03-02-2021 08:56 AM
سرايا - في سياق احتفال الأردنيين بمرور مئة عام على تأسيس أولى البنى الإدارية والسياسية
والثقافية في مشروع دولتهم الحديثة، تحتفي «$» برموز الإبداع والوعي الذين أضاءوا
بقناديلهم دروب المسيرة، وأسهموا بنتاجاتهم في صياغة الوجدان، ودوّنوا بإبداعهم
على صفحة هذا الوطن سيرته وسرديته.
وتقدم هذه الزاوية على مدار العام تعريفا بشخصيات إبداعية تركت منجزاتها بصمات
واضحة في التاريخ الحديث.
روكس العزيزي..
سادن التراث
نفخ على جذوة التراث فأحاله جسرا من القيم بين الماضي والحاضر، واسرج مبكرا راحلته
فجال في حياة الناس وأعاد ترتيب دفاتر ذكرياتهم. إنه روكس بن زائد العزيزي الذي بدأ
التجوال بين الناس ليكتب ذاكرتهم ويفتش في تاريخهم ويلتقط من شفاههم كل ما
يريد، وما بين عامي 1922 و1938 ،ظل يكتب كل ما تعلق بحياتهم على أوراق كثيرة بلا
ترتيب، وكان يبتهج كلما جمع المزيد منها.
ولد العزيزي في مادبا سنة 1903 ،وبدأ حياته فيها، وانطلق في رحلة العلم من مدرسة
الدّير التابعة للبطريركيّة اللاتينيّة في القدس وبقي فيها حتى أغلقت، لكنه لم يترك
العلم، فبدأ يقرأ من مكتبة والده الصغيرة التي كانت تحوي في جنباتها الكتاب المقدّس،
والقرآن الكريم، و«كليلة ودمنة»، وبعض الكتب المتفرقة.
بدأ العزيزي مهنة التعليم مبكرا وهو في سن الخامسة عشرة، وكان ذلك في مادبا خلال
الفترة 1918-1925 ،ثم انتقل إلى مدرسة السلط، فمدرسة اللاتين، ثم إلى مدرسة عجلون
التي أسهم في تحقيق نهضة مسرحية أردنية فيها، من خلال نادي عكاظ الذي أسسه.
وعاد إلى عمان في عام 1942 ،وكان في ذلك الوقت يمارس الكتابة في صحف منها «رقيب
صهيون» في القدس، ويدرس القانون خارج الجامعة.
وما بين القدس وعمان عاش العزيزي نكبة فلسطين، ونُهب منزله، وسُرقت مخطوطاته،
وشعر بحزن شديد على ضياع فلسطين، لكن ذلك لم يمنعه من أداء واجبه تجاه الوطن،
فظل وفيا لمهنة التعليم، وبقي يدرس في كلية تراسنطة في عمان حتى عام 1956،
وفي العام نفسه نال دبلوماً في الصحافة من جامعة القاهرة، لكنه لم يترك التعليم حتى
عام 1974 ،وخلال هذه المدة جايل العديد من الكبار مثل الأب انستانس الكرملي
وميخائيل نعيمة وسلامة موسى ورشيد خوري وأحمد زكي أبو شادي، الأمر الذي جعله
يؤسس لجيل من الأدباء والمفكرين والباحثين الأصلاء في مجالات التراث والمسرح،
مبدعون على ضفاف المئویة - صحیفة الرأي 2021/3/2
5/3 ثقافة-وفنون/مبدعون-على-ضفاف-المئویة/10575469/article/com.alrai
فأسس العزيزي الفرق المسرحية خلال وجوده في مدرسة دير اللاتين، وعمل في تأليف
المناهج خلال وجوده في مدرسة عجلون، وكان يعلّم الطلاب القواعد والتاريخ والجغرافيا
والتمثيل والمسرح.
بدأ العزيزيّ الكتابة والتأليف في عام 1922 ،فكتب في «رقيب صهيون»، وجريدة «الأحوال»،
و«صوت الشّعب»، و«الكرمل» و«الجهاد» و«العرفان» و«أبولّو»، والعديد من المجلات الثقافية
التي كانت تصدر في ذلك الوقت.
