23-01-2021 02:47 PM
بقلم : مشعل خالد الخالدي
بداية ما هو المال وما هي طبيعته القانونية؟
لقد عرف المشرع الاردني المال في المادة 53 من القانون المدني بأنها: "كل عين او حق له قيمة مادية في التعامل".
وقد توسع المشرع الاردني في تعريف المال في قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب المادة رقم اثنان وذكر ان المال هو: "كل عين او حق له قيمة مادية في التعامل، والوثائق والسندات ايا كان شكلها بما في ذلك الشكل الالكتروني أو الرقمي منها التي تدل على ملكية تلك الاموال او مصلحة فيها بما في ذلك الحسابات المصرفية والاوراق المالية والاوراق التجارية والشيكات السياحية والحوالات وخطابات الضمان والاعتمادات المستندية ايا كانت الوسيلة التي يتم الحصول عليها بها"
ونلاحظ ان المشرع هنا كان قد اتخذ فكرا اكثر شمولية واقل جمودا حينما عرف المال فقد ذكره بكافة اشكاله المحتملة ومنها الصوراو الاشكال الالكترونية او الرقمية، فما هي الاموال الالكترونية وما هي انواع المال الالكتروني او الرقمي وما مدى صلاحية المال الرقمي القانونية في الاردن مقارنة بدول العالم الاخرى؟
لنتمكن من تعريف النقود او الاموال الالكترونية علينا ان نعرج قليلا على طبيعة النقود المادية (الورقية والمعدنية منها وما يقع على شاكلتها)
اولا تقسم الاموال النقدية المادية الى نوعين النوع الاول يكون مربوط بمخزون من الذهب كالدينار الاردني بحيث يكون مقابل المال الورقي الذي نتداوله مخزون احتياطي من الذهب، ليحفظ قيمة هذه الاموال ويدعمها
واذا ما ارادت الدولة طباعة المزيد من الاموال عليها ان تزيد وترفع احتياطي مخزون الذهب الخاص بها باختصار.
اما النوع الثاني من النقود المادية فيطلق عليه اسم المال الملزم او باللفظ الانجليزي المشتق من اللاتينية Fiat money
وهذا النوع من المال يختلف عن الدينار الاردني على سبيل المثال لا الحصر، بأنه غير مدعوم بمخزون احتياطي من الذهب ويعتمد على مدى تداوله في الاسواق لكسب قوته واغلب دول اوروبا تعمل به والدولار بالدرجة الاولى، وكلها تعتبر اموال ملزمة او اموال فيات
والرابط بين هذين النوعين من النقود المادية (ورقي معدني الخ) ان كلاهما خاضع لرقابة الدولة صاحبة العملة وبنكها المركزي فهي المتحكم المركزي بها وصاحبة السيادة عليها (سيادة غير مطلقة كون الغير يملك خيار تداولها دون احقية طباعتها وادارتها)
الان بعد ان اخذنا نبذه قصيرة عن المال او النقد المادي يمكننا فهم المال او النقد الالكتروني او الرقمي بشكل اسهل واكثر يسرا، فما هو النقد الالكتروني؟!
في حقيقة الامر ان التشريعات العربية في مجملها لم تضع تعريفا يحاكي حقيقة الاموال الرقمية بكافة صورها
فاغلبها ذهب حين تعريفه للمال الالكتروني الى المال النقدي المادي المودع في البنك الذي يتم نقله الكترونيا، فمثلا يقوم صاحب المال المودع بالبنك باستخدام الحاسب الآلي بتحويل المال المادي المودع في البنك الكترونيا فهنا هذا لا يحقق جوهر المال الالكتروني ونرى انه اقرب ما يكون الى كونه اداة وفاء وليس عملة قائمة بحد ذاتها منفصلة عن العملة المادية الورقية
فقد ذكر المشرع في قانون المعاملات الالكترونية لعام 2015 في المادة رقم 21 انه "یعتبر تحویل الأموال بوسائل إلكترونیة وسیلة مقبولة لإجراء الدفع"
فحينما يحول شخص لاخر المال بهذه الطريقة يذهب المحول له المبلغ (المستفيد) للبنك او الصراف ويسحب الاموال كنقود مادية ورقية وهذا يعيدنا لنقطة الصفر، فقد عاد المال الى صورته الورقية وهذا ليس جوهر النقد الالكتروني الذي يجب ان يكون رقمي ويبقى كذلك بحيث ينتقل من محفظة الكترونية الى اخرى تماما كما الدينار الورقية التي تخرجها من محفظتك وتعطيها لبائع الخبز الذي ينقلها بدوره لاخر يضعها في محفظته وثم يعطيها لاخر وهكذا...
