21-02-2021 08:44 AM
سرايا - قال الشاعر حسن جلنبو إنَّ عمَّان هي المكان الوحيد الذي يدعوه إلى الحنين إلى الزمن الذي درج فيه على
عتبات الطفولة والصبا، وخبر فيها بدايات الشوق، وهي «مهوى الروح التي تهفو إليها صباح مساء ومقصدها».
وأضاف جلنبو في حوار مع «الرأي» أن الأديب مرآة عصره، وأن الأدباء بالضرورة «ناطقون إعلاميون» بما يدور في
مجتمعاتهم، يصورونه وينقلونه ويعبرون عنه، مشيرا إلى ان للكوارث والأحداث التي تطرأ على المجتمعات أثرا
كبيرا في الحركة الأدبية على مر العصور.
وتاليا نص الحوار:
كان اختيارك لشهر حزيران ليحضر في عنوان مجموعتك الشعرية «زهر حزيران» انقلابا على كثير من المفاهيم
التي ارتبطت بهذا الشهر، فلماذا اخترت حزيران بالذات؟
- لقد جاءت تسمية المجموعة «زهر حزيران» لتشكل إضافة جديدة تذهب بالذهن بعيدا عن الصورة الانطباعية
العالقة في الذهن لـ «حزيران»، من خلال طرح نظرة مغايرة لهذا الشهر بوصفه شهرا للعطر والياسمين، على
خلاف صورته النمطية المرتبطة بالتهجير والنكسة والاحتلال، التي التصقت بشهر حزيران ودلالاته وأكسبته إطارا
من الحزن والسوداوية على مدار ما يزيد على نصف قرن من الزمان.
وعمدتُ إلى تسمية المجموعة «زهر حزيران» يقينا مني بحتمية غرس انطباع جديد في الأذهان حول شهر
حزيران الذي يمثل بداية الصيف، وما فيه من اجتماع شمل الأسر بالقادمين من أسفارهم من المغتربين، وهو
شهر الجلسات المسائية والاجتماعات العائلية، وقد جاء إهداء المجموعة إلى زهر حزيران الذي لم يغادرني يوما.
إنهم أولئك الأشخاص الذين ما زالوا يشكلون نسيج الروح، وآمالها، ولعل الإضاءة التي تضمنتها بداية المجموعة
تضع العديد من المفاتيح التي تتيح أمام القارئ آفاقا من المتعة والعذوبة، فالقصيدة الأولى «زهر حزيران»
مطلعها:
«هذا الـ حزيرانَ أهدتني عباءتَها
ما كان أجملَ في نفسي هداياها»
وتظهر صورة الـ «حزيران» في طيات المجموعة في أكثر من موضع، بحيث يضوع الياسمين في قصائدها التي
غلب عليها الطابع الوجداني الشعوري، وتعكس تجربة الشاعر، كإشارة مباشرة إلى التجربة الشعورية
والإرهاصات التي أدت إلى تشكيل الوعي الشعوري لديه.
عمّان حاضرة بقوة في «زهر حزيران»، ومعها ذكريات البيت والأم والجيران، إلى أي مدى ترى أن المكان والإنسان
يؤثران في بعضهما بعضًا؟ وهل هو حنين للمكان عبر شخوصه، أم استذكار للشخوص عبر الإطار المكاني
الذي جمعك بهم؟
- إن من الضرورة بمكان، النظر إلى الإرهاصات، والدفقات الشعورية التي أسهمت في تشكيل الرؤية الشعرية
في مجموعة «زهر حزيران» بشكل عام، بحيث تأتلف معظم قصائدها ضمن إطار واحد يتسم بالحنين والشوق،
إذ إن الارتباط بالمكان والناجم عن البعد والفقد سيكون له أثره بكل تأكيد على الدفق الشعوري فيظهر جليا
ليرسم صورة متكاملة تجمع معظم قصائد المجموعة، لتصوِّر رحلة النزوع إلى بيت الطفولة ومرابع الصبا، على
نحو يبرز الحنين إلى الحميمية التي يفتقدها في غربته.
إنَّ عمَّان بالنسبة إليَّ هي المكان الوحيد الذي ما زال يدعوني إلى الحنين إلى ذلك الزمن الذي درجتُ فيه على
عتبات الطفولة والصبا، وخبرت فيه بدايات الشوق، وهي مهوى الروح التي تهفو إليها صباح مساء ومقصدها.
عمَّان في نظري تتجاوز البعد الجغرافي لتصبح تشكيلا وجدانيا ناطقا بما يعتمل في نفسي من شوق وحنين.
وللمكان أهمية قصوى في حياة الإنسان، تتبلور شخصيته في إطاره ويلتصق بوجدانه حتى الممات، وترتسم
في ذاكرته كل معالم المكان الجغرافية والنفسية، وإذ يتغير الزمان تبعا لمسيرة حياة المرء، إلا أن المكان يظل
ّ الشاعر حسن جلنبو: عمان مھوى الروح ومقصدھا - صحیفة الرأي 2021/21/2
5/3 ثقافة-وفنون/الشاعر-حسن-جلنبو-عمان-مھوى-الروح-ومقصدھا/10578283/article/com.alrai
راسخا في الوجدان والذاكرة عميقا، فكل بقعة فيه لها قصتها وحكايتها، لها ناسها وأهلها، وكل شجرة أو
نبتة فيه لها ذكرياتها المرتبطة بمرحلة من مراحل حياة هذا الإنسان في ظل هذا المكان وفي إطاره.
مزجت في عدد من قصائدك بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة، فما الذي دعاك إلى هذه التجربة المحفوفة
بالمخاطر؟ وهل ترى أن القالب التراثي للشعر قد يلتقي بالقالب الحداثي في خدمة القصيدة والشاعر؟
- إن المراوحة بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة في النص الواحد، قد تكون انعكاسا لازدحام الدفقة
الشعورية في ذهن الشاعر وقت كتابة القصيدة بحيث تهجم عليه موسيقا النص فتحمله بين الأصالة
والمعاصرة، لتجده يمزج داخل القصيدة بين النوعين، وقد تبدى ذلك في أكثر من قصيدة في المجموعة، ولعله
أكثر حضورا في قصيدة «زهر حزيران». وتجدر الإشارة إلى أن الإرهاصات الداعية إلى كتابة هذه القصيدة كانت
ناجمة عن فيض من الحنين إلى الزمن الماضي، بالشخوص الذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من تكوين تلك
المرحلة، والذين كان لهم حضورهم في قصائد عامودية رافقت بداية النظم الشعري قبل اكتمال نضج التجربة
الشعورية، والقدرة على قيادة قصيدة التفعيلة بكل مهارة، فقد كان لازدحام الدفق الشعوري أثر واضح في
تركيب جسم النص الشعري في هذه القصيدة على نحو يمزج بين النوعين الشعريين لرسم صورة واحدة
ينتقل فيها من وصف أثر الـ «حزيران» هذا العام.
هل ساهمت تبعات جائحة كورونا في توجيه قراءاتك؟
- مما لا شك فيه أن جائحة كورونا سيكون لها أثر كبير على الأصعدة كافة، اقتصاديا، وسياسيا، وثقافيا، ولعلَّ
تعرضي للإصابة بفيروس كورونا في بدايات انتشار الجائحة كان له الأثر الكبير في إعادة نظرتي إلى الأمور
الحياتية في المجالات شتى، الأمر الذي جعلني مهووسا بتتبع تطورات الجائحة من جهة، واستطلاع وجهات
النظر الأدبية: المحلية والعالمية بشأنها، باعتبار الأدب رسالة المجتمع ومرآة العصر، فوجدتني مدفوعا إلى قياس
أثر هذ الجائحة على الأدب، وعدت إلى القراءة من جديد للشعراء الذين كان لهم دور كبير في الكتابة حول مثل
هذه الأوبئة الطارئة وعلى رأس هؤلاء نازك الملائكة وبدر شكر السياب، وإعادة قراءة أشعارهم وقدرتهم على
تصوير الوجع المجتمعي، وتتبع التغيير الذي ستحدثه جائحة كورونا على الأدب.
هل دفعتك الجائحة إلى الكتابة حولها؟
- لقد كان لجائحة كورونا أثر مباشر عليَّ انا شخصيا، ولكوني مغتربا فقد كانت الآثار مضاعفة من حيث وقْعها
نظرا لحالة القلق التي انتابتني على الأهل والأقارب والأصدقاء في الأردن، الأمر الذي انعكس على الحالة الشعورية
لديَّ، فظهر ذلك جليا في غير قصيدة جاءت في مجموعة «زهر حزيران»، كانت أولاها قصيدة «دعوني وشأني هذا
المساء»، وهي تمثل واحدة من أشدّ لحظات الحنين التي انتابتني وقتها، مدفوعا بمجموعة من المشاعر
المختلطة التي استدعت تلقائيا مقطوعات حوارية مع شرائح مختلفة من المجتمع اجتمعت في محطة للقطار
كرمز للسفر والترحال وحياة القلق بحثا عن الذات.
كذلك الحال، فقد كان لجائحة كورونا تأثير مباشر في كتابة قصيدة «الحمد الله»، فقد كان الدافع الشعوري
الحقيقي وراء كتابة هذه القصيدة وجود العديد من الأصوات التي كانت تعارض الإجراءات الاحترازية والوقائية
التي قامت بها الدول، فجاءت قصيدة «الحمد الله» دعوة مباشرة إلى ضرورة توسيع الأفق والنظر بمنظور جماعي
إلى أهمية استشعار نعم االله علينا في عدم تعرضنا لفقد الأهل والأقربين.
هل تعتقد أنه سيكون هناك أدب يسمى «أدب كورونا»؟
إن الأديب مرآة عصره، كما قيل، وإن الأدباء بالضرورة ناطقون إعلاميون بما يدور في مجتمعاتهم، يصورونه
وينقلونه ويعبّرون عنه، وللكوارث والأحداث التي تطرأ على المجتمعات أثر كبير في الحركة الأدبية على مر
العصور، فكما كانت الأوبئة مثل الكوليرا والطاعون حافزا لكبار شعراء والأدباء لتصويرها في قصائد ورويات
وقصص اكتسبت صفة الخلود، فإن من الضرورة بمكان أن تلقي كورونا بظلالها على الحركة الأدبية محليا
وعالميا.
ولا شك أن فترة الحظر التي أدت على شلل كامل قطاعات الحياة لفترا طويلة في معظم الدول ستدفع الأدباء
في هذه الدول إلى التعبير عما اعتراهم خلال فترة الحظر، والتزام البيوت وتغير نمط الحياة، والاضطرار إلى
اكتساب عادات جديدة بالكامل على المستويين الفردي والجماعي، ولعلَّ قنوات التواصل الاجتماعي وعالم
تكنولوجيا المعلومات سيسهم بشكل كبير في تجسيد آثار جائحة كورونا على الأدب العربي، حيث إن حالة
الضجر التي رافقت أيام الحظر ألقت بظلالها على النتاج الأدبي الذي يُعرض في وسائل التواصل الاجتماعي،
والذي كان يهدف إلى معايشة التجرية وأثرها على الشعور من جهة، ودفع الضجر الذي اعترى الأدباء تبعا
لأرواحهم التواقة إلى الحرية والانعتاق من القيد، وهذا ما تجلى في كثير من القصائد والروايات التي طالعتنا
خلال الشهور الأخيرة، والتي ستتم دراستها وحصرها على مستوى العالم تحت باب «أدب الجائحة»، أو على نحو
مشابه