23-01-2021 06:24 PM
بقلم : اسامة الاسعد
في البداية يهمني التذكير بأن الصناديق هي التي اتت بشخصية من مثل شخصية الرئيس دونالد ترمب في العام 2016 و كذلك الصناديق هي من تسببت في مغادرته البيت الابيض في الانتخابات الاخيرة 2020، و هذا يدل على عمق المؤسسة اكثر من اي شيئ آخر، فعلى الرغم من دخوله المعترك السياسي متقلبا على افضل تقدير فقد انضم للحزب الجمهوري في 1987 ثم غادره الى حزب الاصلاح في 1999 (حزب امريكي اسس عام 1995 و لا يتجاوز عدد اعضاءه 20 الف، اسسه رجل الاعمال الامريكي روس بيرو) ثم غادره الى الحزب الديمقراطي في 2001 و اخيرا عاد الى الحزب الجمهوري في 2009 و ترشح للرئاسة في 2000 و 2016 و 2020. و على الرغم من احداث 6 يناير 2021 غير المسبوقة في الكابيتول هيل من انصاره البيض و على الرغم من ازدراءه لكثير من الاعراف الامريكية الراسخة الا ان النصر كان بالنتيجة للمؤسسة، و ايما انتصار.
ثم و بالعودة الى الرئيس الجديد للولايات المتحدة (2021) (رقم 46) جو بايدن و هو ديمقراطي خدم في مجلس الشيوخ (1973 – 2009) و كان نائب الرئيس باراك اوباما (2009 – 2017)، فانني وجدت من المناسب القاء بعض الضوء على حقائق محددة ذات صلة قد تسهم ولو بالقليل في فهم تعقيدات السياسة الامريكية.
الرئيس بايدن كاثوليكي من اصول ايرلندية و بذلك يكون الريئس الثاني في كل عمر الدولة الامريكية بعد الرئيس جون كينيدي الكاثوليكي و من اصول ايرلندية ايضا. حيث معظم رؤساء الولايات المتحدة هم من البروتستانت و نعلم ان للشأن الديني في قيادة الولايات المتحدة اعتبارات - انتخابية على الاقل - لا تتوفر في دول آوروبا، على الرغم من علمانية الدولة.
اما الرئيس اوباما فقد زاد لمعانا عندما دعمته في العلن زوجة المرشح الديمقراطي للرئاسة روبرت كندي في العام 1968 الذي جرى اغتياله في ذات العام بعد ان تفوق على منافسه الجمهوري مباشرة، و كذلك دعم ترشح اوباما بقوة كل من السيناتور ادوارد كندي اضافة الى ابنة الرئيس جون كينيدي الذي اغتيل في 1963، و هذا له مدلولاته في السياسة الامريكية، اما روبرت كينيدي فكان العدو اللدود لادغار هوفر رئيس مكتب التحقيقات الفدرالية لما يقارب 40 عاما حيث خدم الرؤساء روزفلت، ترومان، ايزنهاور، كينيدي، جونسون و نيكسون، و كان هوفر متهما بالتعدي على الاقليات و اساءة استخدام السلطة من قبل محققو الهيئة التشريعية العليا في الكونغرس، و كان يسخر وقته في اصطياد الشيوعيين مهملا الجريمة المنظمة التي تنامت في اميريكا في تلك الفترات. كذلك لابد من الاشارة الى ان مارتن لوثر كنغ كان من اشد الداعمين لروبرت كينيدي قبل ان يغتال في ابريل 1968 و بعده روبرت في يونيو 1968 ايضا ما يضع الباحث في الامر امام معضلات سببها قلة المعلومات المتاحة و عدم دقة المتاح منها. خاصة وان قاتل روبرت (المزعوم) شاب فلسطيني يدعى سرحان سرحان ! و كان روبرت كغيره من عائلة كينيدي داعما لمعظم القضايا العادلة في ذلك الحين من التاريخ ! و بالعودة على قاتل جون كينيدي (المزعوم) لي هارفي اوسولد فقبل محاكمته اغتاله شاب يهودي يدعى جاك روبي ! ثم مات روبي و قيل انه مات بالسرطان بعد فترة بسيطة من اغتياله لاوسولد و بقيت قصة وفاتهما (الفلسطيني و الاسرائيلي) مريبة ينقصها الكثير من الوضوح، ناهيك عن عدم توثيق اي رواية لاغتيال الرئيس كينيدي نفسه فهناك من قال انه عمل فردي و هناك من ادعى المؤامرة تارة بالقاء اللوم على الاتحاد السوفيتي و اخرى بالقاء اللوم على اسرائيل لاصراره على تفتيش مفاعل ديمونة و كذلك قيل ان سائق سيارته يوم الاغتيال هو الفاعل ! و يذكر المؤرخون هوفر بكل سوء و شك عند فتح سيرة اي من هذه الاغتيالات ! الشاهد في هذا البحث المتواضع ان هناك ربط بين الرؤساء الذين جيئ على ذكرهم بطريقة او بأخرى (جون كينيدي – باراك اوباما – جو بايدن) اذ حتى التناقض في الروايات حولهم يربطهم ببعضهم البعض بشكل او بآخر.
ثم هناك قضية رمزية اخرى و لكنها ذات ابعاد سياسية لناحية نصف تمثال ونستون تشرشل الذي ازاحه الرئيس اوباما من المكتب البيضاوي في البيت الابيض ثم اعاده الى موقعه الرئيس ترمب ثم عاد الرئيس بايدن و ازاحه ! و تشرشل هو رئيس وزراء بريطانيا عدة مرات بين الاعوام 1940 و 1955 و كان من اشد المناوئين لاية نزعة استقلالية لدى الايرلنديين و قيل انه هو من قاد الحرب الاهلية في الجنوب من تلك البلاد، و هذا ايضا له مدلولاته التي قد تتجاوز الرمزية.
