30-01-2021 08:35 AM
سرايا - صدر مؤخرا عن دار الفينيق للنشر والتوزيع بعمّان، رواية «زاويةُ الشَّمس» للكاتبين
د.عزّالدين الصغير وميّة شلبي كفري، بغلاف خارجي للفنان المقدسي شهاب قواسمي.
تكونت الرواية التي جاءت في 320 صفحة من القطع المتوسط، من 48 فصلا، في إشارة إلى
تاريخ النكبة، ومن عناوينها: غياهب الزمن وسط صهيل الخيول، على خط المقاومة
الأمامي، ميلاد حياة، أشلاء روح في غياهب العتمة، حول جذور عقدة الضمير الصهيوني
الغربي التعيس، وثائق وطروس نضال، رحلة كلمات تحفر في صخر...
منذ البداية تحدّد الرواية إطارها المكاني، ومناخها العام والقيمي، فالوجهة فلسطين
بامتدادها التاريخي والإنساني والأزلي. وكأنّنا بالكاتبين يريدان من نصهما السردي أن
يكون رمزَ مقاومة وشعاعَ حقٍ يخترق ذاكرة النسيان فيبددها كما تخترق أشعةُ الشمس
الظلّ فتبيد عفنه.
تراهن الرواية على الرمزية انطلاقا من عنوانها وصولا إلى كاتبيها اللذيْن باعدت بينهما
الجغرافيا لكنّ فلسطين جمعتهما ليشتركا في كتابة نص سردي رفيع ليس فقط على
مستوى حبكته وتقنياته السردية ولغته الباذخة وإنّما أيضا لما تضمنه من حقائق
وشهادات حوّلت الرواية في كثير من أجزائها إلى شاهد على العصر دون أن تفقد هويتها
السردية كرواية بكل ما تُبنى عليه من حبكة وبنية متماسكة العناصر.
وتشدّ الرواية القارئ بما تستعرضه من معلومات دقيقة طرقت بها أبواب التاريخ
والسياسة والجغرافيا لتوثق ما حدث. وكأننا بالرواية تريد أن تتجاوز حدودها السردية
لتتحلى بمسؤوليتها الإبداعية نصرةً لفلسطين. وهو ما يجعلنا نقول إنّ الرواية كجنس
أدبي نصٌّ إنساني بامتياز يواكب اختلاجات القلب وانشغالاته الفكرية والمصيرية وما
يعيشه الكاتب في واقعه من أحداث وما يشغله من قضايا.
تشدّ الرواية قارئها منذ بدايتها التي تمزج بين التجريد والواقع ضمن ثنائية المرئي
واللَّامرئي وبين الرمز والواقعي لتجعله يتتبع سير أحداثها وشخصياتها، فيبدو الفصل
الأول الذي جاء تحت عنوان «هندسة خرائط وأصداء أشباح» كقصيدة عشق متخمة بالوجع
والتساؤلات الإنكارية التي يطرحها «ريان»، الشخصية الأولى التي تدفع تقدُّم الرواية إلى
أرضيات أخرى: «هل في عمق وحدة شبحي وعزلتي تسمعني مجرات النجوم والأمطار
والثلوج المتساقطة في قلبي؟ هل الطيور ستستيقظ في عمق الليل للإصغاء لحكاية
القدس المتصادية في المقابر الممحاة». ليبدأ «ريان» باكتشاف بُعد آخر لعلاقته بالقدس
والأشخاص والحيوان والأشياء: «أنا شبح، أعيش حلما أرّق الزمن وأنهك الناس، ولم أستطع
إلا أن أكون شبح قدر، أتمرد عليه حتى إعادة روح ظلي، ظلك أنت المسلوب كما الظلام
سلب التاريخ وغمر دربك. الشبح شبحي أيتها الشمس، لا مساحة أخرى أمتلك إلا سطح
المسجد الأقصى، حيث يترنح قلبي مطوَّقا بجثث الغربان والحمائم».
وبذلك تستوي اليقظة بالحلم، فكأنّ الرواية رحلة عبر الزمن باعتمادها على مراوغة
محترفة بشكل يماثل الصدى ورجع الصدى تتشاركه «يافا» مع بقية الشخصيات، وكأنها
تريد أن تضع أمام القارئ كل ما يتعلق بفلسطين ليفهم كل شيء، بما في ذلك خارطة
البيت السياسي الفلسطيني بكل تجاذباته وشعاراته وتوجهاته.
تتبع الرواية مسارا دائريا، حيث تصل في نهايتها إلى نقطة بدايتها: «العودة إلى نقطة
الصفر بداية كل البدايات»، وكأنها تحاكي بذلك ما يعيشه الإنسان العربي. فهو مع كل
أزمة يمر بها يعود إلى نقطة البداية. يطرق ذات الباب ويعيش الفقد نفسه والخسارات
نفسها.
ورغم ما تبديه الرواية من ألم يقترن بوجع الخسارات والشتات والانقسامات، لا يمكن أن
نتجاهل ما تضمنته كذلك من أمل عبّر عنه الكاتب والكاتبة بصورة غير مباشرة سواء في
الإهداء الذي صدّرا به الرواية وخصّا به المرأة المقاومة التي تأخذ على عاتقها تربية الأجيال
وبناء الأمم (إلى من تنسج من نور عينيها شهبا تنير الدروب نسير بها متلمسين
خطواتها، أينما توجهت إليك أيتها المرأة المقاومة على كل جبهات العالم، لروحك
وتخليدا لنبض قلبك وإيمانا منا بدورك في بناء الأمم المتحضرة، نسطر روايتنا هذه
مستترين بخطاك)، أو بما ختما به الرواية على لسان أحد شخوصها: (هيا لنسرع إلى
الزاوية، حيث الشمس تنمو بإيقاع الأناشيد ورقص الدراويش). وكأننا بهما يقولان لنا من
خلال روايتهما: «شعب يتقفى زوايا الشمس شعب لا يموت ولا يُهزم».
وتجدر الإشارة إلى أنّ د.عز الدين صغير أكاديمي وشاعر تونسي متخصص في تعليم
الحضارة والأدب الفرنسي في الجامعة التونسية وله كتب نقدية عديدة. أما الكاتبة مية
شلبي كفري فهي متحصلة على الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة بيرزيت في رام
االله، صدر لها: «لستُ امرأة من ورق» (2018 ،(ودراسة بعنوان «ثقافة المدرسة»