15-12-2020 09:54 AM
بقلم : تيسير الملاجي
العبودية مفهوم متعدد الأبعاد والأنواع والأشكال ويطول الحديث عنه من العبودية القديمة الي العبودية الحديثه والمفاهيم العميقه المختلفه لمعنى العبودية واشكلها المتعددة ومنها مثلا الاستحواذ على حصيلة النشاط العملي او الذهني والاستيلاء على ناتج عمل الغير وهذا ما نشعر به بشكل غير مباشر في حياتنا العمليه كموظفين.
اما مفهوم العبودية الاكثر عمقا هي العبودية الروحية والفكرية وهي قيم مادية معينه يتم فرضها على الاشخاص من خلال الهيمنة الاعلامية والتأثير الدعائي النفسي.
وقد تطورت العبودية وتغيرت حسب تغير الزمان والفكر البشري، حيث تطورت العبودية من قيود حديدية الى قيود قانونية.
وايضا قد اختلفت انواع العبودية من قسرية كتلك التي يفرضها الشيخ او الحاكم بالحديد والنار، الى طوعية واختيارية يقتنع بها الانسان قناعه ذاتيه دون اي اعتبار للقيم الاخلاقيه او لكرامة الانسان.
"لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات"
هذا ماقاله الفيلسوف اليوناني أفلاطون قبل الاف السنين وكأنه يعيش بيننا اليوم .
فهذه سمة عامة ظاهرة لدى كثير من أفراد بعض المجتمعات هذه الايام، وخاصة تلك التي نشأت وترعرعت في مجتمع أشبه مايكون بالقطيع.
وان أولئك الذين يخافون من مصطلح الحرية ، تماما كبعض المساجين الذين يقضون فترات طويلة في السجن فيشعرون بالخوف في حال خروجهم مما سوف يواجهونه في العالم الخارجي للسجن الذي أمضوا فيه سنين طويلة، او كسرب الحمام الذي يمضي فترات طويلة في الأقفاص، فإذا فتحت له باب القفص قد يتردد في الخروج إلى عالم الحرية المجهول، وقد يقاوم محاولتك إخراجه قسراً، واذا خرج يعود سريعا الى أقفاصه.
اما العبيد الذين ينتمون للقطيع، فقد كتب عنهم الكثير من كتاب هذا العصر ، وبينوا ان استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل أقبح أنواع الاستبداد.
وقال عبدالرحمن الكواكبي" خلق الله الإنسان حرّا، قائده العقل فكفر وأبى إلّا أن يكون عبدًا قائده الجهل".
و هي العبودية الاختيارية او الطوعية التي قال عنها افلاطون، حيث يرضاها الإنسان لنفسه ويقتنع بها في قرارة نفسه قناعة ذاتية، بل ويقنع بها غيره كتلك التي يعاني منها بعض المساجين والطيور التي تعيش على الأسطح وفي الأقفاص، وقد تكون العبودية إرثاً نفسياً ناجماً عن قهر موروث جيلاً بعد جيل من مفرزات التربية الاستبدادية في مراحل الطفولة المبكرة.
او العبودية التي مارستها الأسر والمدارس وهيئات المجتمع الأخرى على الفرد وغرست فيه روح العبودية، وتصبح طبعاً مطبوعاً في قرارة النفس البشرية.
ومن الممكن ان تكون العبودية مولودة من رحم النقص الموجود في نفسية او شخصية الفرد، أو انها تكون صفة يكتسبها الفرد من البيئة الاجتماعية المحيطة به وتعلم الأنانية وكيفية تفضيل المصالح المادية دون اهتمام بالمصلحة العامة،
او ربما الخوف من الضرر الكبير الذي قد يحدث في حال مقاومة الاستبداد من خسارة الامن والأمان، أو خسارة الحد الأدنى من الحرية الذي يجود به المستبد على الافراد.
وبهذا تتكون لدى أفراد المجتمع القناعة والرضا بالعبودية من منطلق المر افضل من الأمر منه.
والعبودية الفكرية هي من أشد اشكال العبودية خطرا على الانسان نفسه وعلى تقدم وتطور المجتمعات بشكل عام، فهي التبعية الفكرية للآخر دون تفكر وتدبر، حيث يكون الانسان تابعا لغيره فكريا، مسلوب الإرادة والتفكير، فيكون غير قادر على الاستقلالية في صياغة أفكاره وأفعاله، ولايستطيع استعمال عقله ليحكم بموضوعية على ما يدور حوله من أحداث.
وتهدف العبودية الفكرية الى تجهيل الافراد وتوجيههم نحو السبات والغفلة والانغلاق الفكري، وتعطيل العقل وانسداد باب رؤية المعارف والحقائق، حيث يكون الفرد مرهونا تحت فكر ما يبديه الآخرون بشكل أعمى وتحت كل ما يفرزونه من أفكار أو سلوكيات، ويُلغي بصيرة عقله والوصول إلى رأي مغاير، ولا يمكنه إبداء أي مناقشة تأخذ به إلى استيضاح الحقيقة وتجليتها، بل يجعل الآخرين يفكّرون ويتحدّثون بلسانه، وهذه حالة الاستعباد الفكري الذي يفقد معه الفرد حرية إبداء افكاره والاختلاف عن الآخرين.
بالنهاية مهما كان شكل العبودية ومهما كان سببها فهي تبقى نوعاً من الضعف الفكري والنفسي والشخصي للفرد.
فاذا كانت منتشرة بشكل محدود فلا خوف على المجتمع لانها من المستحيل ان تكون معدومة، اما ان كانت متفشية بالمجتمع سيفقد المجتمع كرامته وأنسانيته ويتحول إلى قطيع ويتخلّى عن أهم أدواره في الحياة في ابداء الرأي والاختلاف والنظر الى الامور بعين الاتزان ، بل يفضل أن يبقى مشوّش الرأي دون أن يستطيع أن يجد مأوى لهدأة نفسه.
والوصول إلى الحرية الفكرية لا تهدف الى تجاوز معتقدات الإنسان السامية، فالدين مثلا باعتباره قانون إلاهي ومنهج حياة يهتدي به الانسان للطريق المستقيم، لا يقمع التفكير الحر بقدر ما يرشده إلى الصواب، لهذا فكل واحد مسؤول عن قناعاته وما يجسده من تصرفات وأفعال يترجمها تفكيره، فأن تكون حرا في تفكيرك يعني أن تترك لعقلك الاختيار، دون تبني أفكار في العلن لا تقتنع بها في داخلك، وأن لا يكون تفكيرك الذهني متناقضا مع واقعك الذي ترسمه أنت بأفعالك.
تيسير الملاجي