04-01-2021 08:24 AM
كتب الوزير السابق، الدكتور تيسير الصمادي، مقالاً خص به سرايا، يتحدث عن بيان الثقة الذي ألقاه رئيس الوزراء، الدكتور بشر الخصاونة أمام مجلس الأمة أمس الأحد، و تالياً نص المقال:
في ظرف إستثنائي يواجه الأردنيين، كما هو حال معظم دول العالم، جاء بيان الثقة الذي ألقاه الرئيس المكلف، د. بشر الخصاونة، دون مستوى الطموحات، وغلبت على معظم مفاصله "نكهة كورونية" ربما أملتها الظروف السائدة حاليا. ومن باب الموضوعية، لا بد من الإشارة إلى أن البيان قد تضمن عددا من الجوانب الإيجابية التي ضاعت، أو كادت، في خضم بحر لجي من الخطاب الإنشائي الذي غلب عليه ضعف المبنى والإفتقار إلى السلاسة، والتكرار والرتابة والغرق في تفاصيل مملة، ليس مكانها مثل هذه المناسبة الهامة! ولم يقف الأمر عند ذلك، بل وصل إلى حد إرتكاب خطأ في كتابة آية قرآنية كريمة؛ عندما تم نصب الفاعل في الآية التي جاءت في نهاية البيان!
ما سبق كان تحليل من باب الشكل، أما من حيث الجوهر، فقد إحتوى البيان بعض المحاور الإيجابية الهامة؛ منها:
تأكيد الرئيس المكلف على إلتزام الحكومة بعدم إطلاق الوعود جزافا وعدم التعهد إلاّ بما يمكنها الإلتزام به وتنفيذه على أرض الواقع. ويمكن القول هنا أن الحكومة الحالية قد استفادت من تجربة سابقتها التي أسرفت في الوعود ورفع سقف التوقعات وفشلت في تحقيق أغلب ما وعدت به، مما جعلها عرضة للإنتقاد والتندر، حتى ضاق صدر الأردنيين بها وبخطابها وأصبحوا ينتظرون رحيلها على أحر من الجمر. ويضاف إلى النقاط الإيجابية أيضا تعهد الرئيس المكلف بترجمة البيان إلى "برنامج تنفيذي مفصّل، ومحدّد بمواقيت زمنيّة وإجراءات فعليّة، ومؤشّرات تدلّل على حجم الإنجاز"؛ مما يسهم في تسهيل متابعة وتقييم أداء الحكومة طيلة وجودها في الدوار الرابع.
كما أوضح البيان أيضا الآلية الجديدة التي انتهجتها الحكومة في مواجهة تداعيات أنتشار فايروس كورونا، حيث تم التركيز على مضاعفة القدرات المؤسسية وتمكين المنظومة الصحية وتعزيزها للتعامل مع إنعكاسات الجائحة، بدلا من اللجوء إلى الإغلاقات الشاملة أو الجزئية المشددة؛ وهو الخيار الأسهل لأي حكومة، ولكن التجربة أثبتت أن نتائحه في تسطيح المنحنى الوبائي كانت قصيرة الأجل، أما آثاره في الأجل البعيد فتتمثل بالعديد من الجوانب السلبية الإقتصادية الإجتماعية والنفسية على المواطنين؛ وقد أقر البيان بذلك، تصريحا وبكل وضوح. ولعل ما ذكره البيان في هذا الصدد قصد منه إرسال برقية إنتقاد مبطنة لحكومة الرزاز التي اعتمدت خيار الإغلاق الطويل، وفي الوقت غير المناسب، مما خلّف إنعكاسات لا زلنا نعاني منها حت الآن! إلى جانب ذلك، فقد أكد البيان على أن الحكومة الجديدة قد إستطاعت، منذ تشكيلها، زيادة القدرة الإستيعابية للنظام الصحي بنسبة كبيرة جدا قدرت عند (300%)! والسؤال الذي سيطرحه أي متابع هنا هو: إذا كانت هذه الحكومة قد استطاعت إنجاز كل ذلك في غضون شهرين تقريبا، فما الذي كانت تفعله سابقتها طوال ما يزيد عن سبعة شهور، نظمت خلالها العشرات من المؤتمرات الصحفية والخطابات "الفيسبوكية" الأسبوعية؟!
ومن النقاط الإيجابية أيضا تأكيد البيان على التزام الحكومة بتسهيل الإجراءات الضريبية والجمركية وتبسيطها وتحسين الخدمات الضريبيّة للمكلفين، والسير قدما في تنفيذ نظام الفوترة الوطني الذي وقفت الحكومة السابقة عاجزة عن إستكماله، مما حد من آثاره الإيجابية المنشودة. ولعل من أبرز النقاط المضيئة التي تضمنها البيان، التأكيد على أن الحكومة تعمل حاليّاً على "مقاربة جديدة غير نمطيّة" لمعالجة التحديات التي تقف عائقاً أمام القطاع الزراعي ودعم استقراره بموازاة العمل على تعزيز المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائيّة الأساسيّة،
وتقييم قدرة الموارد الأرضيّة وملاءمتها للزراعة في حدود أراضي الخزينة لغايات التوسّع في الرقعة الزراعيّة، وخلق فرص عمل للشباب المتعطلين في كافة المحافظات.
