02-03-2021 08:45 AM
سرايا - شكلت مدينة عمان منذ تأسيس الدولة الأردنية، مقرا لانطلاق الحركة الثقافية والفنية الأردنية، ومقصدا
للمثقفين والأدباء والفنانين العرب والأجانب، بتشجيع من لدن الهاشميين الذين أولوا هذا القطاع جل
اهتمامهم، عبر رفد المشهد الثقافي بالدعم الموصول للمبدعين، والعمل على إنشاء البنية التحية اللازمة
لنهوض الحركة الثقافية والفنية وتطورها.
ونظرا لما تحويه عمان من صروح ثقافية عريقة ومشهد ثقافي غني ومتنوع؛ فقد اختيرت عاصمة للثقافة
العربية في عام 2002 ،حيث شهدت زخما غير مسبوق في النشاطات والفعاليات الفنية والثقافية التي شارك بها
عدد كبير من المثقفين والفنانين العرب والعالمين. كما اختيرت المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية عن المنطقة
العربية في عام 2017
وتضم عمان عددا من الصروح الثقافية العريقة التي ساهمت في خدمة الحركة الثقافية الأردنية، وشكلت منارة
للتواصل الحضاري بين الثقافات الإنسانية.
بدأت البوادر الجادة لتطور الحركة الثقافية والفنية في مدينة عمان بظهور حركة تشكيلية نشطة في أوائل
الخمسينات من القرن الفائت، ففي عام 1951 أقام «المنتدى العربي» أول معرض جماعي في الأردن. وبعده بسنة،
تأسس معهد الموسيقى والرسم في المدينة. وفي أواخر الخمسينيات، أرسلت الحكومة أول دفعة من
المبعوثين الأردنيين لدراسة الفن في الخارج، وهم: رفيق اللحام، ومهنا الدرة، وأحمد نعواش، وكمال بلاطة،
والتحق بعضهم بأكاديمية الفنون الجميلة في روما. وفي عقد الستينيات بدأ الموفدون بالعودة إلى عمّان،
وممارسة فنهم، وتدريس مادة الرسم?في المدارس الثانوية، ومع عودتهم ازداد النشاط الفني، وكذلك أخذ
عدد المعارض التي تقام في القدس وعمان يتضاعف، والمحاضرات الفنية كذلك، كما أخذت وزارة السياحة مبادرة
إشراك أعمال الفنانين الأردنيين في المعارض الدولية.
وفي عام 1966 تأسست دائرة الثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام، بهدف دعم الفنون التشكيلية والمسرحية
والموسيقى والأدب وتشجيعها. ومع بداية السبعينيات تضاعف النشاط الفني في المدينة، ففي عام 1972
أسست دائرة الثقافة والفنون «معهد الفنون والموسيقى»، وأُريد له أن يكون نواة لأكاديمية فنية، وكانت مدة
الدراسة في المعهد سنتين، تعطى فيها دروس في الفن والتصوير والنحت وفن الطباعة والخزف، وقد تخرج
فيه عدد من الفنانين الأردنيين، واستطاع بعضهم إكمال دراسته الفنية العليا في الخارج، معتمدين على
التأسيس الذي حصلوا عليه في ال?عهد.
واتسمت الحركة التشكيلية الأردنية بكونها من أنشط الحركات الفنية في عمّان قياسا بالحركتين المسرحية
والموسيقية مثلا، فقد شهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي والسنوات الأولى من الألفية الجديدة، نشاطا
تشكيليا لافتا للنظر، وقد تجلى هذا النشاط بغزارة إقامة المعارض الفنية للفنانين الأردنيين والعرب والأجانب،
وكان واضحا أن هناك ما يشبه الهجرة للفنانين العراقيين بوجه خاص إلى الأردن منذ بداية التسعينيات إما
للإقامة الدائمة، أو للإقامة المؤقتة في طريقهم للخارج، وهذا انعكس حراكا فنيا واضحا على الساحة الأردنية،
وتواصلا ?ين الفنانين الأردنيين والعراقيين، وجدَ تعبيراته في ازدياد عدد المعارض الفنية، وإنشاء قاعات العرض
الخاصة التي تزايدت أعدادها بشكل كبير، مستقطبةً تجارب الفنانين الأردنيين والعرب والأجانب، ما يشير إلى
تنامي الوعي الفني وانتشاره بين الجمهور، كما يؤشر إلى ازدياد أعداد الفنانين الأردنيين، وإقبال العديد من
الطلبة على دراسة الفن التشكيلي، ما دفع إلى فتح كلية للفنون الجميلة في الجامعة الأردنية في عام 2003،
وهي تدرّس الرسم والجرافيك والتصميم وغير ذلك من مفردات الفن التشكيلي وتخصصاته إلى جانب المسرح
والموسيقى.
وبالنسبة للموسيقى، فقد كانت حاضرة منذ أوائل القرن العشرين، خصوصاً أن هناك تداخلا بين الثقافتين
البدوية والحضرية في المدينة. وتقدَّم الموسيقى الكلاسيكية من خلال أوركسترا وطنية تتخذ من عمان مقرا
لها، وهي أوركسترا عمان السيمفوني، التي ولدت من رحم أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى (مؤسسة
الملك الحسين) بدعم من أمانة عمان الكبرى. وقدمت الأوركسترا أولى حفلاتها في شهر كانون الثاني 2007.
ويزخر الموسم الثقافي السنوي لأوركسترا عمان السيمفوني ببرنامج منوع من الحفلات العامة، تقدم مرة كل
شهر.
شهدت عمّان ازدياداً بالأنشطة والمهرجانات المحلية والعربية، وذلك منذ إعلانها عاصمة للثقافة العربية عام
2002 ،ويبرز في هذا السياق مشروع مسرح التراث الموسيقي الأردني، ومشغل النحت العربي، ومهرجان عمان
للأفلام الوثائقية، والمعرض الشامل للفن التشكيلي العربي، بالإضافة لشارع الثقافة.
وينتشر في عمّان عدد كبير من المعارض ومراكز الفنون الجميلة وعدّة أسواق شعبية تعرض إسهامات
الفنانين في وسط البلد وجبل عمان وجبل اللويبدة، حيث شهدت هذه الأماكن حراكا ثقافيا نوعيّا في العقدين
الأخيرين، ومن أشهر تلك المراكز؛ مؤسسة خالد شومان-دارة الفنون، دار الأندى، محترف رمال للفنون وكثير من
المعارض الأخرى. ويجدر بالذكر أن وزارة الثقافة تبنت تجربة المدن الثقافية، أو ما يطلق عليه «عاصمة الثقافة
الأردنية» (كما حدث في إربد والسلط والكرك والزرقاء ومعان تباعا)، مما أتاح قدراً أكبر للانفتاح الثقافي والأدبي
على المدن?الأردنية الباقية وعدم حصرها بالعاصمة.
وتتضمن منطقة راس العين في عمان الكثير من المرافق الثقافية التي تكمل دور أمانة عمان الكبرى في
إحيائها، ابتداءً من مسجد النورين وساحة النوافير وساحة النخيل مرورا بقاعة المدينة ومبنى موظفي أمانة
عمان الكبرى وانتهاءً بمركز الحسين الثقافي، إذ تبلغ مساحة المشروع حوالي 20 دونماً من أصل مساحة الساحة
البالغة 143 دونماً. وتتضمن هذه المساحة: متحف الأردن، ومسرح مركز الحسين الثقافي، والمعهد الوطني
للموسيقى، وجاليري راس العين، بالإضافة إلى سوق الحرف الشعبية. وكان مُقررا أن يُنفذ مشروع دار للأوبرا في
هذه المنطقة، هي دارة?الملك عبد االله الثاني للثقافة والفنون، إلا أن المشروع توقف وتم تحويله إلى سوق
شعبي في عام 2014.
كما تضم عمان «شارع الثقافة» الذي يقع في منطقة الشميساني، وتتميز فعالياته بالتنوع والحضور الجماهيري
اللافت، حيث أقيمت فعاليات المسرح المفتوح وموسيقى الشارع ومعارض الكتب للأسرة، وملتقيات الفنون
التشكيلية في الفضاءات المفتوحة.