المال الالكتروني يجب ان يبدأ مؤتمتا ويبقى كذلك ويكون اداة للوفاء بصورته التي هو عليها، ويتم تداوله من شخص لاخر تماما كالدينار الورقية التي تعطيها للخبار وتنتقل من شخص لاخر، فبدلا من ان تعطيه دينار ورقية تخرج هاتفك وتقوم بتصوير ما يشبه الباركود ويتم تحويل الدينار للخباز وفي نهاية اليوم يأتي موزع الطحين للخباز ويخرج الخباز هاتفته ويدفع لموزع الطحين بذات الطريقة –اي من هاتف الخباز لهاتف موزع الطحين- وتبقى هذه الدينار ذات قيمة ولا يجب تحويلها لعملة ورقية لكي تصبح مجدية وانما يكفي ان تكون بصورتها الرقمية التي هي عليه لتعتبر اداة وفاء ومالا حسب تعريف المادة 53 من القانون المدني
فلو اردنا ان نستخرج تعريفا "مبسطا" مما سبق ذكره نجد ان النقد الالكتروني هو: بديل للعملة او النقد التقليدي (الورقي والمعدني) واداة للتدوال والوفاء تحمل صبغة رقمية او الكترونية يحتفظ بها داخل محفظة على اي جهاز الكتروني تسمى بالمحفظة الالكترونية، ويصح تداولها تماما كما يتم تداول العملة الورقية فهي تعتبر اداة للوفاء وصالحة للتداول.
الى هنا نحن قمنا بتوضيح النوع الاول من النقود الرقمية وهو النقود الرقمية الخاضعه لرقابة البنك المركزي ويمكن ان تكون مدعومة باحتياطي ذهب كالدينار الاردني او ان لا تكون مدعومة كالدولار، الامر المهم ان تكون خاضعة للبنك المركزي، وكل دولة تماما كما العمل الورقية تتخذ لها عملة رقمية خاصة تقوم مقام الورقية ومن الدول التي شرعت فعلا بتطبيق هذا الامر الصين وقريبا بريطانيا وبعدها سنغافور وامريكا وغيرها من الدول.
اما النوع الثاني من العمل او النقود الرقمية فانها تلك العمل التي لا تخضع لرقابة او سلطة بنك مركزي او اي سلطة اخرى فهي حرفيا تسمى عملة رقمية لا مركزية
Decentralized currency
وعلى عكس النوع الاخير الذي ذكرناه (العمل الرقمية المركزية) فأن العمل او النقود اللامركزية لا سلطة للدول ولا لبنوكها ولا لسلطاتها او بنكها المركزي عليها، فهي ببساطه تعتمد على التعامل بين المتداولين
peer-to-peer digital money
ولعل اوضح مثال على هذا النوع من العمل عملة البيتكوين
والتي كانت قيمتها عام 2008 لا تتجاوز الدينار وفي هذه اللحظة التي اكتب بها هذا المقال وصلت قيمتها الى 25 الف دينار اردني للبيتكوين الواحدة التي كانت قبل 12 عاما اقل من دولار، مع توقعات من مختصين ان تتجاوز ال200 الف خلال ال5 اعوام القادمة
فما سر هذه العمل ولماذا تعمل الحكومات ضدها؟
ببساطة لان لا احد يملك سلطة عليها سوى من يتداولها، بحيث ان زيادة التداول يساوى ارتفاع بالسعر، وانخفاض التداول يعني انخفاض بالسعر ومع زيادة تداول البيتكوين الان نرى انها وصلت لارقام خيالية ولن تتوقف عندها لان عدد المستخدمين يزيد كل يوم
ولعل الفرق الاساس بين هذين النوعين من العمل ان الاول يمكن ان يتم مراقبة تداوله واصداره وانتقاله من محفظة لاخرى، كما ان الدولة مصدرة العملة تملك السلطة علي عملتها وتمارسها عن طريق البنك المركزي والبنوك الاخرى فهي تماما كالنقود الورقية في خصائصها وصفاتها، باستثناء انها غير ورقية.
اما الرقمية اللامركزية فانها غير ثابتة بالنسبة لسعر الصرف فقبل ثوان كانت 25 الف بعد ثوان يمكن ان تهبط ل24 وتعاود الصعود ل26 وهكذا...
كذلك يستحيل تعقب انتقال الاموال مما يساعد على دعم الارهاب وغسيل الاموال وتمويل المنظمات المشبوهة وغيره
لذا الحكومة تحارب الاخيرة وتتجه ببطىء نحو الاولى (النقود المركزية الرقمية)
ويبدو ان الحكومة الاردنية بدأت بالفعل بايجاد المناخ التشريعي لمواكبة التطورات التي تحدث في العالم، وقد صرح احد المختصين انه قبل العام 2025 قد يتم اطلاق عملة رقمية اردنية مكافئة للدينار مع استهداف ان يكون التداول المالي رقميا بالكامل بحلول العام 2030