15-02-2021 05:01 PM
سرايا - يحاول الروبوت الجوال ”برسفيرنس“ التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) الهبوط الخميس على سطح المريخ في مهمة محفوفة بالمخاطر تأتي بعد رحلة دامت سبعة أشهر، وتشكّل بداية عملية تستمر سنوات بحثا عن آثار حياة سابقة على الكوكب الأحمر.
وتحمل بعثة ”مارس 2020“ التي أقلعت في نهاية يوليو/ تموز الفائت من فلوريدا المسبار ”برسفيرنس“، وهو الأكبر والأكثر تطورا بين المركبات التي أرسلت حتى اليوم إلى الكوكب الأحمر.
وبني الروبوت الجديد الذي يبلغ وزنه طنا واحدا في مختبرات ”جيت بروبالشن لابوراتري“ الشهيرة التابعة لناسا، وهو مجهز بذراع آلية طولها متران، وبما لا يقل عن 19 كاميرا، إضافة إلى جهازي مايكروفون للمرة الأولى.
وفي حال وصول الروبوت الجوال دون أضرار سيكون الخامس الذي ينجح في هذه الرحلة منذ العام 1997. وكل هذه المسبارات أمريكية، ولا يزال واحد منها فحسب، وهو ”كوريوسيتي“، ينفذ مهمته على الكوكب الأحمر.
إلا أن الصين وضعت الأسبوع الفائت مسبارها ”تيانوين-1“ في مدار المريخ حاملا الروبوت المسيّر ذا العجلات الذي يتوقع أن يهبط على سطح المريخ بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران المقبلين.
ومن المنتظر أن يضع ”برسفيرنس“ عجلاته الستّ في الثامنة والنصف من مساء الخميس بتوقيت غرينيتش على موقع هبوط ”مذهل“، بحسب تعبير العالم المشارك في المشروع كين فارلي.
وهذا الموقع هو فوهة جيزيرو التي كان من المقرر أن تهبط عليها المركبة المرسلة سابقا وأبرزها ”كوريوسيتي“، لكنه استُبعِد في حينه إذ اعتُبِر شديد الخطورة. لكنّ التكنولوجيا الجديدة المعتمدة اليوم باتت تتيح محاولة الهبوط في هذا الموقع.
وبسبب كورونا، ستكون غرفة التحكم في ”ناسا“ أقل ازدحاما من المعتاد، لكن هذا لن يمنع فريق الوكالة ”من القفز في الهواء“ فرحا بمجرد تأكيد الهبوط، على ما وعد نائب رئيس البعثة مات والاس.
ومن المفترض أن تصل الصور الأولى للسطح بسرعة وبدقة منخفضة بعد الهبوط. على أن تسجّل في وقت لاحق لقطات فيديو بينها مشاهد لدخول الغلاف الجوي.
بحيرات وأنهر
ويظن العلماء أن فوهة جيزيرو كانت تضمّ قبل ثلاثة مليارات ونصف المليار سنة بحيرة عميقة يبلغ عرضها 50 كيلومترا.
وأوضح فاربي أن المريخ كان في ذلك الوقت ”مشابها جدا للأرض من نواح عدة، إذ كان له غلاف جوي كبير، وكانت فيه بحيرات وأنهر (…) وهي أماكن يمكن أن تزدهر فيها الكائنات الحية المعروفة“.
وأشار إلى أنها ”البيئات الوحيدة المعروفة الصالحة للحياة خارج الأرض“.
وتعتبر ”مارس 2020“ أول بعثة يتجسد هدفها صراحة بإثبات وجود حياة سابقة على الكوكب الأحمر.
ولتنفيذ هذه المهمة، سيتعين على ”برسفيرنس“ الذي يتحرك بسرعة تفوق بثلاثة أضعاف سرعة تحرّك المركبات الجوالة السابقة، أن يجوب على مدى سنوات عدة أكثر من عشرين كيلومترا تختلف البيئات فيها.
وسيستكشف ”برسفيرنس“ الدلتا التي تتشكل من نهر كان يصب في تلك الحقبة في البحيرة، ثم يعاين ما يمكن أن يكون شاطئ هذه البحيرة، و أخيرا يتسلق حواف الفوهة.
وسيتولى ”برسفيرنس“ في كلّ موقع أخذ عيّنات، يتوقع أن يصل عددها الإجمالي إلى نحو الثلاثين، يجري تحليلها في المختبرات الأكثر كفاءة على الأرض، سعيا إلى العثور على آثار مجهرية لكائنات قديمة.
وسيتم حفظ الأنابيب التي تحتوي على العينات بعناية حتى تتمكن مهمة لاحقة من العودة لإحضارها في ثلاثينيات القرن الحالي.
وتتمثل خطة ”ناسا“ في نقل العينات إلى صاروخ ووضعها في المدار، على أن تتولى استردادها مركبة فضائية أخرى لاحقا.
وقال كين فارلي إن ”العلماء الذين سيدرسون هذه العينات ما زالوا في المدرسة اليوم، وربما لم يولدوا بعد“.
تصنيع الأكسجين
وشرح العالِم طبيعة آثار الحياة المرتقب العثور عليها، فاستبعد أن تكون مثلا ”سنا أو عظمة أو ورقة متحجرة“، بل على الأرجح آثار حياة جرثومية، واصفا اكتشافا كهذا بأنه سيكون ”مذهلا“.
إلا أن الأشهر الأولى لعمل الروبوت الجوّال لن تُخصص لهذا الهدف الأول. وتتضمن الخطة كذلك تجارب موازية.
وبعد وصول المركبة إلى المريخ ستحاول ناسا تشغيل المروحية ”إنجينيويتي“ البالغ وزنها 1,8 كيلوغرام لتحلق في جو المريخ القليل الكثافة.
وتهدف من ذلك إلى إثبات جدوى هذا الأمر.
وتعتزم ”ناسا“ إثبات إمكان طيران مركبة ذات محرّك على كوكب آخر غير الأرض. وفي هذا الإطار، ستسعى مروحية ”إنجينيويتي“ الصغيرة إلى تحقيق إنجاز كبير هو الارتفاع في جو بكثافة لا تتعدى واحدا في المئة من كثافة الغلاف الجوي للأرض.
ويتمثل الهدف الآخر في الإعداد لمهام بشرية مستقبلية، من خلال تجربة إنتاج الأكسجين مباشرة في الموقع، بواسطة جهاز سميّ ”موكسي“.
ومن المفترض أن يكون هذا الجهاز، وهو بحجم بطارية سيارة، قادرا على إنتاج نحو عشرة غرامات من الأكسجين في ساعة واحدة، من طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ، على غرار ما تفعل النباتات.
وهذا الأكسجين سيمكّن مستوطنين بشريين مستقبلا من التنفس، وسيُستخدَم كذلك كوقود.
واستثمرت ”ناسا“ نحو 2,4 مليار دولار لبناء وإطلاق مهمة ”مارس 2020“.
وتقدر تكلفة الهبوط والعمليات في الموقع مبدئيا بـ 300 مليون دولار.