06-03-2021 08:55 PM
بقلم : الدكتور رافع شفيق البطاينة
منذ أن دعا جلالة الملك عبدالله الثاني خلال مقابلته مع وكالة بترا إلى ضرورة تعديل قوانين الانتخاب والاحزاب السياسية والإدارة المحلية، بدأ حراك ونقاش وجدال نشط بين كافة المكونات السياسية حول رؤيتهم لمضامين هذه التعديلات، وما هو النظام الانتخابي الذي نريد، والتحديثات المطلوبة على القوانين الناظمة والحافظة للحقوق السياسية، وطغى على النقاش مصطلح الإصلاح السياسي وآخر مصطلح التنمية السياسية، وانقسمت الآراء بين من يريد إصلاحا سياسيا، وبين من يريد تنمية سياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا نحتاج نحن في الأردن إصلاح سياسي أم تنمية سياسية، وحتى نحدد خيارنا لا بد من تعريف مفهوم الإصلاح السياسي ومفهوم التنمية السياسية.
فالاصلاح السياسي هو عملية تقوم بها الدولة لإصلاح تشريعاتها الناظمة للحقوق المدنية والسياسية والحريات العامة كقوانين الإنتخابات النيابية، والأحزاب السياسية، والمطبوعات والنشر، والاجتماعات العامة، ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من القوانين المساندة للحقوق السياسية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وتعزير الديمقراطية، وهذا الإصلاح يبدأ في الدول التي تبدأ بعملية التحول من الحكم العسكري أو الحكم الشمولي والأحكام العرفية، إلى الحكم بالنظام الديمقراطي، فتبدا بعملية إصلاح كافة تشريعاتها السابقة، وتغييرها إلى قوانين مدنية تنسجم وتتوافق مع التحول الديمقراطي، ولذلك فنحن في الأردن تجاوزنا هذه المرحلة، منذ عام 1989 بعد استئناف الحياة الديمقراطية، حيث عمل النظام السياسي الأردني بعد انتخاب اول مجلس نيابي إلى إلغاء كافة قوانين الطواريء والدفاع والأحكام العرفية، وقانون مقاومة الشيوعية، وكافة القوانين والقرارات العرفية التي ثقف عائقا أمام تجذير السلوك الديمقراطي والإصلاح والتنمية السياسية، وقام بإصدار وتحديث القوانين والتشريعات الناظمة للحياة السياسية والحريات العامة وحقوق الإنسان والمعززة للديمقراطية، كقانون الأحزاب السياسية الذي صدر عام ١٩٩٢، وقانون المطبوعات والنشر، والاجتماعات العامة، وحق الحصول على المعلومات، ومؤسسات المجتمع المدني ، وتعديل قانون الإنتخاب أكثر من مرة، وإنشاء المركز الوطني لحقوق الإنسان، وغيرها من القوانين الناظمة والمساندة للحريات العامة، وعملت الحكومة على تعزيز وتجذير السلوك الديمقراطي. واستمرت هذه الأنشطة حتى تولى جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله سلطاته الدستورية عام ١٩٩٩، فبدأ بعميلة إصلاح شاملة على كافة الصعد والمجالات، وفي عام ٢٠٠٣، أنشأت وزارة التنمية السياسية، وكان الهدف من إنشاءها تعزيز الديمقراطية والمساواة وسيادة القانون، واقتراح التعديلات التشريعية ذات العلاقة بالتنمية السياسية، وضمان مشاركة فاعلة لكل الفئات الإجتماعية في الحياة السياسية. ومن هنا انتقلنا من مرحلة الإصلاح السياسي إلى مرحلة التنمية السياسية.
وفعلا ومنذ عام ٢٠٠٣ وبعد انشاء وزارة التنمية السياسية تم إجراء تعديلات على كافة القوانين الناظمة والحافظة للحقوق السياسية لتحديثها، بالإضافة إلى إجراء تعديلات دستورية على الدستور الأردني، وإنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، وكذلك المحكمة الدستورية، واللجنة العليا لشؤون الأحزاب، ودائرة مستقلة لمراقبة الجمعيات التي تعنى بشؤون مؤسسات المجتمع المدني.
فالتنمية السياسية تمثل دور الدولة في توسيع المشاركة السياسية باعتبارها المرجعية الأعلى لصناعة القرار، وتتبنى مختلف السياسات وعلى قاعدة تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات في ظل حماية القانون.
ومما تقدم، يتضح لنا أن هناك حاجة ملحة إلى إجراء تعديل تشريعي للحياة السياسية تقبل به معظم الأطياف والتيارات السياسية، بحيث تتكامل الإرادة السياسية مع الإرادة الشعبية، ويشارك الجميع في إنجاح التنمية السياسية المطلوبة، لأنه من الصعب الوصول إلى حالة سياسية وديمقراطية ترضي كافة الأطراف السياسية والاجتماعية وحصول توافق وطني بين السلطة والشعب، لأن كل منهما ينظر إلى التنمية السياسية وفق منظوره ومصالحه، فالسلطة في النهاية هدفها الحفاظ على المصالح العليا للوطن والشعب والحفاظ على أمنه واستقراره. ٠ لذلك فنحن الآن بحاجة إلى تنمية سياسية وليس إلى إصلاح سياسي لأننا اجتزنا مرحلة الإصلاح السياسي وأنجزناها بنجاح.
وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه ".... وعلى راس هذه الأولويات تأتي التنمية السياسية بكل أبعادها، فبعد أن نعمنا بنعمة الأمن والإستقرار بحمد الله، وقطعنا شوطا مهما على طريق الديمقراطية فعلا لا قولا، فإن الوقت قد حان لتعميم مفهوم التنمية السياسية التي تشارك بها كافة قطاعات المجتمع وقواه السياسية....، التنمية السياسية التي تنبثق عنها أحزاب وطنية قوية موحدة باختلافها، لتحقيق " الأردن أولا" وعزته ومنعته دائما... ".