من جانب آخر، فقد ورد في البيان أكثر من مرة، وخاصة في مطلعه، التأكيد على سعي الحكومة لبناء علاقة "تشاركية" مع مجلس النواب، وهذا أمر يثير الحيرة لأن الفصل بين السلطات، الذي تحدث عنه البيان ذاته، يعني أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تكون "تكاملية" وليست "تشاركية"؛ إذ لا يمكن لمجلس النواب القيام بمهام المراقبة والمساءلة وطرح الثقة بالحكومة إذا كان "شريكا" معها فيما تقوم بوضعه وتنفيذه! وهذا يذكرنا بخطأ إرتكبه مجلس النواب السابق عندما قبل فكرة الحكومة بالمشاركة في "لجنة مشتركة" لصياغة التوجهات الرئيسية لمشروع قانون الموازنة العامة، فأسقط من يده القدرة، حتى لا أقول الحق، في مناقشة أو رد مشروع موازنة كان مشاركا في إعداد منطلقاته أو توجهاته!
أما الحديث عن الجانب الإقتصادي فقد جاء ضبابيا ومتقطعا، بل ومثيرا للتساؤل أحيانا! فكيف إستطاعت الحكومة أن تعلن، من خلال بيان الثقة، أن معدل النمو الإقتصادي قد بلغ (-3%) في عام 2020 إذا كانت بيانات الربع الرابع لم يتم تحليلها وما زال الوقت مبكرا لنشرها؟! ناهيك عن أن بيانات الربع الثالث، الذي إنتهى في شهر أيلول الماضي، قد صدرت قبل أيام فقط! وهي، بالمناسبة، كبيانات الربع الثاني تفتقر إلى دعم معظم المؤشرات القطاعية المتاحة، بل ولا وتتعارض معها! إن مثل هذا الإعلان، إذا أخذ بسوء نية، قد يفسر على أن الحكومة قد اتخذت قرارا مسبقا بتقدير نسبة الإنكماش الإقتصادي في عام 2020 بمقدار (3%)، وهو ما تحدث عنه بعض أفراد الفريق الإقتصادي قبل شهور! وهذا يثير تساؤلا آخر حول مدى إستقلالية دائرة الإحصاءات العامة وعدم التدخل في البيانات التي تنشرها! ومثل هذه التساؤل لا يأتي من فراغ، فقد سبق لحكومة الرزاز الإعلان، تحت ذات القبة، عن أن مسودة دراسة الفقر موجودة لديها وأن الدراسة ستنشر خلال أسابيع، وقد كانت تلك سابقة في تاريخ الحكومات الأردنية، ناهيك عن عدم تمكن دائرة الإحصاءات من نشر معظم مؤشرات الفقر في ظل تلك الحكومة، كما أن بيانات النمو الإقتصادي للربع الثاني والتي كانت مثيرة للجدل، وشكك بصحتها معظم المراقبين، قد نشرت في الأيام الأخيرة من عهد تلك الحكومة!
أمّا برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للفترة ( 2020–2024) والمدعوم من صندوق النقد الدولي، والذي أشار له بيان الثقة، فهو ليس أكثر من "قنبلة موقوتة" تركتها حكومة الرزاز في حضن هذه الحكومة؛ إذ أنه يتضمن إجراءات تمس تعرفة المياه والكهرباء كان يتوجب تنفيذها في العام السابق، ولكن الحكومة الراحلة فضلت تسويفها خوفا من ردود فعل الشارع الذي يئن تحت وطأة الكثير من السياسات الجبائية! وفوق ذلك، فإن تغني البيان بمشروع قانون الموازنة للسنة الحالية ووسمه بالواقعية والحديث عن مراعاته للظروف الإستثنائية السائدة، أمر يخالف الواقع، والأيام كفيلة بإثبات ذلك؛ كما حدث مع مشروع قانون الموازنة لسنة 2020 الذي أكدت بيانات إعادة التقدير المنشورة من قبل وزارة المالية بعده عن الواقع، بعد الثرى عن الثريا! والحقيقة أن مشروع القانون الحالي يوازي، بالسوء، سابقه على أقل تقدير لما تضمنه من تقديرات غير واقعية وتكتيكات تجمياية في جانبي الإيرادات والنفقات!
كذلك فإن الحديث عن مشاكل العجز المالي وتضخم المديونية وإرتفاع معدلات البطالة على أنها نتاج تباطؤ أو تراجع معدلات النمو الإقتصادي أمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل العلمي المستقل لبيان العلاقة السببية الصحيحة بين معدلات النمو والمؤشرات الأخرى، حيث يمكن للباحث أن يزعم بأن تلك المشاكل ،ومعها مسألة تباطؤ مسيرة النمو الإقتصادي، ولو جزئية، لفشل الإدارة الإقتصادية في المقام الأول، ومن أبرز أوجهها السياسات الجابئية المتراكمة التي لجأت إليها الحكومات الثلاثة السابقة وأمعنت في توسيعها حتى تسببت في تآكل قاعدة النمو!
أما الحديث عن تجربة اللامركزية وتمكين المواطنين وأبناء المجتمعات المحلية من أداء أدوارهم في تنمية مجتمعاتهم، فهو أمر يستحق فعلا إلى إحداث ثورة في جميع التشريعات ذات العلاقة، وإلى دراسة سلوك الحكومات السابقة في التعامل مع مجالس المحافظات والتعمد في إفشال هذه التجربة مبكرا من خلال إفراغها من مضمونها وتحويلها إلى مجرد ديكور إضافي لما سبقها من "قطع الديكور" الأخرى التي أصبحت عبئا على مسيرة التنمية السياسية والإقتصادية، بدلا من أن تكون داعمة لها!
خلاصة القول، بكل أسف، كان البيان أقل من عادي في مبناه ومعناه، رغم الظرف الإستثنائي الذي نمر به!
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، صدق الله العظيم.