24-03-2021 08:36 AM
سرايا - عقد منتدى الفكر العربي لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي بعنوان «حفريات في
الهوية»، حاضرت فيه د.وفاء الخضراء، العميدة السابقة والأستاذة في كلية اللغات
والاتصال بالجامعة الأميركية في مادبا، وشارك بالمداخلات في اللقاء الذي أداره الأمين العام
للمنتدى د.محمد أبوحمّور، كلٌّ من: د.فريد شوقي (أستاذ التعليم العالي المغربي في
جامعة القاضي عياض بمراكش)، ود.عبداالله البياري (الأكاديمي والباحث في المركز العربي
للأبحاث ودراسة السياسات من الأردن)، ود.وليد سالم (زميل بحث وعضو مجلس إدارة
معهد جامعة القدس للدراسات والأ?حاث)، وحضر اللقاء د.نايف حداد (القائم بأعمال رئيس
الجامعة الأميركية بمادبا).
وبيّنت الخضراء أن الهوية حفرية سردية ومعرفية وأيديولوجية منثورة في ثقافة أي
شخص وتاريخ فكره، وأننا إذا أردنا معرفة وفهم أساسيات التطور البنيوي للهويات
وتحوّلها لا بد من وجود دراسات بينية متقاطعة ومركبة معنيّة بالحفريات في الهويات.
وأشارت الخضراء إلى جوانب عدة يجب أخذها في الاعتبار عند إجراء الدراسات حول
الهويات، منها: استنطاق واستحضار هياكل الهوية البنيوية التي تراكمت وتداخلت مع
بعضها عبر التاريخ، واستقراء هندسات الهوية في الفضاء الأدائي، إضافة إلى فهم
تناقضات الهوية ما بين الهامش والمركز وأسباب الانتقال الفجائي لها، وطرق تشابك
نوستالجيا الهويات بالتاريخ، والنظر إلى طرق بناء الشعوب لهويتها ضد الظروف القاهرة
التي قد تواجهها في بعض الأحيان.
وأكّدت الخضراء أننا بحاجة إلى منح أجيالنا القادمة بوصلة واضحة ودقيقة للاستقراء
والاستدلال، واتخاذ القرارات وحل المشكلات، وتبنّي المواقف والاتجاهات التي تتغلَّب على
أي صراع هوياتي داخلي، وذلك عن طريق تشكيل هويات بنّاءة وإنسانية، متناغمة مع
السياقات المعاصرة لحمايتها من التحول القهري أو القسري أو الإرادي.
وقال أبوحمّور في كلمته التقديمية: «إن قضايا الهوية والمواطنة ذات اهتمام واسع في
الأوساط الفكرية والثقافية في العالم العربي والعالم النامي خلال العقود الثلاثة الماضية
على الأقل. فقد أدت العولمة والتقدم التكنولوجي وتطور وسائط الاتصال والمعلومات
وما رافقها من تحولات اقتصادية، إلى تأثيرات مباشرة على الثقافات والمفاهيم والهويات
التي سادت لفترات طويلة في المجتمعات».
وأشار أبوحمّور إلى أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في العالم، والعالم العربي خصوصاً،
يعاني من ظواهر الانقسامات، والتغيير في الانتماءات التقليدية وتصنيفاتها، فهناك
جماعات عرقية وطائفية ومذهبية متناحرة؛ بمعنى أن الصراع ليس عنيفاً على الأرض
فقط، ولكنه في الأساس صراع فكري غالباً ما يستند إلى هوية لا تحمل سمات مشتركة أو
قابلية للالتقاء مع هويات أخرى، وإنما تعتمد على عناصر التضاد مع الآخرين أو مع الهويات
المقابلة، وتميل إلى الانفرادية والتقوقع. ولهذا الوضع أسباب ونتائج أوجدت مخاطر
حقيقية على المجتمعات والهويات ال?امعة، وفي الوقت نفسه أدت إلى التشرذم
والتفتت.
من جهته، لفت د.نايف حداد إلى أهمية العودة إلى التجارب التاريخية المتعلقة بالهوية
والاستفادة منها، والبحث في الروابط بينها وبين العولمة، وإعادة النظر والبحث في فكر
العرب والغرب نحو الهوية وكيفية تعاملهم مع تعدد الهوية.
أما د.فريد شوقي، فبيّن أبعاد الهوية الثقافية في إدارة المنظمات والشركات وتسييرها،
حيث إن تعامل الشركات مع التعدد الهوياتي الثقافي والاختلاف المترتب عليه يتطلب أخذ
خصوصية ثقافة بلد ما، بكل ما فيها من تشعبات بعين الاعتبار ضمن السياق الذي تعمل
الشركة فيه، وذلك من أجل تحقيق أهدافها وتسيير عملها في إطار هوية ثقافية
مختلفة، بينما تحافظ على خصوصية هويتها الثقافية في الوقت نفسه.
وأوضح د.عبداالله البياري مفهوم الفضاء الثالث الموجود في الدول والمدن باعتباره فضاءً
يحتوي ثنائيات الهوية ويتعامل معها بشكل خطابي، دون أن يهدد السردية الرسمية
للدولة، إضافة إلى دور هذا الفضاء في بناء هوية ثقافية نابعة من الواقع المُعاش
للمواطن، بشكل مغاير للهوية الثقافية الرسمية للبلد. وتكمن الأزمة عربياً في انعدام
وجود أماكن الفضاء الثالث هذه وتحوّلها إلى أنماط استهلاكية، أو توقفها عن أداء دورها
في إنتاج المعرفة والخطاب الثقافي.
بينما أكد د.وليد سالم أن هناك إشكاليات في الروابط بين الهوية والمواطنة والدولة
المدنية، خاصة في التعامل مع الأقليات؛ إذ يتم تهميشها وتنفصل عن بعضها البعض
وعن الأكثرية بسبب فشل إدارة التنوع في الدولة والاحتفاء به، بل يتم إقصاء الأقليات
باسم الأقلية المسيطرة أو حكم الأغلبية المسيطرة، فلا تكون حقوق المواطنين
متساوية في المواطنة. وإن حلّ هذه الإشكاليات يكمن في الانتقال من مفهوم سيادة
الشعب إلى مفهوم سيادة المواطن من أجل بناء التماسك الاجتماعي.