11-01-2021 12:38 AM
سرايا - أجمع أطباء ومختصون في القطاع الصحي على أن "مخاطر إغلاق المدارس والجامعات تفوق فوائده الصحية بكثير”، لافتين في ذلك ما تم اثباته في الدراسات الدولية من أن "المدارس ليست بؤرا لنقل العدوى أو انها أكثر نشرا للوباء من الاماكن الأخرى”.
وقال هؤلاء خلال ندوة حوارية طبية نظمتها مبادرة "جسد واحد في مواجهة كورونا” بالتعاون مع حملة "نحو عودة آمنة لمدارسنا”، أمس تحت عنوان "كورونا والتعليم المدرسي والجامعي”، إن "الخسارة في التعليم ستنعكس حتما خسارة في الصحة ولو بعد حين”.
وأوضح أولئك المختصون أنه وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن الصحة لا تقتصر على الجانب العضوي الجسدي فحسب، بل تشمل الجوانب العقلية والنفسية والاجتماعية.
وأضافوا، بالتالي فإن المنظور الصحي الشامل لا بد أن يراعي حالة مئات الآلاف من الطلبة المنقطعين عن مدارسهم وجامعاتهم منذ آذار (مارس) الماضي، تمامًا كما يراعي مرضى فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19” والمرضى على أسرة العناية الحثيثة.
ودعوا إلى ضرورة اعتبار التعليم عملية أساسية في المجتمع ولا تنفصل عن الصحة، معتبرين ان كلفتها الآن تكاد تكون من أكبر الكلف التي نتجت عن انتشار الوباء.
وشددوا على ان ” لا بديل عن التعليم الوجاهي، ومهما تفشى الوباء مجتمعيا لا بد من بقاء قدر من التعليم بشكل وجاهي”.
إلى ذلك، قدم أستاذ طب المجتمع في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتور حاتم جابر، عرضا حول واقع الوباء في العالم ومحليا، مبينا أن "كوفيد 19” واحد من ثلاثة فيروسات ضمن عائلة كورونا، هي ميرس، سارس، "كوفيد 19”.
وبين أنه كنسبة وفيات، فإن وفيات فيروس ميرس هي الاعلى، اما الوفيات بـ”كوفيد 19″ فتبلغ 2 % من الحالات المؤكدة مخبريا، واذا ما ضفنا الحالات غير المؤكدة، والتي تشكل ما بين 8 و10 اضعاف الحالات، فان نسبة الوفاة من الاصابة بفيروس "كوفيد19” تكاد تكون 0.2 %.
ولفت جابر عند المقارنة بين "كوفيد 19″ والانفلونزا العادية، فان نسبة الادخال الى المستشفى اعلى في حالة الانفلونزا العادية، وفي حين أن نسبة الوفيات للانفلونزا تصل الى 0.059 % فانها تبلغ 0.2 % بـ”كورونا”.
اما ما يخص الفئة العمرية دون سن الثلاثين، فأوضح جابر ان الدخول للمستشفى لدى هذه الفئة اقل بالمقارنة عند الاصابة بالانفلونزا، أما معدلات الوفاة فهي متساوية بين الانفلونزا و”كوفيد 19″.
وفيما يخص الوضع داخل الاردن، قال جابر إن الوضع الوبائي في الاردن أخذ بالتحسن خلال الاسابيع الماضية، فنزل عدد الفحوصات الايجابية من 28 % الى 4 % حاليا، وهذا يعطي نوعا من الارتياح لفتح المزيد من القطاعات.
وشدد على ضرورة أن تكون العينات عشوائية، لافتا الى أن عينات المخالطين والقادمين من السفر طبيعي ان تكون بها النسبة الايجابية اعلى من العشوائية، ما يعني أن المعيار لقياس الوضع الوبائي هو العينات العشوائية.
وتابع "حاليا لدينا 300 الف اصابة مؤكدة نسبة الوفيات لهذه الحالات المؤكدة 1.3 %”
وزاد "اذا ما حسبنا ان 8 الى 10 اضعاف الحالات غير مكتشفة، فإننا نتحدث عن 2 الى 3 ملايين شخص اصيبوا في الفيروس في الاردن”.
وحول تحور الفيروس، اكد جابر أن هذا هو تحور ببعض جزئياته وليس سلالة جديدة، ما يعني ان هذا التحور لم يغير في المرض ولا علاجه ولا اثر المطعوم، لكنه جعل الفيروس اكثر انتشارا بنسبة 50 % الى 70 % لكن ليس اكثر حدة.
وقال إن قابلية الأشخاص الذين أعمارهم دون 20 عاما للإصابة بالعدوى تعادل نصف قابلية من تقع أعمارهم فوق ذلك، فضلا عن ان بقاء الفيروس يستمر عند الأطفال لفترة أقصر من البالغين.