و هناك قضية اخرى جدلية بامتياز و لكنها حازت على جزء معتبر من كتابات الباحثين و المفكرين على مر القرون منذ السنوات الاولى للمسيحية مفادها بأن الكاثوليك يتهمون اليهود بصلب المسيح و اضطهاد تلاميذه في عهد الامبراطورية الرومانية و على اراضي فلسطينية، و بأن الدول الكاثوليكية هي اكثر احتمالا لايواء اراء معادية للسامية من تلك في البلدان البروتستانتية.
و اليوم و لغايات القاء بعض الضوء على خطط الديمقراطيين طويلة الامد فان هناك اكثر من عشرة ملايين مهاجر غير شرعي الى الولايات المتحدة يستعد الرئيس الجديد بايدن الى تصويب اوضاعهم ضمن مسار قانوني واضح ينتهي بتجنيسهم ! و هم عندها اصوات لصالح الديمقراطيين دون ادنى شك و هنا نعود مجددا للربط بالحديث عن الاقليات و الملونيين و انجازاتهم في العشرين سنة الاخيرة حيث رأينا منهم من تولى مناصب هامة في الولايات المتحدة (باراك اوباما، رونالد براون، كونداليزا رايس، كولن باول و آخرين و اخيرا كامالا هاريس – نائب الرئيس بايدن) و ما الاقبال الهائل على التصويت في انتخابات 2020 الا دليل على الرغبة عند هؤلاء لاثبات الذات وسط دراسات تكاد تؤكد بأن غالبية السكان مستقبلا ستكون من الملونين على حساب العرق الابيض الاوروبي الساكسوني على ان هذه الدراسات افضت الى امكانية نشوء حرب اهلية لا سيما من المنظمات المسلحة المتعصبة من مثل كو كلوكس كلان و غيرهم ممن يعتقدون بأن البلاد ستفقد هويتها التاريخية. و الحقيقة ان الباحثين هنا ذهبوا الى ابعد من ذلك في سرد المشكلات المتوقعة بسبب زيادة الملونين و اللاتينيين على حد السواء على ان كل هؤلاء يجتمعون على مبادئ الحزب الديمقراطي بطبيعة الحال لا الجمهوري المتحفظ و هذا ما وددت ربطه هنا لناحية الفوز التاريخي الذي حققه الديمقراطيين خلال هذه النوبة من الانتخابات التاريخية (رئيس كاثوليكي من اصول ايرلندية و نائب رئيس سيدة و ملونة لاول مرة في تاريخ الدولة الامريكية، و عدد هائل من اليهود في ادارة بايدن لم يسبقه اليه رئيس) و قد يقرأ ذلك و خلال هذا السرد التاريخي على انه تناقضات و لكنه ليس كذلك اذا ما علمنا ان الحكومة الاسرائيلية قلقة و لا تعتقد ان رئيس امريكي سيقف مع اليمين عندها كما وقف الرئيس ترمب و لا ننسى مقولة اوباما في 2008 "بأنه ليس بالضرورة ان تكون من مؤيدي حزب الليكود لكي تكون صديقا لاسرائيل" ! ثم ان بايدن نفسه قال لمتبرعين يهود في حملته انه سيقوم بعكس سياسات ترمب التي تضر بالسلام لا سيما الضم (و هنا ارجو ان لا يفهم انني اوافق على اي تعريف للسلام اتت به اي ادارة امريكية بالمطلق) ناهيك عن ان اليهود في حكومة ترمب كانوا من اليهود المحافظين و معظمهم من الارثودكس اي لديهم لغة مشتركة مع اليمين الاسرائيلي بينما معظم من اتى بهم بايدن هم من اليهود الليبراليين الذين و في احيان كثيرة يجدون صعوبات في تفهم بعض مواقف الحكومة الاسرائيلية لا سيما لناحية المبالغة في تقدير الدور الايراني في المنطقة و تحديدا في الموضوع النووي.
و الآن بعد ان استولى الديمقراطيين في انتخابات 2020 على البيت الابيض و مجلسي النواب و الشيوخ سيكون لزاما عليهم التخطيط للبقاء اطول ما يمكن خاصة و ان هناك بعض التمزق في صفوف الكونغرس (10 جمهوريين صوتوا لعزل ترمب في قرار العزل الثاني على عكس الاول الذي لم يصوت فيه جمهوري واحد و هذا له مدلولاته) ناهيك عن فقدان معظم الجمهوريين لمصداقيتهم (اعلاميا و بالتالي شعبيا) بسبب ترمب و تداعيات ادارته، ثم ان هناك محاكمة منتظرة للرئيس السابق ترمب في اروقة الكونغرس تهدف على اقل تقدير الى منعه من العودة الى اي نوع من انواع الحياة السياسية في الولايات المتحدة. كما لاحظ العالم سرعة بايدن و في يومه الاول الى عكس عشرات القرارات و المراسيم التي كان اتخذها سلفه سواء على الصعيد الداخلي (كوفيد و غيره) او على الصعيد الخارجي تمهيدا لاعادة امريكا الى موضعها الهام في المجتمع الدولي.
وهنا يهمني ان اؤكد انني لست في معرض التوصل الى اية خلاصة للسرد التاريخي في هذه المقالة بقدر ما يهمني تسليط الضوء على حقائق تتعلق بالدولة الامريكية في هذه الفترة الحساسة من عمرها.
اسامة الاسعد / مستشار سابق في رئاسة الوزراء
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-01-2021 06:24 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |