06-03-2021 03:36 PM
بقلم : صالح مفلح الطراونه
من قال بأن عمر الدولة الأردنيه 100 عام فقد ظلمها حقيقه , الدولة الأردنية تمتد في عمق التاريخ البشري منذ الِقدم ودليلنا على ذلك وجود مدينة البتراء يمتد على هذه الأرض لما هو قبل الميلاد تقريباً بالعام 312 ق. م كعاصمة لمملكة الأنباط
وما زالت شاهد عيان حتى هذه اللحظه ....
الأردن قبل مئة عام نحتفل بها الآن كانت بوابة الفتح الأسلامي ومن منا لا يستذكر حينما ارسل الرسول صلى الله علية وسلم اول سفرائه وهو الصحابي الجليل " الحارث بن عمير الأزدي " الذي ارسله في السنة الثامنه للهجره الى ملك الروم في الشام حيث قتل غدراً, فجاءت معركة مؤتة رداً على مقتل هذا الصحابي الجليل , مروراً بمعركة اليرموك , وطبقة فحل إنتهاءاً بالشهداء الذين سقطوا على هذه الأرض المباركه وبالتالي راية هذه الدولة ما سقطت منذ ان كان يحملها زيد بن الحارثه بمعركة مؤته فألتقطها جعفر الذي جميعنا يعلم مقدار تضحية للراية من يمنيه الى شماله فاحتضنها بعضديه وقبل أن تسقط التقطها عبدالله بن رواحة لذلك راية هذه الدولة ما سقطت منذ أزل التاريخ ... لذلك إحتفالنا بالمئوية لم يكن ترفاً سياسياً مطلقاً .. ثم بعد ذلك واجهت الدولة الأردنيه في بداياتها كثير من التحديات والمؤامرات مثلها مثل كل تلك الدول الفتيه في صناعة نفسها ايماناً بأن لها مبادئ وقيم راسخه بالوجدان العربي ..من هنا سوف ننطلق حين بدأت الدولة الأردنية تناكف الحكم العثماني وجبروته بالمنطقة العربية حيث بدأت بتأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921 والتي أصبحت فيما بعد بالمملكه الأردنية الهاشمية .
فمسرح الأحداث بالدولة الأردنية بذلك العقد الأول من مئوية الدولة الأردنية بدأ حينما كانت الدولة الأردنية مسرحاً لعمليات جيش الثورة العربية الشمالي والتي أمتدت منذ عام 1917لغاية عام 1918
حيث أصبح الأردن جزءاً من الحكومة العربية الفيصلية في دمشق في الأول من اكتوبر لعام 1918 وحتى عام 1920 وبعد إنهيار هذه الحكومة العربية نتيجة سيطرة " فرنسا على " سورية ولبنان " حدث فراغ سياسي بالمنطقة أدى الى تشكيل " منطقة شرق الأردن وهي عباره عن " مجموعة حكومات محلية ظهرت نتيجة تفاهمات بين زعماء وممثلي هذه المناطق من عشائر تسكن هذه الإماره وممثل حكومة الأنتداب البريطاني في
شهر " آب من عام 1920 حتى الشهر التاسع من عام 1921 ولعل ما يجب ان يذكر في هذا المقام بانه في سبتمبر لعام 1920 اجتمع ممثلوا القبائل الأردنية أي الزعامات بحضور ممثل عن بريطانيا في بلدة أم قيس وطالبوا :-
- بحكم عربي
- ودولة مستقله
- وجيش وطني
في الحادي والعشرين من نوفمبر لعام 1920 وصل الأمير عبدالله وهو نجل الشريف الحسين بن علي الى الجزء الحجازي من مدينة " معان " والتي كانت تقع يومئذ ضمن منطقة حكومة مملكة الحجاز العربية على رأس قوة صغيرة مؤلفه من 30 ضابط ومئتي جندي ووجة الامير عبدالله النداء لتحرير سورية من الفرنسيين بعدما علم الفرنسيين بهذا الامر قاموا بتعزيز القوات الفرنسيه على الحدود الجنوبية لسوريا وطلبت من الحكومة البريطانية اتخاذ التدابير المناسبه للحد من نشاط الامير عبدالله حيث رأت إن حركته تعد خرقاً لأحكام إتفاقية " سايكس بيكو مع بريطانيا .
دخل الأمير عبدالله عمان في التاسع والعشرين من شباط عام 1921 والتقى بعض الاستقلاليين العرب من قادة الحكومه العربية وممن لجؤوا بعد معركة ميسلون من دمشق الى شرق الأردن وهو الاقليم الوحيد الذي لا يقع تحت سيطرة " الفرنسيين "
بعد ذلك قام الأمير عبدالله بزيارة القدس والتقى عدد من قيادات الحركات العربية هناك والتقوا جميعاً وزير الدولة لشؤون المستعمرات البريطاني " ونستون تشرشل " حيث طلبوا منه تأسيس إدارة محلية لنواة حكم في " شرق الأردن " وقد استمر هذا اللقاء مدة ثلاثة أيام أي من الثامن والعشرين آذار وحتى الثلاثون من ذات الشهر لعام 1921 .
عاد الأمير عبدالله الى عمان وقام على الفور بتأسيس أول حكومه اردنيه بتاريخ 11 نيسان لعام 1921 وقد أسماها " مجلس المشاورين " والتي لم يكن بها سوى اردني واحد هو " علي خلقي الشرايري البلوي " حيث عُين مستشاراً للأمن والأنضباط حيث كان من ضباط الثورة العربيه الكبرى ومن القيادات العسكرية للحكومه العربية بدمشق
ماذا يعني تأسيس دولة في الأردن وتحديداً في الشرق العربي بالنسبة للغرب ؟
بالتأكيد ينطوي تأسيس دولة بالأردن على مجموعة من التحولات التاريخيه المهمه ذات صله ببلاد الشام تحديداً على ما يلي :-
- وداعاً للأماني العربية في تأسيس دولة واحده مستقله ضمن إقليم جغرافي واحد وهو بلاد " الشام "
- تقسيم بلاد الشام الى اربعة مناطق " شرق الأردن , فلسطين , سوريا , لبنان "
- عملية سلخ لهذه المنطقة من ان تلتقي بقواسم مشتركه بمحيطها الجغرافي وبالتالي تحطيم كافة العلاقات التي يمكن أن تحدث بينهما وبكافة الإتجاهات .
- ترسيم حدود لكل إقليم عن الآخر وبالتالي فرقة أكثر
بعد أن اعلن الأنتداب البريطاني الوصايه على إمارة شرق الاردن مارسوا ضغوطات على الأمير عبدالله وذلك للتخلص من كل الأفكار التي يرونها بالوطنيين العرب والأحرار الذين التحقوا بالأمير عبدالله مثل حزب الأستقلال العربي , والأتحاد السوري وكثير من اللجان الوطنيه العليا .. والتي كانت دائماً تنادي :-
- مقاومة الأنتداب البريطاني .
- رفض وعد بلفور عام 1917.
- المطالبة بالأستقلال الوطني .
هذه الضغوطات على حكومة الأنتداب البريطاني أدت الى " اعتراف بريطانيا في الخامس عشر من أيار عام 1923 " بإمارة شرق الأردن ووصفها على إنها " دولة " حيث " وقعت مع الأمير عبدالله المعاهدة الأردنية البريطانيه عام 1928 " .
كيف ظهرت الهوية الأردنية بكل عناصرها ومكونها الجغرافي في العقد الأول لتأسيس الدولة الأردنيه ؟
الجميع يعلم إن النخبه الحاكمه بالأردن كانت نُخب عربية وليست محلية او أنها محسوبة على احد الأقاليم في إمارة شرق الأردن , ولكن الملفت بهذه المرحلة هو إتاحة الفرصه للأردنيين أن يضيفوا لهويتهم المنطقه التي هم منها داخل الإماره حتى يتميز من أي المناطق هو من الاردن _ أم من فلسطين _ أم من سوريا _ أم من مملكه الحجاز _ او من سلطنة نجد _ أم من المملكه السعودية
وعلى غرار سائر الدول التي نشأت في المشرق العربي كان الأردن يبحث عن ذاته رغم كل التعقيدات في تلك المرحلة من ذاكرة التاريخ وعلى رأسها ارتباطه بالمحيط بشكل لافت وفي مجمل القضايا المصيرية خاصه تلك التي ادت الى إندلاع مثلاً :-
- الثورة السورية الكبرى .
- تطورات القضية الفلسطينية بثوراتها وحروبها خاصة في أعقاب حرب 1948 .
- ميلاد دولة الضفتين عام 1950والتي استمرت حتى تم فك الأرتباط عام 1988م
حلم راود الأمير عبدالله مؤسس إمارة شرق الأردن
كان يطمح أن يكون الأردن جزءاً من دولة عربية اوسع سواء مع سوريا الكبرى او مع العراق أو حتى مشروع كمشروع الهلال الخصيب أو تضم الأردن وفلسطين معاً لم يكن طموحه آنذاك شخصياً بل عروبياً .