وبين جابر أن "مخاطر إغلاق المدارس والجامعات تفوق فوائده. هذا ما يفتقده الطلبة في التعليم عن بعد، فاستفادة الطالب من الذهاب إلى المدرسة والجامعة، لطالما كانت أكبر من الضرر بإصابته بعدوى من أي نوع”، لافتا الى ان هذه الاستجابة ليست اكاديمية فقط بل اجتماعية ونفسية ونمائية وسلوكية.
من جانبه، أوضح اختصاصي طب الاسرة، الدكتور أنس المحتسب، أن تجارب العديد من دول العالم اتسمت بمحاولة الموازنة بين الصحة من جهة وبقية مقومات القوة لدى الأمم والمجتمعات من جهة أخرى وعلى رأسها التعليم.
واضاف "يعتبر التعليم من أهم المحددات الاجتماعية للصحة، وعليه فإن الخسارة في التعليم ستنعكس حتما خسارة في الصحة ولو بعد حين”.
من جهتها، قالت العضو المؤسس في حملة "نحو عودة آمنة لمدارسنا”، الدكتورة أسيل جلاد، بحسب آخر الأرقام الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم (اليونسكو)، نهاية الشهر الماضي، فإن 12 دولة حول العالم فقط اغلقت مدارسها بسبب كورونا، منها الاردن، في حين ان غالبية دول العالم لجأت للفتح الكامل للمدارس او التعليم الهجين.
وخلال الندوة الحوارية، تم استعراض تجارب لعدة دول كندا، المانيا، اميركا، استراليا، قطر، وبريطانيا، حيث بين الاطباء والمختصون المشاركون من تلك الدول ان خيار الاغلاق الشامل لم يكن سوى في بداية الأزمة، في حين تم استئناف التعليم بعد ذلك.
كما تبنت الدول عدة نماذج في اعادة فتح المدارس، بحيث يكون القرار على مستوى المدرسة أو المنطقة، ولا تكون الاغلاقات شاملة، ففي حال ظهور حالة يتم اغلاق الصف لمدة 5 الى 7 ايام وبعد ذلك يتعطل الطلبة المصابون فقط.
وشملت اجراءات الفتح اعطاء الاولوية للتعليم في المراحل الابتدائية بان يكون وجاهيا بشكل كامل، وتطبيق نظام المناوبات للصفوف الاكبر، فضلا عن اعطاء الحق للاهل باختيار التعليم الوجاهي او التعليم عن بعد، بالإضافة إلى تهوية الصفوف كل ساعة ونصف الساعة، وزيادة عدد الحصص في الهواء الطلق.
وحتى في حالات الاغلاقات الشاملة في حالات تفشي الوباء، فإن إغلاق المدارس كان خيارا اخيرا، كما ان المدارس بقيت مفتوحة لحالات الاطفال الاكثر ضعفا او ابناء العاملين في القطاعات الرئيسة.
بدوره، قدم الخبير في السياسات الصحية والاقتصاد الصحي، الدكتور يوسف زوانة، مجموعة توصيات أكدت أن لا بديل عن التعليم الوجاهي، ومهما تفشى الوباء مجتمعيا لا بد من بقاء قدر من التعليم بشكل وجاهي.
ووفق التوصيات، فإن التعليم عن بعد أثبت قصوره الشديد في تحقيق المتطلبات التعليمية، خصوصا في المدارس الحكومية، وترك انعكاسات خطيرة على المستوى التعليمي لجيل كامل لم يتلق تعليما حقيقيا كافيا طيلة فصل ونصف، فضلا عن أن الإغلاق المبكر للمدارس لم يمنع من الوصول إلى أعداد إصابات مرتفعة جدا ولا خفّض نسبة الوفيات في المستشفيات.
وتوقع أن يستمر انتشار وباء كورونا في التأثير على حياة المجتمعات في المستقبل المنظور، ما يؤكد أهمية اعتماد سياسات طويلة المدى تتيح للمجتمع أن يستمر في العمل والإنتاج في ظل الوباء.
ودعا زوانة إلى عودة العملية التعليمية الوجاهية بشكل منتظم مع بداية الفصل الثاني في رياض الأطفال والمدارس والجامعات، قائلا إن تخفيف الاكتظاظ في الصفوف والقاعات الدراسية وتطبيق الإجراءات الوقائية، كفيل بتحقيق شروط العودة الآمنة للتعليم.
وشدد على اهمية الانتقال من منهجية التعامل الكلي مع كل المناطق الجغرافية في المملكة إلى مبدأ إدارة الحالة الخاصة لكل محافظة بناء على مستوى انتشار الوباء وإشغال المستشفيات وقدرة المدارس والجامعات في تلك المحافظة على تطبيق الإجراءات الوقائية.
واشار زوانة إلى أهمية اعتبار المعلمين وأساتذة الجامعات، ضمن الفئات ذات الأولوية القصوى في الحصول الاختياري على لقاحات كورونا، وأن يكون التعليم وجاهيا في الجامعات، وأن تقوم الجامعات بإحداث نقلة في المحتوى وأسلوب التعلم عن بعد بحيث يكون تفاعلياً كاملاً.