19-01-2021 01:56 PM
سرايا -
محمد النواطير- كلثوم، كأيّ فتاة على هذه الأرض ، لديّها أحلام ،وعندها مذكرات ،ومن المؤكد أنّها مرّت بسّنِ المراهقة ،حلمت بفارس الأحلام ،رأت نفسها بأعلى المراتب حلمت بالشّهادة والوظيفة.
ترى نفسها أمام المرآة، تهتم بتفاصيلها ، و كلّ ذلك دون جدوى بعد أن غزت مخلوقات غريبة جسدها وشوّهت روحها من الدّاخل ،كسّرت مجاديف الأمل، حطّمت أحلامها الورديّة، وغيّرت مسار حياتها بأكمله ،سلب منها الآمال والأحلام.
تلك المخلوقات هاجمت جسدها وأضعفت قوتها ، وعملت ليلاً نهاراً بعد أنْ كبرت و لا مناص من مرضها ، فأصبحت تحيك الملابس، و كابوس مرضها القاتل، يلاحقها وتحاربه بإصرارها وقوة عزيمتها .
مرض نادر احتّل جسدها الضعيف ، تناجي الله ليلاً نهاراً لتخرج هذه الكائنات من جسدها النحيل، اعتادت على هذا المرض ، "وهي نعمة كبيرة قد أنعم بها الله على جسد ضعيف" .. تقول كلثوم .
كلثوم صاحبة عزيمة قوية وفتاة من نار، تحدت ظروفها المادية و لم تجعل من المرض أن يوقفها، كان يجب أن تعمل من أجل أن تؤمّن احتياجات عائلتها، و يجب أن تتخطى ذلك المرض، لتتخطى فكرة بأنّه لعنة ،إلى أنهُ نعمة كبيرة، وما الشيء الذي قد يأتي من ربّ العباد ولا يكون نعمة؟.
ثلاثة وثلاثون عاما من المعاناة، فلم يمنعها المرض من المضي قدما للعمل بهوايتها "حياكة الملابس" بعد خروجها من المستشفى و ما تلبث ان ترتاح قليلا ، ثُمّ تجلسُ على كرسي ماكنة الخياطة كي تكسب من عرق جبينها ، ولا تُشعر والدها الستيني بفاقتها التي لا تفرق عن فاقته شيء ، ولا تشعره بحجم الألم الّذي بداخلها ، إلا أنّ قوة وصلابة الإرادة وتحدي المرض جعلها تقف صامدة أمامه .
بيد أنّ الأطباء و الممرضين لم يتمكنوا من الوقوف بجانبها سوى لحظات خلال مكوثها في المستشفى ، ومراجعاتها المتكررة لهم.
ابنة الثلاثة والثلاثون عاما لم تأبه يوما بمرضها - النادر- بحسب وصف والدها ، والذي بدوره ما ترك بابًا إلا وطرقه حتّى تقرّ عينه وعين والدتها ، بشفاء ابنتهم التي ما إنْ تراها حتّى لا تكاد تصدق عينيكِ من قوة عزيمتها وإرادتها .
عانتْ الأمرّين من مرض عضال الّذي طافتْ به برفقة والدها وأمها أغلب مستشفيات وأطباء المملكة ، حتّى عجز الطب في الأردن ، ولم تعجزْ أو تجزعْ منه ، فبقيتْ صابرةً محتسبةً ، متسلحة بقوة الإرادة ، والتحمل الّذي يعجز عنه الرجال.
أصبح "الدود" رفيقها في الليل والنهار ، تراه يمشي على جسدها يتغذى منه ، ولم تدمعْ عينها ، محتسبةً ذلك لوجه الله.
والدها يتحسر عليها مستجيراً بالله أولا، وبجلالة الملك ، وجلالة الملكة ، ورئيس الوزراء ، وقائد الجيش ، ومدير الخدمات الطبيّة ثانياً ، كي يتبنوا علاج ابنته بعد أن أعياه ذلك ماليًا ومعنوياً ، ورغم أن ابنته صابرة إلا أنّ الأبوة تصرُّ عليه أن يسعى بكل الوسائل ويطرق كلَّ الأبواب ، لعلّه يجدُ أذانا صاغية وقلبًا رحيمًا ويدًا مفتوحة تمتدُ لتنقذَ ابنته من الدود الّذي ينهشُ جسدها بين حين وآخَر .
بسبب مرض ابنته دفع الآلاف الدنانير وأثقل كاهله الهرم ودينٌ تنوء عنه الجبال ، فهو حاله كحال أي أردني عفيف لا يمدُّ يده للغير لو كلفه ذلك حياته ، بحسب ما روى .
نعتذر عن نشر باقي صور الفتاة التي التقطتها لأنّ الصور تدمي القلوب وتدمع العيون وتقشعر لها الأبدان.