظباء وآنًا إلى الأسد الضاريَهْ

هذه باقة اقتطفتُ زهورها من صفحة من صفحات امتنا التي ستعود قريبا الى سابق مجدها وعزِّها .
وإن كنتُ قد اغاظتني واستثارتني كلمه وعاهدت نفسي بأن أُدافع عنها وانتصرُ لها رغم ضعفي وقلة حيلتي ،
فإني اتوجه بالتحية والتقدير والعرفان الى الشباب العلماء والاطباء والأساتذة رؤساء الجامعات والى العمداء والكتاب والادباء والمعلمين والشعراء الذين هم اشدُّ مني غيرة وحرصاً على الامة وعلى كل مقدراتها وموروثها وادبها وعلومها ، الذين لم يؤلوا جهدا لرفعة هذه الامة وتقدمها وازدهارها ،
الشعوب العربية بعمومها ادركت الان انها تعيش في مرحلة مظلمة من تاريخها الطويل الحافل بالانجازات إن على مستوى العلوم بكافة مسمياتها او البطولة بمختلف ميادينها وانها قد كابدت وعاشت مراحل متردية عبر تاريخها ، إلا انها ما تلبث ان تعود مزهرة وارفة ظلالها تفيض على البشرية جمعاء بما عندها من كنوز حين تنفض عنها غبارها ، وسيكتب التاريخ كعادته صفحات مشرقة تنير الكون وتبعث الرضى والسعادة في النفس البشرية كلها ، وانها كبوةٌ ستنهضُ منها رغمَ طول الانتظار .
يوسف رجا الرفاعي








طباعة
  • المشاهدات: 1417
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم