24-03-2021 04:57 PM
بقلم : هناء الاعرج
إن حالة الانكار الاميركي التي تنادي باستحالة الصعود الصيني على المسرح الدولي واكتساحها لمساحات الفعل السياسي و الاقتصادي والدبلوماسي والثقافي باتت غير مجدية ذلك أن التاريخ السياسي للدول العظمى يخبرنا أن الطبيعة السياسية لا تقتضي الثبات و لا تقبل بأحادية السيطرة وأن المعطيات كاملة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا باتت تشير الى صعود واضح للتنين الآسيوي.
بيد أن عقلية الولايات المتحدة في الاستجابة مع هذا الواقع الجديد لا تزال تصر على استخدامها للأسلحة الفرويدية كالإنكار والتعالي عبر توظيفها لأدوات دبلوماسية وغير دبلوماسية مع الصين ليس فقط لكونها شرطي العالم وإنما لقناعتها ان الطفل الصيني قديماً لم يبلغ مكانة النظام الدولي متعاليةً على الادلة الدامغة التي تثبت أن الطفل هذا بات عوده اليوم مشدوداً وأضحى ينافس ويتفوق في العديد من المجالات وأن مستويات الثقة والحزم في سياساته
" دبلوماسية المناورة " وردوده على الاتهامات الحادة باتهامات مضادة اكثر حدة باتت غير مسبوقة.
بدت الساعات الاولى للقاء الرسمي الاول هذا العام بين واشنطن وبكين والذي جمع كبار الدبلوماسيين الاميركيين والصينيين في ولاية الاسكا الاميركية،
خالية من أي لباقة دبلوماسية بل تعدتها الى استخدام واشنطن على لسان كل من وزير خارجيتها انتوني بلينكين ومستشار أمنها القومي جيك سوليفان أسلوب التوبيخ لبكين ظنا منها أن الاخيرة ستطأطأ رأسها كما تفعل ذلك دول الأطراف التابعة لأمريكا،
وتبتلع اتهامات واشنطن لقمعية بكين في هونغ كونغ و" التبت " ومنغوليا الداخلية وأقلية الايغور في إقليم شينجيانغ والاستقواء في تايوان والحرب السيبيرية
والمضايقات الاقتصادية.
كشفت بكين في الجولة الافتتاحية بين القوتين وبوضوح أن استراتيجية دبلوماسية الظل الصينية التي روج لها الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ في أن بكين يجب ان تخفي قوتها وتتمهل تقهقرت أمام سياسة الذئب المحارب المتبعة منذ تسلم تشي جي بينج.
فجاء الرد مزلزلا على لسان يانغ جيشي أعلى مسؤول دبلوماسي في الحزب الشيوعي الصيني و وانغ يي وزير خارجية بكين مفاده
بأن أميركا لا تمثل الا حكومتها وهي نفسها لطالما انتهكت حقوق الانسان في الداخل الاميركي وفي البلاد التي تدخلت في شؤونها الداخلية بل ذهب المسؤول الصيني بعيدا وتوعد باتخاذ اجراءات حازمة ضد التدخل الاميركي ناصحا النسر الكبير بأن يتخلى عن عقلية الحرب الباردة.
الاحتواء الأمريكي الصيني / والفشل الذريع/
أظهرت الايام الاولى لتولي الرئيس الاميركي جو بايدن لمنصبه استمراره في ذات النهج الترامبي باعتبار الصين تهديدا للنظام والاستقرار العالميين وانحيازه لسياسة احتواء الصين على غرار احتواء الإتحاد السوفياتي ابان الحرب الباردة على الرغم من أن ثوابت السياسة والاعلام في الداخل الاميركي في السنوات القليلة الماضية تصر على أن نهج الاحتواء هذا محكوم بالفشل؛
فالدفع الى هذه السياسة بالاضافة الى سياسة التعايش التنافسي لم يزد بكين الا اصرارا لبلوغ اهدافها ليس فقط على الصعيد الاقليمي و انما على الصعيد الدولي أيضًا.
عقل اميركا اللاواعي لا يزال مؤمنا باحتواء الصين من خلال حشد تحالفات اميركية في آسيا و غيرها لمواجهة التحدي الصيني عبر اثارة الخواصر الرخوة في محيط الصين الجيوسياسي.
أولى علامات الفشل في سياسية الاحتواء كان اجتماع قمة كواد الافتراضي الذي سبق اجتماع الاسكا والذي ضم كل من استراليا والهند و اليابان واميركا لمحاصرة الصين،الا أن هذا التحرك لم يأت أكله،
لأن هذه التحالفات وإن اختلفت مع الصين ايديولوجيا و تنافست معها جيوسياسيا الا أن اقتصادياتها كما اقتصاد اميركا تعتمد بشكل كبير على الصين بعكس الاتحاد السوفياتي التي نجحت سياسة الاحتواء له بسبب عدم وجود اي تعامل اقتصادي مع حلفاء اميركا .
لقد نجحت الصين خلال العقد الاخير من تمتين سوق استثمارها في محيطها القريب والبعيد تحت شعار الرد على ما يبدو احتواءً للصين.
ويبقى السؤال هل ستتخلى اميركا عن رفضها لفكرة صعود الصين الذي وبحسب دراسات اميركية سيتبوأ المركز الاول في شتى المجالات في غضون ١٠ سنوات؟
وهل سيقبل النسر الاميركي بهذه الحقيقة ويفتح مجالات للتعاون أم ان استمرارية رفضه لفكرة زحزحة النظام الدولي عن أحاديته سيحيل الحرب الباردة الى صراع عسكري حقيقي؟
العالم ما بعد نفوذ الصين ليس كما قبله
وعلى كل الأطراف المعنية بهذا الشأن وفي مقدمتهم بكين و واشنطن أن يطبقا ما قاله تشرشل ثعلب الصحراء قديماً:
a jaw-jaw is better than war-war .
حيث التفاوض والحوار والاتفاق على شكل جديد للنظام الدولي أفضل بكثير من الذهاب نحو حروب ستكون كارثة على الإنسان والهواء و الشجر والحجر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-03-2021 04:57 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |