حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1999

اللقاء مع الذات

اللقاء مع الذات

اللقاء مع الذات

29-12-2020 03:55 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سبأ ياسر طبيشات
تقف حائراً أمام المرآة مواجهاً نفسك متسائلاً إن كنت قد تبدو كافياً لهذا اللقاء، تذهب لتحضير نفسك وتأخذ حماماً دافئاً وتغسل ما علق بك من الغبار أثناء سيرك في الشوارع، وتزيل الأتربة من عليك بعدما تعثرت بالمطبات ووقعت في الحفر، نظفت بدنك الذي استنزفته كلياً حين سعيت لتعود وتقف مجدداً، ومسحت الإرهاق والتعب من على وجهك الذي شابه خطوط العمر، ومن ثم أرتديت أفضل ما يخفي التشوهات التي سادت جسدك حين تعاركت في دوامة الحياة، ووضعت عطرك الفواح خافياً رائحتك... وبذلك تعود وتزهو من جديد بعد انطفائك.

ها أنت عزيزي على أتم الاستعداد لهذا اللقاء فقد رتبت كلماتك ومفرداتك حتى لا تتردد فتتلعثم فتخطىء فتبان، قمت بدراساتك وتحليلاتك لتطرح المواضيع التي تجيد التحدث بها، ووضعت كل الاحتمالات أمامك لتحسن التصرف وتضبط سلوكك لتظهر بمظهر الشخص النبيل، وبذلك تضمن انتهاء لقائك مشعلاً لهيب الانبهار في قلب من أمامك.

جلست وقد برعت الإفتراء فأنت مدرك جيدأ بأن من أمامك يجهلك ويجهل علمك، وأن أكاذيبك ستكون أسهل للإقناع وبهذا تضمن طغيانك في جدال قد اختلقته. فأنت لست بغبي لتصطنع شخصية جديدة أمام أحد يميز رائحتك ويدرك تماماً بأنك لست بهذه القوة ولا الجرأة ولا الجمال ولا الصلاح.

لقائك هو عبارة عن رواية لأنا أخرى، لا أعلم إن كنت تروي الأنا التي يريدها الآخرون أو أنك رويت الأنا التي لطالما أردتها، إلا أنك قد احترفت إختلاق القصص والأحداث على النحو الذي يحسن إبرازك كبطل لهذه القصة الخيالية، وأتقنت كتابة السيناريو بما يظهرك كشخص نبيل وعلى خلق... تتكلم وتتكلم وتروي ترهاتك دون توقف حتى تملكك نشوة الراوي حين يغوص بخياله وعالمه، نجحت عزيزي في إصابة العمى للمشاهدين وذلك من شدة التلون الذي أخفى بئس المحتوى وبهتانه، لتتمكن أنت من أن تختم المشهد بالصورة التي تعجبك وتحدث الاندهاش في نفوس المشاهدين.

ستكون نهايتك عزيزي حين يبصر الأعمى...

سيسخط الواقع حكايتك ويتصادم مع خيالك وسرعان ما سيسيطر عليك الإلتباس ويصيبك الارتباك. لينتهي المطاف بك بأخذ وضعيتك التي فرضها عليك هذا العالم وتعود إلى حجمك وبهذا يأخذ الواقع مجراه في عالم اللاوعي الذي صنعته كاتباً نهاية بطل الحكاية والذي هو أنت. ففي النهاية أنت قد استفزيت الواقع وأبغضته، فليس الجميع يرغب بأن يكونوا جزء من قصتك، وفي حال رغبوا فليس بالسيناريو الذي كتبت.




أنت متغير مهم لإنجاح هذه المعادلة وجعل الفارق صفر بين كلا المتغيرين.

الحبكة ليست بالإذعان للنكران وإنما بالإقرار بذاتك... الإعتراف بذاتك يتطلب منك إحكام سيطرتك على الأنا وتحكمك برغباتك، وأن تكون قادراً على خلق توازن بينك وبين الآخرين حتى تستطيع تحديد ماذا تريد، ومعرفة ماذا يهمك حقاً، لتدرك حينها ما تستحقه وما غيرك يستحق في نفس الوقت. عندها بالتأكيد ستتضح الرؤية لديك وستختلف نظرتك للكثير من الأمور، منها حين تواجه المرآة مرة أخرى لن تكون خاضعاً للنكران إنما رافضاً.

وفي النهاية ستتمكن من تقبل ألوانك الباهتة والخلل الذي شاب لوحتك، هذا وقد تصنع من نفسك أعجوبة فنية فيما إذا أحسنت إدخال الانبهار في داخلك لتجعل من تشوهاتك ميزة تدهش المبصريين. ربما حينها ستستطيع شق العالم إلى نصفين "واقع" و"خيال"، وتعيش حياة مليئة بالمغامرات والتشويق أو حياة درامية تميل إلى الكوميديا السوداء. ربما ليست الحال الأكثر إثارة ولكن على الأقل ستعرف جيداً كيف تقلب الأمور لصالحك وكيف تجعل من الندب التي خلفتها تجاربك علامة دالة لحكمتك.

إني أؤمن بأن من يكثر الكلام... كاذب، ومن يكذب لا يأسف؛ حيث أن الكذب يعطي شعوراً بالرضا ويلبي رغبة نرجسية. وإن تأسف فما هي إلا كذبة جديدة، ووجهه النادم ما هو إلا وجه لكاذب قد أحسن كتابة السيناريو وأحكم مبرراته.








طباعة
  • المشاهدات: 1999
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم