05-01-2021 08:59 AM
بقلم : وليد عليمات
قرر أبو الحصين (ثعلب أفندي) أن يتوب بعد أن مضى به العمر في ألاعيب السياسة و الهبد و اللهط والمكر والخداع، وبعد تقاعده الإجباري الذي أبعده عن دوائر صنع القرار.
وحتى يبارك أبو الحصين توبته قرر أن يحج، فلبس لبس الدراويش وابتاع سبحة من مئة حبة، ومضى في طريق الحج، فرأته حجلة كانت دائما تخشى من مكره، ومن افتراسه لها أيام ما كان في السلطة وكان في أوج خداعه.
فهبطت قربه ونادت عليه متسائلة أين أنت ذاهب؟ وماذا يفعل مكار مثلك بالسبحة؟قال أبو الحصين : لقد تبت إلى الله لعله يغفر لي ما أسلفت من خداع ومكر وما اقترفته في دهاليز السلطة من فساد وافتراس لضعفاء الغابة، وما أفتيته لأهلها وما بررته من جرائم بحق الأمة. وإني نويت الحج لأعزز توبتي وأعود لصفوف الجماهير أسعى لخيرهم وخير الغابة ودمعت عيناه.
.
طارت الحجلة ونشرت خبر توبة أبو الحصين في الغابة، فأجتمعت حوله جموع الضعفاء والمساكين من أبناء الغابة، مباركين له توبته، وقرروا مرافقته إلى الحج و عينوه قائدا للركب، ومضى الجميع خلفه فسبحان مغير الأحوال فقد غدا ابو الحصين قائدا للجماهير بعد أن كان أداة السلطة الماكرة، ومستشار الجبابرة.
في الطريق إلى الحج وهو أيضا الطريق الجديد لأبو الحصين، في سيرته كان يخدم الجميع، يسقى العطاشى ويطعم الجوعى، ويقود هتافات التسبيح والنزاهة والجميع يردد خلفه، فقد غدا القائد الملهم والمرجعية الشعبية للناشطين والمفكرين في الغابة وقد أصبح الأداة التي ستقود التغيير في المستقبل٠
طال المشوار قليلا فالطريق نحو الحج والطهارة القلبية طريق يلزمه الجلد والصبر والتحمل، ورغم صمود أبو الحصين على توبته واعتياده على أكل الشعب النباتي. إلا أن أمعاءه السياسية كانت تنشد اللحم وتقرقر به ولكنه بقى صامدا ومظهرا تمسكه بالمسار الجديد في حياته.
وذات يوم كانت الحجة بالقرب من أبو الحصين تسامره بالمباديء والمصلحة الوطنية وحتمية التغيير، وأرادت أن تسر إليه بكلمة فالتقمها لقمة واحدة، وغدت بين فكيه تصارع الموت، والكل يصرخ وينادي، هل خنت بيعتك للجماهير أم شدك الجوع للسلطة فانقلبت على توبتك؟
وهنا ظهر حقيقة أبو الحصين في نظراته، وبدأ أنه استجاب لنداء أمعائه السياسية التي اعتادت اللحم والافتراس دون نظر إلى ما يتحدث به القلب، واستجابة للعقل المجبول على الخداع٠
.
هرب الجميع وتفرغ أبو الحصين لفريسته الحجلة التي وثقت به وبتغيره وبتوبته، فقالت له وهي بين فكيه تنازع الموت: لقد استسلمت لقدري ولكن لي طلب أخير قبل الموت، فهز رأسه موافقا، فقالت : قل الحمد لله قبل أن تأكلني ليبارك الله جسدي ولكي تكون لك توبة أخرى : فقال الحمد لله فنفذت من بين فكيه وطارت وهبطت على غصن قريب٠
فندم الثعلب على فرارها، فبقيت أمعائه السياسية خاسرة، فهو لم يعد في السلطة وبذات الوقت لن يصدق أحد بعد اليوم توبته عن النذالة والخسة، فلا هو عاد للسلطة ولا هو كسب الجماهير.
فهنا قالت الحجلة : من يصدق توبة من كان في السلطة الظالمة وانضمامه لحراك الجماهير كمن يصدق توبة أبو الحصين.
قصة شعبية قديمة برواية "وليد عليمات"