وعلى صعيد الكتب أصدر العزيزي أوّل كتبه في عام 1956 وهو كتاب «فريسة أبي ماضي»
ثم صدر له كتاب مشترك مع الأب جورج سابا بعنوان «مادبا وضواحيها»، ثم نشر بحثًا
بعنوان «الشعر الشعبي البدوي» في مجلّة «الفنون الشعبيّة» الفصليّة. أما إصداره الأهم:
«قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنية» فقد نشرته وزارة الثقافة سنة 1974 ،وأعادت
نشره في عام 2004 ،وقد كان هذا القاموس في ثلاثة أجزاء. وأصدر أيضا «مَعلَمة التراث»،
وهو الكتاب الذي يعد مرجعا أساسيا للبحث في العادات والتقاليد الأردنيّة، ومن أهم
الكتب التي تفسر السّلوك الاجتماعيّ في الأردن، وجاء في خمسة أجزاء.
ومن إصدارات العزيزي أيضا: كتاب «نمر العدوان شاعر الحب والوفاء، حياته وشعره»، وكتاب:
«الشّرارات من هم؟ تصحيح لأوهام التاريخ»، وكتاب «توثيق الأعلام».
العزيزي الذي كان من أوائل الذين نبهوا للتراث الشعبي وأهميته وعلاقته بالأدب، نقل
التراث من اهله ولم ينقله عن الكتب، وتدين له الأجيال الحالية بالفضل لإثرائه المشهد
الثقافي الأردني ومحافظته على التراث من خلال مؤلفاته التي بلغ عددها سبعين مؤلفا،
إلى جانب مقالاته ومشاركاته الأدبية التي جعلت منه مرجعا في اللغة العربية، ومن الروّاد
الأوائل الذين عملوا بجهود فرديّة عصاميّة أمام ضعف الإمكانات وكثرة الصعوبات، وكان
بذلك مثالا للمثقف الجذري.
ومارس العزيزي النقد خلال العشرينيّات وأوائل الثلاثينيّات على صفحات مجلة «الإخاء»
القاهريّة. وكان نقد العُزيزي –باعترافه هو نفسه– حادّاً، وأحياناً عنيفاً، وشهدت مجلّة
«الإخاء» نفسها في عام 1930 مناظرةً نقديّةً لغويّة بين العُزيزي ومصطفى جواد من
العراق، حول قاموس «المُنجد»،
وهو من مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين عام 1974 ،وانتُخب رئيسًا لها عام 1976 ،كما
كان عضوا في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وعضوا في جمعية حقوق الإنسان منذ عام
1956 ،كما كان عضوا في النادي الثقافي في جدة، ورابطة الأدب الحديث بالقاهرة، بالإضافة
إلى حصوله على عضوية الشرف في مجمع اللغة العربية بالأردن.
له قصائد نشرت بجريدة «الأحوال» البيروتية، والأعمال الشعرية الكاملة (مخطوط). وله
مسرحيتان: «فلسفة الخيام» و«الأرض أولاً»؛ وثلاثة مؤلفات في تاريخ الأدب: «المنهل في
تاريخ الأدب العربي»، و«تطور الشعر في البادية»، و«مفاهيم عصرية في الأدب»؛ وأربعة
مؤلفات في التراجم: «سدنة التراث القومي»، و«شاعر الإنسانية»، و«الإمام علي أسد الإسلام
وقديسه»، و«نمر العدوان شاعر الحب والوفاء»؛ ومختارات بعنوان: «الزنابق» (مختارات من
الشعر والنثر جاءت في 7 أجزاء),.
وللعزيزي أربعة مؤلفات في التاريخ، هي: «الخلافة التاريخية»، و«الأردن في التاريخ وهيئة
الأمم»، و«النظام الإداري في العصر العباسي»، و«النظام المالي في العصر العباسي». وله
عدة مؤلفات شاركه آخرون في تأليفها.
كان العزيزي أول مراسل صحفي أردني لجريدة «الأحوال» اللبنانية، حصل على العديد من
الجوائز والأوسمة منها: وسام التربية والتعليم، وسام الصليب الأبيض، وشهادة يوبيل
الملك الحسين في الأدب عام 1977 ،ووثيقة التقدير الذاتية عن أعماله المتميزة عام 1982،
وجائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب، ووسام الحسين للعطاء المتميز.
توفي روكس العزيزي في 21 كانون الأول 2004 عن عمر يقارب مائة عام.