حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4225

"حِرَفية الكدية في بلدي"

"حِرَفية الكدية في بلدي"

"حِرَفية الكدية في بلدي"

06-01-2021 10:42 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حنين عبيدات
لم يَعُد التَّسوُل في الأردن أمرًا عاديًا و يَختَصُّ بالمحتاجِ و المريضِ بل أصبح مِهنةً احترافيةً في جمعِ المال لجهاتٍ مُعينةٍ، و مهنةً تجاريةً موجودةً و مُوَثقةً على الأرضِ، تجارتها في البشرِ والإنسانيةِ و ليس لها علاقةٌ بحاجةٍ أو فقرٍ في مُعظمها..

وبحُكمِ العملِ العام الخيريِّ الذي عملتُ بهِ و اختصَّ بالفقراء و المحتاجين و الأيتام، فقد تمكنتُ من التَّفرقةِ بين صاحب الحاجةِ الحقيقي و المتسول الذي يجوبُ الأرضَ كي يجمع الأموال لغاياتٍ عديدة، و بالرُّغم من ذلك فإنني لا أنكرُ وجود من يتسول لحاجةٍ و عوز ، ولكن بصورةِ التَّسولِ الحالي فقد ذهب الصالحُ بالطالح و أصبحَ شُعور الشَّفقةِ ليس كاملًا و حقيقيًا تجاهَ من يتسول...

لم يَعُد التَّسوُل مُقتَصِرًا على الإشاراتِ الضَّوئيةِ بل في كُلِّ مكان، المطاعم و الصيدليات و العيادات والمراكز الطِّبية و جميع المَحالِّ المتواجدةِ في المدنِ و القرى و حتَّى وسائلِ النقل العام، ناهيكَ عن المتسولينَ الذين يتجولونَ في الأزِقَّةِ و الحواري و يطرقونَ أبوابَ المنازل، من الرضيعِ للكبيرِ و المريضِ و النساءِ و الأطفال، ومتسولين وسائل التَّواصلِ الإجتماعيِّ و المتسولينَ أمام كاميرات وسائل الإعلام، فباتَ الأمرُ مُزعِجًا للغايةِ و كأنَّ وزارة التَّنميةِ الإجتماعيةِ التي ما زالت تعتقدُ أنَّ دورها يقتصرُ على إعطاءِ الفقراء مبلغًا ماديًا بسيطًا فقط قد تغاضَت عن ما تبقى من مهامِها و ما هو ضمن النِّظامِ الداخليِّ لعملِها.

نعم نشكو التَّسوُل، و نشكو طرقهُ، و نشكو انعدام الإنسانية الذي يسودهُ، أطفالٌ رُضَّع يتم التَّسول من خلالهم ، نساءٌ ينتزعنَ كرامتَهُنَّ ، و أطفالٌ يخرجونَ من المدارسِ، يتمُ استئجارهم للعملِ و بيع بضعة أشياء للحصول على المال!!!

للتَّسولِ آثارٌ نفسيةٌ و اجتماعيةٌ سلبيةٌ عديدةٌ على الأطفالِ و النِّساءِ و الكبارِ و الصِّغار ومنها، أنه لا أساس تربوي للأطفال و من الممكنِ تشرُدَهُم و اكتسابَهم لعاداتٍ غيرَ مُستحبةٍ و خاطئةٍ تجعلُ من الطِّفلِ شخصًا غير طبيعي و لا يرتكزُ على مبادىءَ حياتية و دينية و إنسانية، و التَّسول أيضًا لا يحفظُ كرامةَ المرأة و لا كرامة الإنسانِ بشكلٍ عام.

في يومٍ من الأيامِ كان هُناك تدريبًا خاصًا لانتزاع الخوفِ من النَّفس و كان قد اختارني المدربُ لأُمثلَ دورًا مسرحيًا ل " متسولٍ" تفاجأتُ و لم أُصَدق و خُصوصًا أنني أنبذُ التَّسوُل و قلت له حينذاك: مُستحيل و لن أقبل، لأن التَّسوُل أسوأ أمر و لا يمكن أن أتقبله، قال لي : أريد أن أرى بشخصيتكِ شيئًا و أكسرُ شيئًا آخر، و بعد مُحاولاتٍ عديدةٍ بإقناعي لتمثيل الدور ، و مشاعر لا تُوصَف كانت سيئةً و ثقيلةً على القلبِ قمتُ بذلك، و لم و لن أنسى ذلك المشهد الذي وضعني في مكانٍ غريبٍ جدًا قد أثر بي، و أشغل تفكيري و نقلني من مكانٍ إلى مكانٍ و كيف لمُتسولٍ ان يتسول و ( يشحد ) دون الشُّعور بانحطاطِ الإنسانيةِ و كيف هيَ حاجةُ البعضِ و كيف هي القدرات التمثيلية للحصول على مايريدُ الفرد و غيرها من الأمورِ التي أشغَلَت عقلي كثيرًا.

نتمنى الخلاص من هذه الجائحةِ المرعبةِ التي باتت خطرًا يُهددُ المجتمع و الفرد من جميع النواحي.








طباعة
  • المشاهدات: 4225
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم