28-02-2021 08:18 AM
بقلم : فدوى خصاونة
لم أر ريشة على رأس الفرنسي والإيطالي تجعله أفضل من الأثيوبي والبنغالي .
لم أر ريشة على رأس الأبيض والأشقر تجعله يدوس بنعله على الأسود .
لم أر ريشة على رأس الذكر تجعل له الحق في التعليم والحب والسفر .
لم أر ريشة على رأس الزوج ليصبح من حقه أن يخون ويبني علاقات غير شرعية .
لم أر ريشة على رأس مسؤول أو حاكم ليتحكم بالشعوب ويظلم العباد ويسلب وينهب .
هؤلاء كلهم أقنعونا أن على رأسهم ريشه جعلتهم يتسلقون على ظهورنا حتى فقدنا الطاقة وما عدنا نقوى على مزيد من التحمل.
انا لم أشاهد ريشة على رأس أحد في الشارع او السوق او الجامعات .
قضينا عمرا كاملا في غيبوبة لا نعلم أننا مخلوقون كسائر البشر من نفس التركيبة من طين، فإلام الخلف والاختلاف وفيم التكبر ؟
و ما قصة التمايز بين البشر إذا لم يكن على رؤوسهم ريشة تفاضل فيما بينهم ؟
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ؛ وإنما جعل الله الناس شعوبا وقبائل لتتعارف ؛ فأما الافضليه فتتحصل بالتقوى فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ، وما سنة الإختلاف هذه إلا لرفع وخفض الدرجات ؛ وذلك حتى يتحقق التدافع والقيام بمهام الحياة ، وليس ليكون أحد أفضل من الآخر ككينونة وشخصنة تجعل من البعض سادة أو عبيد وإنما كلنا عبيد لله ، نختلف لنتكامل لا لتتناحر و نتعالى ، ولا يتحقق التكامل إلا بإقامة العدل والمساواة .
الريشة لم تكن يوما مقياسا لتمنح صاحبها استحقاقات وكرامات تميزه عن الآخرين ؛ فهذا أبيض على رأسه ريشه ، هذا من عائلة معروفة على رأسه ريشه ، وذاك ابن مسؤول على رأسه ريشه حتى رأينا ريشة على رأس ابن الوزير وابن المدير وابن القائد العظيم .
كل هذا من شأنه أن يجعلنا محبطين لا نعمل لنبدع ولكن نعمل لننتهي من المهمة دونما إتقان ودونما مهارات ؛ فنحن على علم مسبق أن العمل لا يغني من التمييز والمفاضلة لاستحقاقات فردية ؛ فالعطاء يحتاج إلى عطاء مسبق ، والإبداع لا يتحقق إلا بقدر الحوافز والهبات ؛ تماما كصاحب بستان يعتني بأشجاره كلها فتغدق عليه بالثمار ، عطاء مقابل عطاء .
وقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة عندما قال :
"إِن الْمقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا ".
هكذا غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة العدل والمساواة في قلوب أصحابه، ثم كان المثل الأعلى في تنفيذ تلك الأوامر، فتحقق خُلُقُ العدل كغريزة فُطر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نشأته ؛ وبعدما أرسله الله عز وجل للعالمين أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نهج المساواة بين أصحابه وفي مجتمعه متعدد الطبقات والتوجهات ؛ وجعله منهاجا وسلوكا في كل موقف وفي كل لحظة ؛ فلم يميز ولم يفاضل بين الناس ؛ فحكم بينهم فعدل ؛ وتمثل ذلك في قصة المرأة المخزومية التي اهتمت قريش لأمرها .
فقال صلى الله عليه وسلم : إنما أهلك الذين قبلكم إنهم كانوا إِذَا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم اللَّهِ لوً أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .
وترسخ مبدأ المساواة في الدولة الإسلامية وضربت أروع الأمثلة وتكررت أجمل القصص في عهد الخلفاء الراشدين ، ولنا في عدل عمر أنفاس ، وعبق عندما جاءه رجل يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلا : سابقت ابن عمرو فسبقته فجعل يضربني بالسوط ، فما كان من عمر إلا ان استدعى عمرو وابنه قائلا جملته العظيمة ؛ "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا ".
وأعطى الرجل السوط ليضرب ابن عمرو أمام جموع الناس .
إِنَّ النَّاس سواسية ؛ لا فرق بين الحاكم والمحكوم،الرِّجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، وبهذا ألغى الإِسلام الإختلاف والفروقات بين النَّاس بسبب جنس ، أو عرق أو لون ، أو طبقة وألغاها كذلك بين الحاكم والمحكوم ؛ فكلُّهم بمنظور الديانات سواء ؛ فهم يتشاركون في احتياجاتهم وعواطفهم يتشاركون في الهواء والماء والشمس والسماء يتشاركون في تكوينهم الجسدي و وظائفه الحيوية ، البشر كلهم أبناء تسعة لهم أعين يبصرون بها ولهم أذان يسمعون بها ، وليس لهم ريشة يتمايزون بها .
ومن حكمة الله وعظيم عدله أنه لم يخلق الريشة إلا على أجنحة الطيور وذيل الدجاج ؛ فإنها صغيرة العقل .
فدوى بهجت خصاونه