كما تحوي عمّان على عدداً لا بأس به من المتاحف، مثل المتحف الوطني للفنون الجميلة، ومتحف الأزياء
الشعبية، ومتحف صرح الشهيد، ومتحف الحياة البرلمانية، ومتحف الآثار الأردني، ومتحف الأطفال، ومتحف
السيارات الملكي، والقرية الثقافية في حدائق الحسين، بالإضافة إلى عدد كبير من المراكز الثقافية الأجنبية،
والعديد من المكتبات التي ساهمت تاريخيا في نشر الثقافة والفكر.
ويوجد في جبل عمان أيضا، سوق مختص بالحرف اليدوية والثقافة الشعبية، يُدعى سوق جارا، وهو سوق
موسمي تُقيمه رابطة سكان جبل عمان كل يوم جمعة بين شهري أيار وتشرين الأول، ويرتاده السياح بكثرة
خلال فصل الصيف. ومن الجدير بالذكر أن المدينة تستضيف كل عام مهرجانات ثقافية عالمية ومحلية؛ من
أهمها معرض عمان الدولي للكتاب، ومهرجان أيام عمان المسرحية، ومهرجان الموسيقى والغناء الصوفي،
ومهرجان صيف عمان، ومهرجان عمان للرقص المعاصر، ومهرجان عمان للكوميديا.
ومن بين المعالم الثقافية المهمة في مدينة عمان، التي ساهمت في نهضة المشهد الثقافي، يبرز قصر
الثقافة الذي تم بناؤه في عام 1969 على مساحة 2550 مترا مربعاً داخل المدينة الرياضية، حيث يجاور ملعب عمان
الدولي. ويتكون المبنى من صالتين، وتقام فيه المؤتمرات الدولية والعربية والمحلية والفعاليات الثقافية
والاجتماعية والفنية والوطنية.
ويبرز أيضا المركز الثقافي الملكي الذي يقع في المدينة الرياضية في عمّان. والذي يعدّ معلماً رئيسياً من
معالمها المدنيّة الحضارية، إذ استطاع المركز منذ افتتاحه في آذار 1983 أن يصبح موئلاً رئيساً لاستيعاب
النشاطات والفعاليات الثقافية المتنوعة، وأن يحتل مكانا رياديا في خدمة الحركة الثقافية الأردنية، ومنارة
للتواصل الحضاري بين الثقافات الفرعية داخل الثقافة العربية والإسلامية، ومع الثقافات والحضارات الإنسانية
بشكل عام. وتتمتع عمّان بثروة من المعالم الأثرية الشهيرة ما زالت شاهدة على حضارات قديمة استوطنت
المدينة ون?احيها، فعلى جبل القلعة الذي يعلو المدينة القديمة يرتفع «هيكل هرقل» الذي بناه الرومان في
القرن الثاني الميلادي على بقايا معبد عموني قديم، إلى جانب متحف الآثار الذي يحتوي على معروضات عديدة
من مختلف الحضارات وأدوات تمثل حياة الإنسان في العهود القديمة. وفي وسط المدينة يقع سبيل الحوريات،
وعلى مقربة من السبيل ينتصب المدرج الروماني الكبير الذي يتسع لخمسة آلاف متفرج، وغيرها من المعالم
التي توظَّف حتى اليوم لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية.
وتضطلع الدائرة الثقافية التابعة لأمانة عمان بدور بارز في المشهد الثقافي للمدينة، من خلال انفتاحها على
الهيئات والمؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة والأهلية ورواد الحركة الثقافية والفنون في عمان. وتعمل
الدائرة على تعزيز التنمية الفاعلة للثقافة المجتمعية والوطنية لمجتمع المدينة، بالتواصل مع المثقفين
والفنانين ورواد الحركة الثقافية، ودعم وتمكين المواهب والإبداعات وبخاصة الإبداع الشبابي، والتركيز على
التمكين الثقافي الإبداعي للكتاب والفنانين الرواد، وتسليط الضوء على إبداع المرأة الأردنية ومساهمتها
الفاعلة في ال?شهد الثقافي العامـ،وإطلاق الثقافة الأردنية في سماء ثقافات الشعوب، وفتح أفق التعاون العربي
والعالمي من خلال الشراكات مع الهيئات المحلية والإقليمية والعالمية والتعاون، ودعم الفعاليات والمبادرات
المجتمعية في الثقافة والفنون.
ّ